مقالات

شينكر أعطى أجواء إيجابية أمام السياسيين وسلبية أمام الاعلاميين

لم يكد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر يُنهي محادثاته في بيروت مع السياسيين اللبنانيين حتى انتقد الحكومة الحالية بأنّها غير قادرة على اتخاذ قرار موحّد بشأن إعادة إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البرّية والبحرية، وذلك خلال دردشة مع بعض الإعلاميين اختارتهم السفارة الأميركية وجمعتهم به في عوكر. غير أنّ أوساطاً ديبلوماسية مطّلعة تجد بأنّ شينكر من خلال كلامه هذا قد توقّف عند ما حاول سلفه ديفيد ساترفيلد إعلانه قبل انتهاء مهامه عن أنّه «بذل جهداً ، وأنّ لبنان لم يستجب»، وقد لقي بشكل مباشر «تهديداً» من قبل رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي توعّد قائلاً «إن بادر الى خطوة كهذه سأصدر بياناً وأُعلن فيه أنّ واشنطن ماطلت وتُماطل في معالجة هذا الملف الحسّاس والخطير على الحدود، سيما وأنّ عملية الترسيم تفوّت على إسرائيل فرصة الإنتقاص من الحقوق اللبنانية في المياه وعلى اليابسة».

وأضافت الاوساط، بأنّها استشفّت ممّا قاله شينكر بأنّه لا ينوي بدء المفاوضات أو إعادة إطلاقها من جديد، سيما بعد أن اطلع على موقف لبنان الثابت من خلال لقاء رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس والحكومة هو «عدم التنازل عن كوب واحد من المياه، ولا عن أي شبر من أرضه، والتمسّك بالسيادة اللبنانية كاملة برّاً وبحراً، وإنّه ليس بصدد التراجع عن هذا الموقف قيد أنملة مهما كانت الأسباب». وهذا الموقف، على ما أكّدت الاوساط، كفيل بجعله يتراجع كونه آتٍ ليعطي حليفه الإسرائيلي ما يريد، خصوصاً وأنّ هذا الأخير قد «تحايل» من خلال قبول بعض المطالب اللبنانية ثمّ عاد لينسفها قبل مغادرة ساترفيلد.

ولكن هذا الأمر لا يعني تنازل الولايات المتحدة عن استكمال مفاوضات الترسيم، على ما أوضحت الاوساط، إنّما على عدم استعجالها كون لبنان لن يُغيّر موقفه الثابت والواضح والذي لا ولن يرضيها ولا يرضي حليفتها «إسرائيل». فالتفاوض قبل أن ينتقل الى شينكر كوسيط أميركي للمفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي، قد عاد خطوات الى الوراء من خلال طرح ساترفيلد ما تريده «إسرائيل»، بأن تستضيف الأمم المتحدة المفاوضات ولكن من دون رعايتها ورئاستها، مقترحاً أن يرأسها الوسيط الأميركي في حضور الجانبين المعنيين. وهذه الإقتراحات «الساترفيلدية»، أظهرت، على ما أكّدت الأوساط نفسها، أنّ الولايات المتحدة تودّ إجراء مفاوضات «مباشرة»، وهو ما رفضه الرئيس برّي بشكل قاطع، كونه المفاوض باسم لبنان في موضوع الترسيم، مشدّداً على أنّ لبنان يرفض استئناف المفاوضات من دون ضيافة الأمم المتحدة ورعايتها وترؤسها لها عبر المنسّق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش. كما رفض ما اقترحه الجانب الإسرائيلي عن ضرورة تحديد فترة 6 أشهر لإنهاء المفاوضات.

وما حاول شينكر إظهاره قبل مغادرته لبنان بأنّ «الحكومة اللبنانية مضعضعة وغير قادرة على اتخاذ قرار محدّد»، على ما لفتت الأوساط نفسها لا ينطوي على نوايا طيّبة من قبل واشنطن و«تلّ أبيب»، بإعادة إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود من جديد، بل محاولة للقول بأنّ مواقف السياسيين اللبنانيين ليست موحّدة، فيما الموقف الإسرائيلي موحّد. علماً أنّ العدو «الإسرائيلي» قد نسف كلّ ما جرى الإتفاق عليه خلال حركة ساترفيلد المكوكية التي حصلت في شهري حزيران وتموز المنصرمين.

ولا تبدي الأوساط نفسها أي تفاؤل بمهمة الوسيط الأميركي الجديد شينكر الذي أشاع أجواء إيجابية وممتازة خلال لقاءاته بالمسؤولين السياسيين، فيما خرج ليتكلّم الى الإعلام بشكل سلبي ومتناقض عن أنّه «عندما توافق الحكومة اللبنانية وتُعلن استعدادها للدخول في المفاوضات، ستبدأ هذه المفاوضات»، في محاولة منه للإيحاء بأنّ لبنان غير موافق على استئناف المفاوضات. وأشار الى أنّه «لا يُمكن توصيف حالة التفاوض حول ترسيم الحدود حالياً لأنّنا نتفاوض على التفاوض»، معتبراً أنّ هذا الملف بحاجة الى قرار سياسي ولكنّ القادة السياسيين غير قادرين على اتخاذه». كما أصرّ على «تقدير الوقت، وتحديد الحدود البريّة تحت إشراف الأمم المتحدة وبدعم من الحكومة الأميركية» وليس برعاية ورئاسة الأمم المتحدة، ما يدلّ على أنّه يتمسّك بكلّ ما انتهى اليه ساترفيلد ولم يُوافق عليه لبنان.

وإذ تمنّى شينكر أن «يتمكّن لبنان من التوصّل الى اتفاق مشترك مع جيرانه حتى يتمكّن من الإستفادة من المخزون الطبيعي في المنطقة البحرية»، وقال إنّ « الطرفين لم يُقرّرا بعد الإنخراط في المفاوضات»، واصفاً إيّاها بأنّها «صعبة ومعقّدة»، كما أنّه «لا يملك الصبر نفسه الذي يتمتّع به سلفه ساترفيلد»، فلا شيء يُبشّر بالخير، على ما أضافت الأوساط نفسها، خصوصاً وأنّ لبنان ينتظر أن يتنازل العدو الإسرائيلي عمّا يدّعي أنّها حقوقاً له، لا أن يقوم هو بتقديم «هدايا مجانية» له لكي يتمكّن من الإستفادة من ثرواته الطبيعية في المنطقة الإقتصادية الخالصة.

 

الديار _ دوللي بشعلاني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى