مقالات

إسرائيل في دوّامة جلبوع: الفشل… وما بعده

تبدو إسرائيل، بعد عملية تحرّر الأسرى الستّة من معتقل جربوع، في وضع لا تُحسد عليه. حتّى الآن، لا مؤشّرات واضحة في شأن مدى قدرتها على إيجاد الأسرى وإعادتهم إلى المعتقل، الأمر الذي يضع تل أبيب في موقف حرِج. والأمر هنا لا يقتصر على التعامل مع العملية بحدّ ذاتها، بل يتعدّاه إلى التداعيات المترتّبة على عدم إيجادهم

إذا لم تُعِد إسرائيل اعتقال الأسرى الفلسطينيين الستّة، الذين نجحوا في تحرير أنفسهم من معتقل جلبوع، فستكون أمام تداعيات صعبة على أمنها، يتعذّر تصوّر حدّها النهائي. فما يترتّب على تحرّر الأسرى شيء، وما سيستجلبه عدم التمكّن من إعادتهم إلى الأسر أشياء. وإذا كان بمقدور إسرائيل أن تقول إن الفشل في منع العملية لن يتكرّر، كونها ستتّخذ إجراءات تحول دون ذلك، إلّا أنها ستعجز عن تدارك تبعات نجاح الأسرى في التواري، والفشل في العثور عليهم وإعادتهم، أحياء أو أمواتاً، كما يتردّد في الإعلام العبري. إذ سيشكّل هذا عامل تشجيع كبير في الوعي الفلسطيني، سيدفع أسرى آخرين إلى محاكاة ما جرى والتخطيط لعمليات أخرى، عبر استغلال أيّ ثغرة يجدونها في منظومة المعتقلات. وفي الوقت نفسه، سيحفّز التطوّر الأخير الفلسطينيين عموماً على تحدّي المنظومة الأمنية الإسرائيلية التي ثَبُت عجزها وتقلّص تحكّمها، في ما يمثّل ثقباً كبيراً في مستوى الردع لديها، تمتدّ تداعياته على أكثر من مستوى واتجاه، في حركة الصراع مع العدو، وبما يتجاوز قضية الأسرى.

الواضح أن إدراك إسرائيل لكلّ ما تَقدّم هو الذي يحكم إصرارها على إعادة الأسرى الستّة، في مسعى تتكافل فيه الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام. ومن هنا، يجدر التعامل مع أيّ تقرير أو خبر أو تحليل أو أسئلة في الإعلام العبري، على أنها جزء من معركة العثور على المحرَّرين، بل إن الحديث عن أنه لا يوجد «طرف خيط» لدى المحقّقين بشأن وجهة هؤلاء، ربّما يمثّل حديثاً تضليلياً، يتعيّن التعامل معه بحذر شديد، والامتناع عن البناء عليه، علماً أنه في مسيرة الصراع مع المحتلّ، تجارب مماثلة كثيرة شارك فيها الإعلام العبري، وكان هو السلاح التضليلي الأول، مع تجنّد طوعي، من دون أيّ حدّ أو مانع مهني، من قِبَل الإعلاميين. وبحسب التقارير الإعلامية العبرية التي تبدو موجَّهة من الأجهزة الأمنية، لا تضع إسرائيل لنفسها، بمعيّة وكيلها الفلسطيني في الأراضي المحتلّة، مهلة زمنية لإعادة الأسرى، بل تجعل المهلة شبه مفتوحة، وهو إجراء دفاعي من شأنه أن يؤجّل ما أمكن إعلان الفشل، إن استمرّ نجاح الأسرى في التواري، فضلاً عن توجيه رسالة إسرائيلية إلى الوعي الفلسطيني، هي بمثابة محاولة لكسر مقولة إن عامل الزمن يلعب لمصلحة المحرَّرين، وبالتالي الانقضاض مسبقاً على الانتصار الفلسطيني والحدّ من تداعياته، في المرحلة الفاصلة التي تأمل إسرائيل أن لا تكون طويلة، إلى حين إعادة الأسرى، في حال تمّ لها الأمر.

وكي لا تُتوهّم وطنية مَن يعملون لمصلحة العدو، عبر «التنسيق الأمني» مع أجهزته، كان لافتاً التنسيق الذي أدّى إلى نجاح عمليات الاعتقال التعسّفية بحق أقارب الأسرى وأصدقائهم ومعارفهم في جنين، حيث السيطرة الاسمية لأجهزة السلطة. وهو ما لا يتعلّق بأمور إجرائية ميدانية، عبر إجلاء القوات الفلسطينية نفسها منعاً للاحتكاك المباشر مع العدو وتسهيلاً لمهمّة الاعتقال فقط، بل يشمل أيضاً تعاوناً استخبارياً، ترد إشاراته في التقارير الإسرائيلية. وفي هذا الإطار، أشارت «القناة 12» العبرية إلى أن «هناك سلسلة من الأعمال في المجالَين العلني والسرّي، في حين أن التركيز هو على الجهد الاستخباري، في منطقة جلبوع نحو خطّ التماس، وأيضاً في منطقة جنين داخل مناطق السلطة الفلسطينية، وهذه الأعمال تجري طوال الوقت على يد الشاباك وجهات إضافية (السلطة الفلسطينية)، وحتى الآن لا يمكن القول إن هناك اختراقاً، لكن هذه الجهود، كلّ مرة، تُقرّب المحقّقين، وتُعلّمنا أمراً معيّناً يمكن أن يقود بمعلومات استخبارية إلى توقيف المخرّبين الهاربين».

تبقى الإشارة إلى القلق الإسرائيلي من البيان الصادر عن «حركة الجهاد الإسلامي» (خمسة من أصل الأسرى الستة هم من «الجهاد»)، التي هدّدت بأنه في حال أصيب الأسرى، أو قُتلوا، فإنها ستستهدف إسرائيل بالصواريخ. ويمثّل هذا التهديد عامل ضغط على الاحتلال، كما من شأنه منع التمادي في الاعتداء على الأسرى، في حال استطاع العدو إلقاء القبض عليهم. كذلك، يجدّد التهديد الربط بين قضايا المناطق الفلسطينية المحتلّة على اختلافها، مع القدرة العسكرية الموجودة في غزّة، والتي سعت إسرائيل طويلاً لإنهاء ارتباطها بغير القطاع، وتَبيّن فشل محاولاتها خلال مواجهة «سيف القدس» الأخيرة، والآن يعاد تأكيد تلك المعادلة بوصفها قائمة ومفعَّلة. وكيفما اتّفق، يمكن القول إن الفلسطينيين انتصروا في معركة الفرار من القبضة الأمنية الإسرائيلية، وهم الآن في معركة ما بعد الفرار، والتي سيكون الانتصار الثاني فيها، إن لم تتكالب إسرائيل وحلفاؤها على الأسرى، مُحقّقاً لا محالة.

 

 

الأخبار _ يحيى دبوق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى