لجنة الإصلاحات: حذارِ الإقتراب من الإمتيازات المحرّمة
الصورة الاقرب الى الواقع ان موازنة 2020 قد لا تصل الى مجلس النواب منتصف هذا الشهر، كما ان لجنة الاصلاحات المالية ضائعة بين اقتراحات لا تعرف اين تدرجها وكيف ومتى. ما بين الموازنة واللجنة الكثير من الالتباس وسوء التفاهم وسوء الإفهام
لا يقصّر هؤلاء في القول ان مجلس النواب مقبل على تسلم موازنة ليست اسوأ من التي سبقتها قبل ثلاثة اشهر فحسب، بل نسخة مشّوهة عنها بعدما تشفّعت بموازنة 2019 وعودها بادماج اصلاحات اقتصادية ومالية بنيوية في تلك التي ستليها.
تبعاً للمطلعين عن قرب على مداولات اللجنة، فإن وجهتي نظر متناقضتين تتجاذبانها:
اولى، تحصر اهتمامها بمشروع الموازنة واقرارها في مجلس الوزراء في اسرع وقت، دونما اي تعديلات على الصيغة التي احالها اليه وزير المال علي حسن خليل. يقول اصحاب هذا الرأي ان التزام المهلة الدستورية للاحالة الى البرلمان هو الانجاز الفعلي لموازنة ينتظرها مؤتمر سيدر من الحكومة اللبنانية. يعتقد هؤلاء ايضاً بأن الاقرار العاجل للموازنة تتطلبه وكالات التصنيف الدولية، ما يوجب مقاربة موازنة 2020 على انها استحقاق في ذاته، يكتفي بأرقام النفقات والواردات. في ما يقوله وزير المال في جلسات مجلس الوزراء ولجنة الاصلاحات انه لا يريد المبالغة في ارقام الواردات، ويفضّل اعتماد ارقام واقعية. وفق ما سمعه منه زملاؤه الوزراء خفّض عجز الكهرباء من 2500 مليار ليرة الى 1500 مليار في موازنة 2020 – وهو ما رفضته وزير الطاقة ندى البستاني في مجلس الوزراء وطالبت بحد اقصى هو 2200 مليار – من غير اقتران هذا الخفض بتعزيز الواردات وتحسين التغذية وتنفيذ خطة الكهرباء الذي لا يزال معلقاً.
على نحو كهذا تتزايد الانتقادات داخل لجنة الاصلاحات. لا احد يريد الخروج منها، الا ان احداً لا يريد اضفاء الجدية على عملها. بذلك لا تنفصل مناقشاتها عن تلك الدائرة في مجلس الوزراء المسكونة بهاجس وحيد هو اقرار الموازنة قبل منتصف هذا الشهر، من غير ان يكون الامر مؤكداً تماماً، لكن ايضاً من غير اتمام مهمة لجنة الاصلاحات على نحو ما رامه قرار انشائها. في كل مرة مرة يناقش مجلس الوزراء بنداً في الموازنة ويُطرح اقتراح اصلاحي يُجبه بموقف شبه متفق عليه من غالبية الوزراء، هو احالة الاقتراح الى لجنة الاصلاحات كي لا يتسبّب في تأخير اقرار الموازنة.
وزراء يتوقعون موازنة 2020 نسخة مشوّهة عن موازنة 2019
لا يقتصر الخلاف في لجنة الاصلاحات على الفصل بين برنامجها والموازنة، بل يرتبط مباشرة بايلاء الموازنة اهمية مستقلة على ان تكون الاصلاحات في مرحلة تالية ليست عاجلة فحسب، بل من الضروري عند فريق من الوزراء ابطاء سرعتها تفادياً للدخول في محظور المكتسبات المحرّمة التي يفترض اي اصلاح جدي الخوض فيها، وانتزاعها من المرجعيات السياسية الكبرى التي تعدّها امتيازات قاربت، على مرّ العقد الاخير، منذ اتفاق الدوحة في احسن الاحوال، ان تمسي تاريخية ومطوّبة حتى، شأن الحديث عن الاملاك البحرية والنهرية والجمارك والاتصالات والكهرباء والمرافق الرئيسية الموزّعة على المرجعيات تلك. اضف التوظيف غير القانوني لعشرات آلاف من الاشخاص على صلة بالمرجعيات السياسية الكبرى التي قايضت بهم انتخابات 2018. ما ان يُطرح في لجنة الاصلاحات اقتراح بإيجاد حل لهذا البند نظراً الى تداعياته المالية الكبيرة على الخزينة، يسارع معظم الوزراء الى اطفاء الحديث عنه من غير مناقشته حتى.
لا تكمن المشكلة في ارقام الموازنة ولا في اقتراحات الاصلاحات فقط. تقيم كذلك في ازمات سياسية تلاحقت ما بين التصويت على موازنة 2019 في مجلس النواب في تموز وبين مباشرة مجلس الوزراء مناقشة موازنة 2020 في ايلول: ثلاثة اشهر من نزاعات سياسية اوشكت ان تسقط البلد في صراعات مذهبية، بدءاً بالخطاب الحاد للوزير جبران باسيل متنقلاً بين المناطق، مروراً بحادثة قبرشمون وتالياً نشوء نزاع سياسي مسيحي ـ درزي تحوّل الى اشتباك دموي درزي ـ درزي حال دون التئام الحكومة اكثر من شهر، هي ثلث المهلة الكفيلة بانجاز موازنة 2020 واصلاحاتها.
الأخبار _ نقولا ناصيف