10 في المئة من قيمة التعويضات فقط صُرفت: الدفع للمحظوظين ولـ«من حضر»!
بعد عام على كارثة الرابع من آب، لا يزال أكثر من 18 ألف شخص مبعدين قسراً عن منازلهم بسبب نقص التعويضات التي لم يُصرف منها إلا 10 في المئة. لأن الأموال المخصصة للتعويضات قليلة، أعطى الجيش الذي يتولى توزيعها الأولوية للتعويض على الوحدات السكنية المصابة بأضرار «متوسطة» أو «دون المتوسطة»، على أن يكون التعويض للوحدات المدمرة في «مراحل مُقبلة»… يبدو أنها ليست قريبة
من أصل 1500 مليار ليرة نصّ عليها قانون حماية المناطق المتضررة من تفجير المرفأ (القانون 194/2020)، حوّلت «الهيئة العليا للإغاثة» إلى الجيش اللبناني 150 مليار ليرة فقط أنهى توزيعها في آذار الماضي. هذه الأموال التي لا تتجاوز نسبتها 10 في المئة من إجمالي التعويضات المستحقة لمتضررين واجهوا الموت وخسروا أماكن سكنهم وأرزاقهم، وُزّعت بشكل «غامض» و«غير مفهوم»، بحسب بعضهم، على «محظوظين»، فيما لا يزال كثيرون ينتظرون، ويشكون غياب المعايير الواضحة في توزيع مساعدات لم تعد تكفي اليوم لتغيير «مسكة باب» أو حتى «حنفية». فيما بدا جلياً حجم الفوضى التي حكمت إدارة الملف وغياب التنسيق بين الجمعيات وعناصر الجيش الذين لجأوا إلى إجراء مسوحات ميدانية أكثر من مرة في بعض الأحيان.
المساعدات المالية التي وُزِّعت عبر الجيش ركزت على دفع تعويضات لإعادة إصلاح الأبواب والنوافذ وأعمال الصيانة الخارجية، «أما عمليات التبليط والدهان وتغيير الأثاث وغيرها فبقيت في أيدي عشرات الجمعيات التي استلمت أعمال إعادة تأهيل بعض الشقق»، على حدّ تعبير حمزة، أحد سكان منطقة الكرنتينا، مُشيراً إلى «وساطات» كان نتيجتها أن «بعض الأبنية أنفقت عليها بعض الجمعيات ملايين الدولارات فيما لم يُصرف على الحيّ الذي نقيم فيه، مثلاً، أكثر من 200 ألف دولار».
بعض المتضررين أكدوا، أيضاً، أن التعويضات دُفعت لـ «من حضر»، بعدما اشترط الجيش أن يتواجد أصحاب المنازل المتضررة فيها أثناء توزيع المساعدات وإجراء المسح، ما حرم كثيرين من حقهم لعدم إمكان تواجدهم في المنازل المتصدعة أو بسبب إصاباتهم أو انشغالهم في دفن أقرباء!
أما المُفارقة الكبرى فتكمن في إعطاء أولوية التعويض للوحدات السكنية المصنفة ضمن فئة «متوسطة الأضرار» و«دون المتوسطة»، باعتراف الجيش الذي عقد مطلع آذار الماضي مؤتمراً صحافياً أعلن فيه أن «الشقق السكنية التي تحتاج إلى أموال طائلة لترميمها ستُترك إلى مراحل ثانية».
حتى الآن، لم يحن وقت تلك «المراحل الثانية»، وتوقفت التعويضات عند عتبة الـ150 مليار ليرة التي لم توزع على كل المتضررين. عنى ذلك استمرار تهجير أكثر من مئة ألف شخص تركوا منازلهم المدمرة قسراً. ورغم غياب أي إحصاءات دقيقة ورسمية لعدد العائلات التي هجرت منازلها، يقدّر مخاتير الأحياء المتضررة أن نحو 25 في المئة من السكان هُجّروا من منازلهم بعد الانفجار، 15 في المئة منهم تمكنوا من العودة، ولا يزال 10 في المئة خارج منازلهم لعدم حصولهم على تعويضات. وبالاستناد إلى الأرقام التقديرية التي خلص إليها المسح الميداني الذي أجراه الجيش اللبناني وتُفيد بأن أضراراً مادية لحقت بأكثر من 62 ألف وحدة سكنية، فإن التقديرات تقود حكماً إلى أن سكان نحو 6200 وحدة لم يعودوا إلى منازلهم، أي أن 18 ألف شخص على الأقل (بمعدل ثلاثة أشخاص لكل وحدة سكنية) لا يزالون مُبعدين قسراً عن بيوتهم بسبب غياب التعويضات.
المحامية يمنى مخلوف، وهي من القاطنات في محيط المرفأ، لفتت إلى أن القانون «لم يلحظ آلية تمويل واضحة تضمن بشكل صريح حق المتضررين من التعويض»، فقد «قيل للسكان هذه دفعة أولى والباقي عندما الله يفرجها في حين قد يفضل السكان أن يقال لهم بشكل واضح حجم التعويض النهائي مهما كان زهيداً ليبنوا على الشيء مقتضاه»، مُشيرةً إلى أن مجمل عملية التعويض «لم تلحظ صوت السكان ورغبتهم في العودة السريعة إلى منازلهم بشكل آمن». وشددت على ضرورة إنشاء صندوق للتعويضات بشكل واضح، «إثباتاً على نية تدفيع المرتكبين بعد انتهاء التحقيقات تلك التعويضات. هذا يجب أن يكون محط ضغط ومطالبة كي لا تموت القضية وتصبح شأناً خاصاً بالمتضررين فقط».
الأخبار _ هديل فرفور