لبنان

الأخبار: عين الحلوة مقابل جنين

كتب فراس الشوفي في الأخبار: 

تحوّلت رمزية مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين إلى لعنة تطارد المخيّم وسكّانه ومدينة صيدا، مع كلّ تغيّر داخل فلسطين المحتلّة، أو تحوّل إقليمي ودولي. أكبر مخيّمات الشتات الفلسطيني القابع خلف جدارٍ إسمنتي بنته الدولة اللبنانية في ظل صمت مريب لغالبية القوى اللبنانية، بقي الشاهد الأبرز على القضية الفلسطينية وحق العودة، بعد تدمير مخيّم اليرموك الذي سيطرت عليه الجماعات الإرهابية وحوّلته إلى قاعدة للهجوم على دمشق من جنوبها. وإذا كان حقّ العودة على رأس قائمة التصفية بالنسبة إلى المشروع الصهيوني، فإن مخيّمات اللجوء، وأوّلها عين الحلوة، تشكّل الهدف المناسب لمواكبة التهجير الممنهج للفلسطينيين مع التوسّع الاستيطاني اليهودي في الضّفة والقدس. وتتكامل هذه الأحداث مع خطة تصفية وكالة «الأونروا» ضمن «صفقة القرن»، ومع آخر البدع الصهيونية، بالمطالبة بدفع تعويضات لليهود بحجة تهجيرهم من الدول العربية، للردّ على مطالبة الفلسطينيين بتعويضات عن تهجيرهم واحتلال بيوتهم وأراضيهم منذ ما قبل عام 1948 بعقود!

حتى الآن، لا تزال خيوط كثيرة ممّا حصل في عين الحلوة، بين صباح السبت 29 تموز والخميس 3 آب، مطمورةً تحت غطاء الروايات الأمنية والروايات المضادّة، وضمن لعبة التجاذب بين الفصائل الفلسطينية البارزة، ولا سيّما حركتَي فتح وحماس، في صراعهما المفتوح على احتكار تمثيل الشعب الفلسطيني وبسط النفوذ على الساحات الثلاث، غزة والضفة ومخيمات لبنان.
لكنّ المؤكّد أن المحرّك الأول للمعارك، على قاعدة المستفيد الأوّل، هو إسرائيل، في لحظة إقليمية حاسمة تسقط فيها خرافة الدولة الفلسطينية الموعودة، وتشتدّ فيها دعوات التطبيع مع الدول العربية، وفي طليعتها السعودية، وفي لحظة تصاعد قوة المقاومة في الضّفة، ونجاح عشرات المقاومين بهزيمة آلاف جنود النخبة من جيش العدوّ في مخيّم جنين المحاصر.

تزامناً، تستمر الجهود لتنفيذ خريطة الطريق التي اتفقت عليها هيئة العمل الفلسطيني بدعم من الرئيس نبيه برّي وحزب الله ومخابرات الجيش اللبناني، والتي تتضمّن وقفاً فورياً لإطلاق النار وتشكيل لجنة تحقيق، وتسليم المرتكبين إلى القضاء اللبناني. إلّا أن الخوف لدى القوى الفلسطينية والجهات السياسية والأمنية اللبنانية التي تحدّثت إليها «الأخبار» لا يزال مستمراً، مع قناعة الجميع بأن ما حصل «جولة في حرب فُتحت، ولا يملك أحدٌ ضمانة إنهائها».

خلفيات سياسية
لما حصل، جوانبه الميدانية، وخلفياته وأبعاده السياسية الواضحة. ويمكن تلخيص الجانب السياسي بالآتي:
أوّلاً، شعور العدوّ الإسرائيلي بالعجز عن القضاء على المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية، وتمدّد نفوذ فصائل المقاومة في الضفة على حساب السلطة الفلسطينية، التي لم تعد تؤدّي الغرض بالنسبة إلى الاحتلال في ضبط العمل الفدائي، بل على العكس من ذلك، انخرط بعض أبناء كتائب شهداء الأقصى التابعة لـ«فتح» في مجموعات مع فصائل أخرى بهدف ضرب الاحتلال.
ثانياً، بروز دور جديد لحركتَي الجهاد الإسلامي وحماس في لبنان وشعور العدو الإسرائيلي بأن مشروع وحدة الساحات بات يتضمن مشاركةً فلسطينية إلى جانب المقاومة اللبنانية في أي معركة مقبلة ضد الاحتلال. ويبدو، هنا، أن العدو يحاول – بالتنسيق مع أكثر من جهة فلسطينية وإقليمية ودولية – إثارة فتنة دموية في الساحة اللبنانية التي يتصرف معها، ليس كمركز للمقاومة الإسلامية فحسب، بل كقاعدة خلفية لدعم نشاط المقاومة المسلحة في فلسطين، خصوصاً في الضفة الغربية. ويبدو أن العدو قد أقنع البعض بالضغط في لبنان لتخفيف الأعمال في الضفة، وصولاً إلى ما جعل البعض يطلق على ما يجري «عين الحلوة مقابل جنين»، في إشارة إلى أن العدو والمتحالفين معه يريدون ابتزاز فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان، بالتهديد بفتنة دموية في لبنان ما لم يتم وقف العمل الفدائي في الضفة الغربية.

ثالثاً، الكلام الكثير عن خلافات داخل حركة فتح في لبنان ضمن صراعات النفوذ والسلطة، والتصدّعات في جسم الحركة وضعفها عسكرياً في الأحداث الأخيرة، ما يسمح لأعداء فتح من الجماعات الإسلامية بتسديد ضربات أمنية للحركة.
رابعاً، زيارة مثيرة للجدل قام بها مدير المخابرات الفلسطينية العامة إلى لبنان ماجد فرج، وهو أحد أبرز وجوه التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهي زيارة سبقت لقاءات تركيا والقاهرة بين قيادات الفصائل الفلسطينية. وحملت الزيارة تأويلات حول دور فرج في تحريض الحكومة اللبنانية على حركتَي الجهاد وحماس، ووصلت إلى اتهام بعض القوى الفلسطينية لفرج بتنسيق الصدام الأمني في المخيّم. إلّا أن مدير مخابرات الجيش اللبناني العميد طوني قهوجي ومدير الأمن العام اللبناني بالإنابة اللواء الياس البيسري، أكّدا لـ«الأخبار» أن زيارة فرج لم تتناول أي حديث عن فصائل المقاومة الفلسطينية، بل تمحورت حول مسألتي التنسيق الأمني بين الأجهزة اللبنانية والفلسطينية، وحول أمن المخيمات الفلسطينية والمحيط اللبناني. كما علمت «الأخبار» أن زيارة فرج حصلت بناءً على دعوة رسمية من مخابرات الجيش اللبناني.

وقد حاول فرج في بيروت الاجتماع مع الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي زياد نخالة لمناقشة ملف الضفة الغربية، ولدعوته إلى حضور لقاء الأمناء العامين في مصر، إلا أن نخالة اعتذر عن عدم الاجتماع به، وهاتفه طالباً منه إطلاق معتقلي الحركة في سجون السلطة في الضفة الغربية قبل أي حديث آخر، مؤكداً أن المقاومة في الضفة حق وواجب وهي مستمرّة.
وسمع فرج الذي انتقل إلى تركيا للمشاركة في اجتماع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع رئيس حركة حماس إسماعيل هنية، كلاماً قاسياً من نائب رئيس حماس الشيخ صالح العاروري الذي نبّهه إلى مخاطر إثارة الفتن في لبنان كما يفعل في فلسطين.
خامساً، تزامنت أحداث المخيّم، مع مناخ لبناني داخلي متوتّر وظهور دعوات المطالبة بالفدرالية والتقسيم، في خطاب يعيد البلد إلى مرحلة ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية، التي حملت ثنائية سياسيةً حول تلازم مسارَي التقسيم وتوطين الفلسطينيين في لبنان. كذلك مع لجوء البعض إلى الترويج بأن الشركات الكبرى التي تخطط للعمل ومواكبة ملف التنقيب عن الغاز في البحر اللبناني، أبدت مخاوفها مراراً من الأمن في المخيمات الفلسطينية ومن إطلالة المخيمات الجنوبية على الشاطئ اللبناني. وتخوّفت مصادر رفيعة المستوى في أحد فصائل المقاومة من أن يكون هناك مخطط لتضخيم وجود القوى التكفيرية في المخيم تمهيداً لضرب المخيم تحت عنوان مكافحة الإرهاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى