لبنان

الشيخ الخطيب: للاستجابة لدعوة الحوار والتوافق لانتخاب رئيس ونأمل التزام المتقاتلين في عين الحلوة بالاتفاق المنجز بتدخل من الرئيس بري

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة، في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: “تعدّدت في هذه الأيام مناسباتٍ لذكرياتٍ أليمةٍ ومصائبٍ عظيمةٍ حلّت على المؤمنين ولم تنقضِ تبعاتها بانقضاء ومرور زمن أحداثها، فمن المصائب ما ينتهي بمرور الزمن وانقضاء الوقت تطول وتقصر حسب أهمية الحدث وأهمية صانعيه وعمومية أثاره أو خصوصيته، ويُكتب لبعضها الآخر الدوام والبقاء لا يُمحى بمرور الزمن وتقلّب الاحوال ومنها المصيبة التي حلّت بالأمة بوفاة نبيّ الرحمة وخاتم الرسل سيّدنا محمد (ص) وأحسن ما نتعزّى به في هذه المصيبة أن نتمثّل بما رثى به امير المؤمنين الامام علي (ع) وخاطب به رسول الله (ص):
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْإِنْبَاءِ وَأَخْبَارِ السَّمَاءِ خَصَّصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ وَعَمَّمْتَ حَتَّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَوَاءً، وَلَوْ لَا أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْجَزَعِ لَأَنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ الشُّئُونِ وَلَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلًا وَالْكَمَدُ مُحَالِفاً، وَقَلَّا لَكَ وَلَكِنَّهُ مَا لَا يُمْلَكُ رَدُّهُ وَلَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي اذْكُرْنَا عِنْدَ رَبِّكَ وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ“.
قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (ع): كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللَهُ، وَقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا، فَدُونَكُمُ الْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ: أَمَّا الْأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمِ، وَأَمَّا الْأَمَانُ الْبَاقِي فَالْإِسْتِغْفَارْ، قَالَ اللهُ تَعَالى: ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)

فقد كان مجرد وجوده (ص) في الامة كافياً لدرء العذاب عنها وحلول الأمان فيها في مقابل استغفار الأمة كلها، فالحدث استثنائي وهو وفاة خاتم الأنبياء وانقطاع الوحي، “بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْإِنْبَاءِ وَأَخْبَارِ السَّمَاءِ” وصاحب الحدث لم يكن شخصية عادية بل أعظم شخصية على الإطلاق سواءً بما له من الصفات التي لا يماثله فيها أحد حتى من العظماء بمن فيهم الرسل والانبياء فضلاً عن غيرهم ممن كانت لهم بصمات على صعيد التحولات الفكرية والاجتماعية التاريخية، لأنها تبقى محدودة التأثير في الزمان والمكان، أما ما أحدثه رسول الله (ص) فهو عام وشامل وغير محدود التأثير في التحولات الاجتماعية والفكرية  لتساهم في الثورة الفكرية والصناعية على الصعيد العالمي والتحرر من الجمود الفكري والتخلف الاجتماعي الذي كان متحكّماً بها وانتقل بالعالم من عصور التخلف الى عصر جديد، وبالأخص على صعيد القيم الانسانية والاخلاقية والتحرّر الفكري من التقليد الاعمى والاساطير والشعوذة والاعراف التي فرضتها مصالح المتحكّمين من الجبابرة، واذا كان هؤلاء قد تمكّنوا من الاحتيال واستعادوا المبادرة والسيطرة فإنما بالتضليل والتعتيم والتشويه وليس بقوة المنطق والفكرة
فالعالم اليوم أضلَّ الطريق ولكنه على صعيد المقارنة فهو قد خطا خطوات جبارة في امتلاك الامكانيات التي تؤهّله السير في طريق السلام والخلاص إذا ما قُدر له التفلّت من شباك وأفخاخ الاضاليل التي تحجبه عن رؤية الحق والتي يتحمل فيها المسلمون مسؤولية خطيرة حيث تخلّوا عن القيام بها، وهي مسؤولية الشهادة على الناس”

وتابع: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا”، وهذه الشهادة انما تكون بالقيام بوظيفتها الإلهية: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).
ولكن انقلبوا على الاعقاب واختاروا الدنيا العاجلة على القيام بالمهمة الرسالية التي أنقذت العالم لو قُدّر لهم التمسّكُ بها وأداؤها بإيصالها الى العالم: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ).
ثم تحولوا ليكونوا عبيداً لدى السلطان وعبيداً لدى الدول الممسكة بمقدرات العالم وأدواتٍ للتضليل بإعطاء الصور المشوّهة للإسلام بنماذج متخلّفة فكرياً يُكفّر بعضها بعضاً ويقتل بعضها بعضاً وهي نفس الصورة التي يرسمها الامام الحسين (ع) في خطابه الى الامة التي خذلته وواجهته في كربلاء حين يقول: ” تَبّاً لَكُمْ أيَّتُها الجَماعَةُ وَتَرَحآ، أحينَ اسْتَصْرَخْتُمونا والِهينَ فَأصْرَخْناكُمْ موجِفينَ، سَلَلْتُمْ عَلَيْنا سَيْفآ لَنا في أيْمانِكُمْ وَحَشَشْتُمْ عَلَيْنا نارآ اقْتَدَحْناها عَلَى عَدُوِّنا وَعَدُوِّكُمْ، فَأصْبَحْتُمْ إلْبآ لأعْدائِكُمْ عَلَى أوْلِيائِكُمْ بِغَيْرِ عَدْلٍ أفْشَوْهُ فيكُمْ، وَلا أمَلٍ أصْبَحَ لَكُمْ فيهُمْ، فَهلا لَكُمُ الوَيْلاتُ“.  
أيها الاخوة والاخوات، إنّ الصورة التي تظهرها الأمة اليوم هي نفس هذه الصورة إذ تحولت الى أداة بيد الغرب يتصرف فيها ضد قواها التي تواجه أعداءها وتريد ان تأخذ بيدها لتملك قرارها ولتكون لها اليد العليا تحمل مشعل الرسالة والهدى والقيم ليتخلص العالم من قوى الهيمنة والاستعباد والفساد الذي ينحدر بها نحو الهاوية”

واضاف: “إنّ المسلمين بهذه الصورة يتشاركون مسؤولية ما يجري اليوم في العالم من فساد وظلم مع قوى الهيمنة الدولية بما يعطونه من صورة مشوّهة ومتخلفة للإسلام تعيق قيامه عن تحقيق الهدف في اخراج العالم من الظلمات إلى النور رحمة للعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) ولئن تخلّف المسلمون عن القيام بهذه الوظيفة وهي وظيفة الهداية للعالم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن هذه الغاية ستتحقق في نهاية المطاف وان خلاص العالم واخراجه من الظلمات إلى النور متحققة لا محالة بحكم قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)  وإن كان على يديه بشكل غير مباشر فإن يوم الخلاص أمر محتوم وحكومة الإسلام الحق ستتحقق يذعن لها الخلق أجمع على يدي حفيده الامام المهدي (عج) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً بعد هذا المخاض العسير والامتحان للأمة التي اخفقت في القيام به بعد ان تخلت عن المنهج الذي رسمه الله تعالى لها وامرها باتباعه وهو التمسك بأهل البيت (ع) الذين قال فيهم رسول الله (ص): (إِنَّهُمْ لَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بَابِ هُدًى، ولَنْ يُدْخِلُوكُمْ فِي بَابِ ضَلَالَةٍ)”.

واردف قائلا: “إذاً، لأنّ طبيعة الحدث وهو وفاة رسول الله (ص) كانت كبيرة ومهولة وهو انقطاع الوحي وانتهاء عصر النبوة، ولأن الشخصية صاحبة الحدث كانت استثنائيةً سواءً في ما تفرَّد به من صفات يكفي منها ما وصفه الله تعالى به (وانك لعلى خلق عظيم) ولما أتى به وحقّقه ليس على مستوى الأمة بل والآثار التي كانت وما زالت على مستوى التحولات الفكرية والاجتماعية بل والسياسية على الصعيد العالمي أو الأهداف والغايات التي لن تنتهي بموته إلى آخر يوم من أيام الدنيا حيث قيام دولة العدل الإلهي، كل ذلك خَلَّد هذه الشخصية الرسالية في الزمان والمكان، وستبقى فاعلة في الحياة وحجة بالغة على الناس تهديهم الى صراط العزيز الحميد، وحاجزاً قوياً أمام دعوات الانحراف والفساد بما خلّده من قيم فطرية وإنسانية مرتبطة بالسماء  مهما بالغت قوى الافساد في الفجور والطغيان: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ).

واكد ان “هذا لا يعفينا عن القيام بواجبنا الالهي والانساني في مجابهتها بكل الاساليب المحقة وبيان خطورتها على الاسرة والمجتمع الإنساني والبشري، ولا يجوز إغفالها في أي وقت من الأوقات، لأنّ الشاذين أخلاقياً وإنسانياً يتسللون كخفافيش الليل والوسواس الخنّاس ليفتكوا بفرائسهم من فلذات أكبادنا وثمرات قلوبنا. ايها الأخوة، انهم الأغلى في حياتنا فلنكن حرّاسهم الامناء نحرسهم من لصوص الليل الجبناء”.

وقال: “نحن في ظلمات بعضها فوق بعض، ومنها ظلمات الفوضى الفكرية والثقافية والسياسية التي يعيشها لبنان التي تُشكّل الأرضية المناسبة للفساد، وهي فوضى موجهة وليست بريئة يسمونها فوضى خلاّقة يزرع فيها بذور فسادهم، ولذلك فإنّ الخروج منها يجب أن يتحقّق بالأمس قبل اليوم فيستجاب لدعوة الحوار والتوافق لانتخاب رئيس للجمهورية تمهيداً لانتظام الحياة الدستورية وللخروج بأسرع وقت من الازمة الحالية حتى لا تتشعّب الازمات كما يحصل الآن في مخيم عين الحلوة، فإن الفوضى السياسية هي احد اسباب انفلات الأمن.

وختم: “نحن نُكرّر استنكارنا لما يحدث من اقتتال في مخيم عين الحلوة التي تضر بالقضية الفلسطينية وتضعف الموقف الفلسطيني في مواجهة العدو والتأييد اللبناني لقضيتهم، ونأمل أن يكون الالتزام بالاتفاق الذي أُنجز بين المتقاتلين بتدخل مشكور من دولة الرئيس نبيه بري التزاماً نهائياً حفاظاً على القضية الفلسطينية وضنّاً بدماء أبناء الشعب الفلسطيني واللبناني وابناء الجنوب وصيدا الذين لا يستحقون تعريضهم وابناءهم ومصالحهم كما الفلسطينيين للخطر.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى