لبنان

الأخبار: ديوان المحاسبة يبطل عقد المطار ويفتح التحقيق في العقود السابقة

كتبت الأخبار: 

أتى الرأي الاستشاري لديوان المحاسبة حول عقد إنشاء مبنى ركاب للرحلات العارضة والسياحية في مطار بيروت الدولي من خارج التوقعات، لجهة اعتبار العقد «امتيازاً لمرفقٍ عام يقتضي منحه بموجب قانون»، وحسم بذلك النقاش القانوني الدائر والمحصور بين وجهتي نظر، إحداهما تعتبره خاضعاً لقانون الشراء العام وأخرى ترى في قانون رسوم المطارات سنداً كافياً.

أثار استناد وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية إلى قانون رسوم المطارات لإتمام صفقة تلزيم إنشاء المبنى الشرقي لمطار بيروت وتجهيزه وتشغيله جدلاً واسعاً حول مشروعية السند القانوني في ظل تطبيق قانون الشراء العام. تراجع حمية وألغى العقد، طالباً من ديوان المحاسبة إبداء الرأي به وبكل العقود المشابهة المنجزة سابقاً في المطار.

في تقريره أمس، لم يغطِ الديوان عقد حمية ولا العقود السابقة، وفي معلومات «الأخبار» أن الغرفة الثانية برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر ستُباشر بالتحقيق في العقود، إذ «تبيّن بأنها تخرق قانون المحاسبة العمومية». لكن الديوان لفت في الوقت نفسه إلى أن تلك العقود «لا تشبه قانونياً عقد إنشاء مبنى جديد للمسافرين، ولا يمكن لحمية الاستناد إليها»، ما خلا إنشاء هنغار للشحن عام 2011 تم توصيفه في العقد الموقّع بين وزير الأشغال آنذاك غازي العريضي و«الميدل إيست» بأنّه إشغال مساحات، وطبّق فيه قانون رسوم المطارات. إلا أن الديوان صنّف هذا العقد «مخالفاً» لتعارضه والمخطّط التوجيهي للمطار في حينه، وهو مبنى خرساني وليس «هنغاراً» كما يدّعي عقد إنشائه، إضافة إلى أنه أتى في ظلّ حكومة تصريف أعمال.

هذه المقارنة مع الصفقات السابقة في المطار، كانت واحدة من منطلقات حمية التي أوردها في كتابٍ تفسيري وجّهه إلى ديوان المحاسبة يشرح فيه أسباب استناده إلى قانون رسوم المطارات الذي يمنح وزارة الأشغال الإجازة لشركات الخدمات الأرضية الوطنية بإشغال مساحات مكشوفة في المطار لقاء رسم سنوي عن كل متر مربع، وإقامة منشآتٍ ومبانٍ على نفقتها تعود ملكيّتها إلى الإدارة عند انتهاء مدة العقد. بدأت القصة عندما وافق حمية مبدئياً على طلب شركة «LAT» استثمار المبنى، وفي نيسان 2022، عرض الملف على مجلس الوزراء الذي وافق على تلزيم الشركة بموجب استدراج عروض لدى إدارة المناقصات. لكن الوزير رأى أن القرار سقط مع دخول قانون الشراء العام حيزّ التطبيق في تموز 2022، كما أن أي دفتر شروط لتلزيم الإنشاء والاستثمار يقيّد الوزارة بمدّة 4 سنوات، وهكذا استثمار يحتاج تنفيذه مدة أطول. عندها استند إلى تقرير طلبه من مكتب «دار الهندسة للتصميم والاستشارات- شاعر ومشاركوه»، المتضمّن دراسة التكلفة التقديرية بحوالي 120 مليون دولار، وحدد الفترة المتوقعة لاسترداد التكلفة بين 29 و34 سنة. بناء عليه خفّض حمية عدد السنوات إلى 25 وأعدّ العقد، معتبراً تقرير «دار الهندسة» جزءاً لا يتجزأ من العقد. وحول إمكانية إجرائه في ظل حكومة تصريف أعمال، تحصّن بأنّ الموافقة المبدئية أعطتها الوزارة للشركة في 2016 وبناء للطلب المسجل في نيسان 2022 (قبل استقالة الحكومة) عُرِض الملف على المجلس.
نظر الديوان في جوانب القضية، لينقض الركيزة القانونية الأساس لحمية المتمثّلة بقانون رسوم المطارات وما تبعها من مغالطات. ففي طبيعة العقد القانونية، استقر الاجتهاد على اعتباره «امتيازاً لمرفق عام بطريقة الـBOT ويقتضي منحه بموجب قانون. وعدم احترام هذا المبدأ يجعل العقد باطلاً وعديم الوجود ولا يترتب عليه أي أثر». هذا التمييز ينطلق من مبدأ أن قانون رسوم المطارات تستوفي وفقه وزارة الأشغال الرسوم من شركات الوقود أو النقل الجوي أو وكلائها الذين يشغلون المكاتب والحظائر والمستودعات والأراضي لتحقيق مصلحة تجارية خاصة للشركات. لكن الحالة لا تنطبق على إشغال استثمار مبان أو أراض في المطار، تأميناً لخدمة المسافرين في «TERMINAL 2»، ما دام الإشغال يرمي إلى تحقيق مصلحة عمومية لا خاصة، تتمثّل بتأمين حسن سير مرفق المطار ضمن مساحة ستتواجد فيها أجهزة الدولة وسيتم فيها تقاضي الرسوم لمصلحة الخزينة ويجري التعامل مع المستفيدين منها وفق قواعد تضعها السلطة العامة، ليتوافق الاستثمار مع المصلحة الاقتصادية الكلية للدولة. وعليه «لا يمكن أن تكون حصّة الدولة إيجاراً عن متر من الأرض، بل أكثر من ذلك. ولا يمكن الركون إلى الشركة لتحديد بدلات الخدمات التي ستستوفيها». إضافة إلى أن المشروع يجب أن ينطلق من دراسة دقيقة تحدد منفعة الدولة والمستثمر، بما يضمن الاستمرارية في إدارة المرفق العام، لذلك «لا يصحّ الاستناد إلى دراسات أوّلية لا تتضمن دراسة جدوى، وهي بحاجة إلى التدقيق من قبل أخصائيين ماليين»، على ما جاء في كتاب «دار الهندسة» الموجّه إلى ديوان المحاسبة.
دخول عقد المبنى الشرقي للمطار في عداد عقود الامتيازات العامة بما أنه يرمي إلى تنفيذ المرفق العام للطيران المدني، أخرجه حكماً من دائرة الصفقات العمومية التي وضع قانون الشراء العام لتنظيمها. لا بل إن المشرّع استثنى من أحكام قانون الشراء العام عقود منح الامتياز، وعليه استقر الديوان على التالي: «لا يخضع العقد كمنح امتياز إلى الشراء العام، إنما الإجراءات السابقة لعملية منح الامتياز يجب أن تخضع للمبادئ العامة المنصوص عليها في الشراء العام». بمعنى أوضح أن تجري عملية منح الامتياز بعد إعلان مزايدة شفافة وعلنية تضمن التنافسية وإتاحة الفرص العادلة للجميع لتقديم اقتراحاتهم.

أما في مدى انطباق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فكان التوجّه إلى إمكانية اعتماد الشراكة في مثل هكذا عقود شرط استكمال النواقص التي تعتريه لناحية تشكيل الهيئة الناظمة فيه واكتمال أعضاء المجالس. وطالما أن لا هيئة ناظمة ولا مجالس ولا مراسيم تطبيقية صادرة للقانون فإن عقود الـBOT غير جائزة راهناً.

الخلاف طاول، أيضاً، مسألة شكل الحكومة الدستوري، فمع وضع الديوان لمفهوم تصريف الأعمال في الإطار الضيّق المتمثّل بالنفقات العمومية التي تقضي المصلحة العامة باستمرارها، بحيث لا يدخل ضمن هذا النطاق إقامة المشاريع الكبرى الممتدة لسنوات طويلة تنتج منها إيرادات كبيرة متداخلة بنفقات متنوعة، مما يستوجب إقرارها بقوانين خاصة في ظلّ حكومة كاملة الصلاحية، وهي الحالة المنطبقة على عقد المطار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى