مقالات

المصارف تعود إلى العمل اليوم.. فهل ينخفض دولار السوق السوداء؟

من المفروض أن نشهد اليوم عودة المصارف إلى العمل بعد إضراب إستمر لأسبوعين. وتأتي هذه العودة بعد كتاب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى وزير الداخلية والذي طلب فيه من الوزير الإيعاز للضابطة العدلية عدم تنفيذ قرارات مُدّعي عام جبل لبنان في ملف المصارف. من جهتها، أشارت جمعية المصارف إلى أن هذه العودة هي فقط تعليق للإضراب بإنتظار حلّ مشكلة القرار القضائي بحق مصرف فرنسبنك والذي «لا يعتبر الشيك المصرفي وسيلة دفع وإبراء ذمّة وإرغام المصرف على الدفع نقدًا للمودع»، وهو ما يعني فتح الباب أمام المودعين لرفع دعاوى وإلزام المصارف دفع الودائع نقدًا مما سيؤدّي حتمًا إلى إعلان المصارف إفلاسها بحكم أنها لا تملك المال الكافي لإعادة كل الودائع.

إذًا الظاهر أن المُشكلة لم تُحلّ بالكامل والأمر يبقى رهينة التطورات القادمة خصوصًا مع الحديث عن محاولات لإيجاد حلول من داخل الجسم القضائي، إلا أن المعلومات تُشير إلى أنه لا يوجد حتى الساعة أي حلّ جدّي. فهل تُقفل المصارف أبوابها من جديد؟ الجواب على هذا السؤال هو عند المعنيين، إلا أنه من الواضح أن تطوّرا سلبيا للأحداث، سيؤدّي حتمًا إلى الإقفال من جديد وهو ما سيفتح الباب على العديد من السيناريوهات السيئة (على كل الأصعدة).

من الواضح أن الرأي العام ينقسم إلى قسمين: قسم يعتبر أزمة المصارف أزمة ملاءة والقسم الأخر يعتبر أن المصارف تواجه مُشكلة سيولة. ومن هنا يبدأ الصراع بين وجهتي النظر حيث يُحاول كل فريق الدفاع عن وجهة نظره مُتمسّكًا بشعار المحافظة على أموال المودعين من دون أن يكون هناك أولوية فعّلية للمودعين في كل الطروحات. والمُلفت في الأمر، أن الخارج يدفع بإتجاه إعتبار المصارف اللبنانية مُفلسة كما صرّح عن ذلك السفير الفرنسي المكلف بتنسيق الدعم الدولي للبنان بيار دوكان والذي أشار إلى أن القطاع المصرفي اللبناني يُعاني مُشكلة ملاءة وليس مُشكلة سيولة مُعتبرًا أن المعنيين يعيشون حالة نكران.

الودائع تمّ إيداعها لدى المصارف، وبالتالي لا يُمكن لهذه الأخيرة التفلّت من إلتزاماتها تجاه المودعين. من جهة أخرى، من المعروف أن المصارف أقرضت الدولة اللبنانية من خلال السندات بالدولار والليرة وأودعت أموالًا لدى المصرف المركزي. كما أن هذا الأخير أقرض الدولة سواء من خلال سندات الخزينة أو من خلال تسهيلات للصندوق الخزينة. وهنا يُطرح السؤال الجوهري التالي: ألم تكن تعلم الحكومة عند أخذها قرار وقف دفع دينها أن 85% من هذا الدين هو داخلي ويأتي من القطاع المصرفي وبالتالي من أموال المودعين؟

بالطبع هذا الأمر لا يعفي القطاع المصرفي من مسؤوليته تجاه الانكشاف على دين الدولة اللبنانية حيث سبق لصندوق النقد الدولي في تموز 2019 أن حذّر من تعرّض المصارف لخطر الديون السيادية وطالبها (ومصرف لبنان) بالإبتعاد عن سندات الخزينة. إلا أن القطبة المخفية تبقى لدى لجنة الرقابة على المصارف – المُستقلّة عن مصرف لبنان والمُعيّنة من قبل السلطة السياسية – التي من المفروض عليها أنذاك أن تمنع المصارف من إقراض الدولة اللبنانية بهذا الكمّ من المال عملًا بمبدأ عدم التركيز. المعنيون في لجنة الرقابة على المصارف يقولون إنه لا يُمكن منع المصارف من إقراض الدوّلة ولا المصرف المركزي بحكم موقعهما كمُشرّع (الدوّلة) وكسلطة رقابة (المصرف المركزي). أفلا يتوجّب أقلّه التوسّع أكثر في هذه النقطة ومعرفة الأسباب الحقيقية التي منعت لجنة الرقابة من إلزام المصارف وقف إقراض الدولة؟ الجدير ذكره أنه ومنذ العام 2015، فقدت الدولة اللبنانية ملاءتها بالعملة الصعبة وهذا أمر كانت تعرفه لجنة الرقابة على المصارف!

عمليًا، كل أصول المصرف المركزي والمصارف التجارية، لا تكفي لسدّ ودائع المودعين، وبالتالي فإن قرار إعتبار المصارف اللبنانية مُفلسة هو بيد الحكومة اللبنانية ومن خلفها المجلس النيابي. فإذا تم شطب ديون الدولة كما يرد في خطّة التعافي المالي للحكومة، فهذا يعني حكمًا إفلاس المصارف وبالتالي سقوط إلتزاماتها تجاه المودعين. أما في حال كان هناك منطق ينصّ على وضع أموال المودعين كأولية في خطّة التعافي، فإن إستعادة الأموال مُمكن أن يتمّ على مراحل.

وقد يقول البعض أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل وبالتالي لنذهب إلى إعادة بناء القطاع المصرفي من الصفر. بالطبع هذا خيار من بين خيارات أخرى، إلا أن الثمن في هذه الحالة إسقاط إلتزامات المصارف تجاه المودعين. ومن الخيارات الأخرى إعادة إحياء هذا القطاع (من دون التخلي عن مبدأ المساءلة والمحاسبة) والمحافظة على إلتزامات المصارف تجاه المودعين مع وضع خطّة منطقية وواقعية تُعيد الثقة بالقطاع المصرفي وبالاقتصاد اللبناني – الوحيد القادر على إعادة تكوين الودائع.

مبدأ المساءلة يجب أن ينطبق على الجميع. على هذا الصعيد، نطرح السؤال عن قطوعات الحساب من العام 2004 وحتى العام 2021، أين هي هذه القطوعات؟ ولماذا لم يتمّ إنهاؤها من قبل ديوان المحاسبة؟ في العام 2017، وعند إقرار الموازنة أنذاك، تم إعطاء الحكومة ستّة أشهر لتسليم قطوعات الحساب. مرّت ست سنوات من دون أن يتمّ تسليم أي قطع حساب! من حق المواطن والمودع بالتحديد معرفة أين تمّ صرف ما يُقارب الـ 104 مليارات دولار أميركي، خصوصًا إذا ما تمّ شطب ديون الدولة على حساب المودعين!

في هذا الوقت، تُشكّل عودة المصارف إلى العمل بارقة أملّ في إنخفاض سعر صرف دولار السوق السوداء، إذ من المتوقّع أن يكون هناك عدد من الإجراءات المفروض القيام بها كما برز من الاجتماع المالي الذي إنعقد الأسبوع الماضي في السراي الحكومي والذي يفترض قيام المصرف المركزي ووزارة المال بعدد من الخطوات تذهب بإتجاه خفض هذا الدولار وبالتالي خفض قيمة الفاتورة المعيشية على المواطن. إلا أن هذه الإجراءات وعلى الرغم من أهمّيتها في هذا الوقت الحالك، تبقى آنية ولا يُمكنها أن تحلّ محلّ القيام بإصلاحات والذهاب إلى توقيع برنامج مع صندوق النقد الدولي عسى هذا الأمر – الذي أصبح شرطًا أساسيًا لمساعدة لبنان – يُعاود جذب الإستثمارات الأجنبية والمحلية إلى إقتصاد لم يكن في تاريخه بحاجة لها كما هو الأن.

لكن كيف لنا أن نكون متفائلين في هذا الوقت العصيب؟ في الواقع لا يوجد مؤشرات توحي بالتفاؤل خصوصًا مع الإنقسام السياسي الكبير الذي يعصف بالطبقة السياسية والذي يأخذ الاقتصاد والناس وأموالهم رهينة. إلا أنه من الضروري القيام بكل ما هو مُمكن للتخفيف من وطأة الأزمة على الناس وإلا فإن التاريخ لن يرحم!

الديار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى