يهوذا الإسخريوطي وشربل نحاس/شوقي عواضة
مع تطوّرِ التّاريخِ وتقدّمه تطوّرت مواجهةُ الحقّ مع الباطل وتقدّمت أساليبُها وأدواتُها وأشكالها ومضامينها لتعاصرَ كلّ زمانٍ ومكانٍ لكنّها تبقى في إطارٍ واحدٍ تحت مسمّى صراعِ الحقّ والباطل تلك الحقيقةُ التي يفقهها الكثيرون ولا يقّر بها المعاندونَ نتيجة لجهلهم أو لتجاهلهم .
ومن بين أولئك الجهلةِ والأمّيين في قراءةِ التّاريخ شربل نحاس الذي لم يقرأ التّاريخ وإن قرأه لا يفقهه وإن فقهه لن يستوعبَه لأن التّاريخَ عصيٌّ إلا على عقول الرّجال .عندما شاهدت بالأمس عنتريات النّمر الكرتوني وأدبيّاته تبادرَت إلى ذهني قصّةُ أكبر خيانةٍ عرفها التّاريخُ البشريُّ منذ وجوده وهي قصّةٌ تشبه قصّةَ شربل نحاس الذي لا بدّ وأن يكون قد قرأها لكنّه لم يعتبر منها وهي قصُة يهوذا الإسخريوطي حيث كان لدى السّيد المسيحُ عليه السّلام اثنا عشر تلميذا وكان يهوذا الإسخريوطي واحد من بينهم وقد سمي بهذا الاسم نسبةً الى مدينة قريوت وهي مدينةٌ تقع جنوب مملكة يهوذا التي تمّ ذكرُها في العهد القديم وسميّ في الإنجيل بهذه التّسمية ليتمَّ تمييزُه عن يهوذا تداوس..أوكل السّيد المسيح عليه السّلام ليهوذا الإسخريوطي مهمّة حفظ ماله ومال التّلاميذ فكان صندوقُ المال عنده وكان يسرقُ منه ويحرّضُ الفقراء على السّيد المسيح ليس حبّاً بالفقراء بل ليغطي جريمة سرقاته للصّندوق فقد كان السّيد المسيح عليه السلام متأكّداً من أنّ يهوذا سوف يخونه في يوم من الإيام و بالفعل اتفق يهوذا مع كهنةِ اليهود على أن يدلّهم على مكان السّيد المسيح عليه السّلام و تلاميذه مقابل أن يعطوه ثلاثين قطعةً من الفضّة والتي تعادلُ ثمنَ العبدِ في الشّريعةِ اليهوديّة.
وكان يهوذا يعرفُ الأماكنَ التي كان يتواجدُ فيها السّيد المسيح عليه السّلام وبذلك تمّ الإمساكُ به من قبل اليهود بفضل خيانةِ يهوذا الإسخريوطي الذي أحسّ بالنّدم بعد ذلك على ما فعله وقامَ بشنقِ نفسه ،وقد أجمعت الأناجيلُ المسيحيّة أنّ يهوذا الإسخريوطي خان السّيد المسيح وسلّمه لكهنةِ اليهود .
اليوم عادَ يهوذا الإسخريوطي منبعثاً بأحدِ أحفاده الكثيرين في عصرِنا وهو شربل نحاس الذي كان مسؤولاً عن إعادة إعمار وسطِ بيروت بين 1982 و1986 ووضع الاستراتيجيّة لنهبِ عقارات المالكين فيها ليعملَ بعدها في القطاع المصرفيّ حتى 1998 الذي يشكل رأس الأزمةِ الحالية في لبنانَ .
شربل الإسخريوطي لم يأخذ رشوى لأنّه تاجرُ مشاريعَ وتاجر المشاريعِ لا يعيرُ الرشاوي التفاتة فهو يُعدُّ مشروعا مثل مشروع سوليدير الذي كان شربل نحاس أحد أهمّ خبراءِ المشروعِ في فريق الرّئيسِ الرّاحل رفيق الحريري والذي كان له دورٌ كبيرٌ في صياغةِ مشروعِ تشليح النّاسِ ممتلكاتهم في الوسط التّجاريّ حتّى على مستوى المصارفِ هو كان صاحبَ مشروعٍ وليس سمساراً أو مرتشي بل يحملُ مشاريع لم تجلب الا الويلات للشّعب ورغم ذلك فاضَ بالأمس شربل الاسخريوطي بأدبياته ونضحَ بما فيه واصفاً وزراء حزب الله بالنّعاج ذلك الحزب الذي قدّم آلاف الشّهداء والجرحى والأسرى كي لا يتحوّلَ الوطنُ إلى مزرعةٍ للمحتلّ وكي لا يكون هو وأمثاله من الفرسانِ نعاجا تحتمي بالذّئب (الاسرائيلي ) عاد شربل نحاس في التّاريخ إلى الوراء ليشيطنَ الرّئيسَ الرّاحل حافظ الأسد ناكراً الجميل للقائد الذي حمى المسيحيين في لبنان ودفع ثمناً باهظاً من أجل ذلك ولم ينسَ شربل الإسخريوطي مهمّته الأساسيّة وهي التهجم على المقاومة العريقة التي تمتدّ جذورَها من الشّيخ ناصيف النّصار والسّيد عبد الحسين شرف الدين وأدهم خنجر وصادق الحمزة والإمام السّيد موسى الصّدر والشهسد السيد عباس الموسوي وصولا الى الامين على الدماء سماحة السيد حسن نصر الله تلك المقاومة بكل اطيافها القومية واليسارية من ابناء الجنوب اصلا وانتماء فالمقاومون من كل لبنان هم جنوبيين بالانتماء اؤلئك الذين لم يراهم اخريوطي العصر بل رأى من هم أمثاله من الهمجِ الرّعاع النّاعقين مع كلّ ناعقٍ من الخونة وضعاف النّفوسِ وتجار الأوطانِ ومستثمري الدّماء تحدّث عن قلّة من أمثاله استقبلوا جيش الاحتلال برشِّ الأرز وهم أنفسهم الذين كانوا ولا زالوا يعتبرون الفلسطينيّ والسّوري عدوَّهم الأوحدَ وليس المحتلّ الاسرائيليّ ولو عادَ الاحتلالُ اليوم لعادوا لإستقباله بالأرزِ وشربل أولهم .
لم يرَ شربل الإسخريوطي الأعور ولم يتحدّث عن مشهدِ استقبال الأمّهاتِ لأبنائهم الشّهداء بالزّغاريد ورشِّ الأرز والورود شهداء المقاومة الذين حرّروا الوطنَ من أعتى احتلالٍ صهيونيّ وشهداء الدّفاع عن لبنانَ في مواجهة الإرهابِ الذين استشهدوا أحراراً ليعيش بيننا الأنذالُ مثله وتتحرّرُ رقابَهم من سواطيرِ داعش . لم يستعّر شربل الإسخريوطي من الإعلان عن عدمِ عداوته للمحتلِّ الذي دمّر واجتاح الوطنَ وقتلَ وجزّر بالشّعبِ بل استعّر من لباسِ الجنوبيينَ المقاومينَ الذين رفعوا حذاءَ المحتلِّ عن رأسه ولم يتحدث عن آلاف الشّهداءِ الأحياءِ من الجرحى والأسرى والمعتقلين الذين كانوا أحراراً حين كان ولا يزال عبداً من عبيدِ أمراءِ البلاط .لم يتحدّث شربل الإسخريوطي عن تضحياتٍ كثيرةٍ للمقاومين الشّرفاء لأنّه لا يعرفُ معنى الشّرفِ ولا الكرامة وثمنه لن يكون أغلى من ثمن يهوذا الإسخريوطي ثلاثين قطعة من الفضّةِ مع فرقِ الصّرف وهي كفيلةٌ بأن تضمنَ له خاتمةً كخاتمة يهوذا مذموماً مدحوراً فخيانة الوطنِ لا تقل عن خيانةِ الله والأنبياءِ تلك هي المعادلةُ السّماويّةُ التي لا تتبدّلُ وسيدركها شربل الإسخريوطي ولو بعدَ حينٍ .
الكاتب: بيروت نيوز عربية _ شوقي عواضة