فضل الله: الحل بقيام دولة الإنسان البعيدة عن الطائفية والمذهبية
اعتبر العلامة السيد علي فضل الله أن “لا حل لأزمات هذا البلد إلا بقيام دولة الإنسان”، داعيا القوى السياسية إلى “الكف عن صراعاتها وتبادل الاتهامات في ما بينها”، مشددا على “ضرورة التمسك بكل وسائل القوة والمقاومة لحماية الحقوق اللبنانية”، مقدرا “ثبات الشعب الفلسطيني وصموده في مواجهة العدوان الصهيوني الأخير على غزة”، معتبرا أن “سياسات التطبيع مع العدو سوف تشكل حافزا له للمزيد من سياسة العدوان”، مجددا دعوته الشعب العراقي إلى “الوحدة والعمل على إزالة كل العوامل التي تؤدي إلى الانقسام والتفرقة…”.
كلام فضل الله جاء في كلمة القاها في قاعة الزهراء في مجمع الامامين الحسنين في حارة حريك، لمناسبة العاشر من محرم، بعد تلاوة مصرع الإمام الحسين، ومما جاء فيها: “نريد لعاشوراء أن تكون في مواجهة كل من يريد إضعافنا ونهب ثرواتنا ومن يسعى ليستنزفنا في الصراعات والانقسامات والفتن، التي تارة تلبس لبوسا مذهبيا وآخر سياسيا وآخر ثقافيا وأمنيا وغير ذلك…بأن نوحد صفوفنا على صعيد العالم العربي والإسلامي وننبذ كل العصبيات التي يراد لها ان تستعر داخلنا، ونفتح أبواب الحوار الصادق والشفاف حول نقاط الخلاف كلها لمعالجة الهواجس المتبادلة، وأن يحفظ بعضنا حقوق بعض، ونقف إلى جانب بعضنا البعض، حتى لا يستفرد بنا أو يستخدمنا كل المتربصين بأوطاننا…”.
وتابع: “نريد لعاشوراء أن تشحذ الهمم للوقوف في وجه عمليات القمع والإخضاع والاغتيالات والعدوان والحصار التي يعاني منها الشعب الفلسطيني من قبل العدو الصهيوني ومن ورائه..
ومن هنا فإننا نحيي ثبات الشعب الفلسطيني وصموده على مدى هذا التاريخ الطويل، والذي كان آخر محطاته ما شهدناه من مواقف العزة والشجاعة في غزة في الأيام الأخيرة رغم كثرة الجراح، وندعوه إلى توحيد صفوفه وأن لا يسمح للانقسام أن يعبث بداخله. ونحيي مساندة الشعوب العربية له في مقابل سياسات التطبيع التي تنتهجها بعض الدول العربية والتي اضحت تشكل حافزا للعدو للمزيد من العدوان والتمرد على أي حل، ما يتطلب مراجعة هذه السياسات وممارسة المزيد من الضغوط على هذا الكيان ودعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته باعتبارها السياسة الوحيدة الناجحة في الحد من الاعتداءات والأطماع الصهيونية التي لا حدود لها.
اما في اليمن فإننا نشدد على ضرورة إنهاء مأساة هذا الشعب المظلوم بالعمل على إيقاف معاناته وكف أيدي كل من يريد العبث بأمنه واستقراره ووحدته، والتوجه إلى حل سياسي يحفظ حقوق جميع الأطراف اليمنية…وفي الوقت نفسه نجدد دعوتنا للشعب العراقي للالتزام بالوحدة وإزالة كل عوامل الانقسام التي أن استمرت تأكل أخضر هذا البلد ويابسه، وتهدد مستقبله ومستقبل أبنائه، وتجعله في مهب رياح من لا يريد خيرا بهذا البلد وندعو كل القوى السياسية أن تطوي صفحة صراعاتها التي لا جدوى منها إلا استنزاف ما تبقى من مقومات الحياة في هذا البلد، وعلى كل منها التواضع في مطالبه والأخذ في الحسبان المصالح المشروعة للطرف الآخر، فالعراق لا يقوم إلا بوحدة راسخة وهي لن تتحقق بالغلبة أو بمنطق الاستئثار بل بالتعاون والتكامل والعمل المشترك…”.
وأضاف: “إلى لبنان، هذا البلد الذي تستمر فيه معاناة أبنائه بفعل تداعيات الواقع الاقتصادي والاجتماعي والانقسام السياسي الحاد والفساد المستشري في مفاصل الدولة، والذي يتزامن مع استهداف العدو الصهيوني له حيث خروقاته العدوانية مستمرة يوميا في البر والبحر والجو أو التهديد لثروته الوطنية وذلك في ظل مخاوف من عودة شبح الفتن والفوضى.
إن علينا في هذا اليوم، يوم عاشوراء أن نرفع الصوت عاليا متمسكين بكل وسائل القوة والمقاومة لحماية كل ذرة من حقوقنا في مواجهة العدو، وندعو القوى السياسية التي كانت سببا في إيصال اللبنانيين إلى حافة الجوع، أن تسرع الخطى في مراجعة سياساتها التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه والكف عن صراعاتها وتبادل الاتهامات فيما بينها التي تزيد من معاناة الشعب وتحول دون تشكيل الحكومة التي تخفف من أزمات اللبنانيين وتلتزم الاستحقاقات الضرورية للنهوض بهذا الوطن…إننا نقول لكل القوى السياسية أن لا حل لأزمات هذا البلد إن بقي هذا الوطن ساحة للصراع بين الطوائف والمذاهب تحت عناوين حقوق هذه الطائفة أو تلك، أو بين المحاور الإقليمية والدولية ونقول لمن يراهن على الخارج لحل مشكلاتنا، عليه أن يعلم أن للخارج حساباته ومصالحه، وهي ليست دائماً تتلاقى مع حساباتنا ومصالحنا…”.
وقال: “الحل لا يكون إلا ببناء دولة الإنسان دولة جامعة يشعر فيها الإنسان بإنسانيته بعيدا من طائفته ومذهبه دولة تحمل رسالة روحية إلى العالم تؤكد قدرة الأديان على التكامل في ما بينها على قاعدة القيم الأخلاقية والإنسانية المشتركة”.
وختم قبلان: “أدى الذين كانوا في كربلاء دورهم، فكانوا أوفياء للحسين، وأخلصوا له وقد حصلوا على النتائج.. وتبقى مسؤوليتنا في أداء دورنا وتحقيق أهداف عاشوراء الإيمانية والإنسانية… وإذا كنا، وبحمد الله، قد حققنا الكثير من النتائج في هذه المسيرة في مواجهة الظلم والطغيان، فإن ما زال أمامنا الكثير من التحديات التي تنتظرنا وتنتظر منا المزيد من الإنجازات”.