كتاب مفتوح إلى سماحة السيد حسن نصرالله…
سماحة السيد، أتوجه اليكم، بصفتكم مرجعاً وقائداً لحزب لبناني هو “حزب الله” الذي له ممثلون في المجلس النيابي اللبناني والحكومة اللبنانية، وكون لديكم الدور المؤثر والفاعل في صناعة الاحداث والقرارات والتحكم بالمسارات ومجريات الأمور في لبنان وكذلك في محيطه بحكم تحالفاتكم وعلاقاتكم ودوركم… وهذا واقع ليس خافياً على أحد. سماحة السيد، لا يخفى عليكم، الواقع الصعب والمرير الذي دفع بأعداد كبيرة من اللبنانيين بالنزول الى الشارع تعبيراً عن غضب وقهر وظلم واحتجاجاً على أوضاع مزرية وضرائب ظالمة وممارسات خاطئة وفساد وهدر وسرقة للمال العام فاق كل تصور بداء منذ العام 1992 وما زال مستمر حتى اليوم. وقد أظهرتم منذ بداية التحركات كل تفهم للمطالب الشعبية المحقة وشجعتم الناس على البقاء في الساحات كي يشكلوا حالة ضاغطة ودائمة على الدولة لتسريع الإصلاحات ومكافحة الفساد وكل أشكال السرقة وهدر المال العام وقد قوبل موقفكم بارتياح في الشارع الثائر، كونكم ضد نهج الفساد ومع محاكمة كل فاسد أياً يكن ومهما علا شأنه ولأي فريق انتمى لأن الفاسد، وكما قلتم، مثل العميل لا طائفة ولا دين له. وبهذا الموقف المؤيد لهذا الحراك الشعبي أثبتم أنكم في صف الشعب وتلتزمون قضاياه ومشاكله وهمومه . سماحة السيد، لا يخفى عليكم ايضاً، ان الشعب المنتفض في الشارع يميز بين الفاسد وغير الفاسد وقد ظهر ذلك من خلال الهتافات الفردية والقليلة والتي طالت حزبكم وهذا يمكن ان يحصل في هكذا انتفاضة عفوية، اما شعار “كلن يعني كلن” والذي اطلقه الحراك فهذا يعني ان الناس سئمت اغلبية الطبقة السياسية الحاكمة ولم تعد تثق بها وتطالب بتغيير في وجوهها وأدائها. سماحة السيد، كما ان هذا الشعب وبجميع طوائفه والوانه لم يطرح ولم يثر في شعاراته ومطالبه في الساحات العامة وفي الشوارع والطرقات وفي كل المناطق مواضيع سياسية خلافية، وانما كان محافظاً على حركته المطلبية بمضمونها المعيشي والاقتصادي والاجتماعي، وأظهر وعياً ويقظة إزاء كل محاولات ومشاريع تسييس الحراك وحرفه عن مساره الاجتماعي والحياتي ومطالبته بإعادة الاموال المنهوبة الى صندوق الدولة. سماحة السيد، هذا الشعب له عندك وعليك، حق الاحتكام إلى مسؤوليتك ولبنانيتك واشدد على كلمة لبنانيتك كي تبعد عنه الخوف والقلق ومخاطر الانهيار المالي والاقتصادي وشبح الفتنة الداخلية وان تضع مصلحة لبنان فوق كل المصالح الاخرى، وتسهيل تشكيل حكومة “تكنوقراط” نعم اعيد كلمة “تكنوقراط” تتفرغ لكل ما هو اقتصادي ومالي وحياتي واجتماعي، وان يتفرغ مجلس النواب الى مراقبة ومحاسبة هذه الحكومة بشكل جدي وفعال وحقيقي، هذا المجلس الذي يضم كتل نيابية من مختلف الاحزاب والقوى السياسية اللبنانية وبينهم كتلة “الوفاء للمقاومة” التي تمثل “حزب الله” في البرلمان وذلك قبل وقوع الانهيار الكبير. سماحة السيد… اتوجه اليك متمنياً تسهيل تشكيل حكومة “تكنوقراط” لان البعض يقول ان حزب الله يرفض حكومة من هذا النوع ويخون من يطالب بها كونها وبحسب رأيكم ستكون حكومة املاءات خارجية وتنفذ اجندات خارجية وغيره من شعارات. سماحة السيد… اسمح لي ان اقول بكل صدق واحترام ان سماحتك يعرف والجميع في لبنان يعرف حلفاء وخصوم، ان اية حكومة ومهما كان شكلها ولونها تكنوقراط، او تكنوسياسية، او سياسية او غيرها، لا تستطيع (بالمنيح او بالقبيح) عزلكم او استهدافكم او الضغط عليكم او التآمر عليكم او تنفيذ اجندات خارجية، كلنا تعلم من الماضي وكلنا يعرف التركيبة اللبنانية، لا احد بإمكانه الغاء احد، وان كل هذا الكلام هو تهكم على الناس كونه غير ممكن وهو تهويل في غير مكانه، مطالبتنا بحكومة تكنوقراط فقط لان هكذا حكومة ستلقى دعماً مالياً خارجياً ودولياً سيكون ذات قيمة كبيرة في المساعدة على انعاش الوضع الاقتصادي والمعيشي وسيساعد على استقرار سعر الصرف ويخفف من الألم الاجتماعي المرتبط بالإصلاحات الازمة، كما سيجعل العديد من الناس الاختصاصيين يتفرغون ويعملون للقضايا الاجتماعية والمالية والاقتصادية الملحة بعيداً عن السياسة ومناكفاتها وصراعاتها. سماحة السيد… دوركم أساسي في هذه الفترة الدقيقة والحساسة لأنكم تملكون القوة والقدرة على اتخاذ القرار وشجاعة الالتزام بالكلمة إذا قيلت، وبالموقف إذا أُعلن، وبالوعد إذا قُطع. حزبكم، هو حزب لبناني أياً تكن عقيدته ومرجعيته الدينية، وهو حزب يمثّل شريحة واسعة من اللبنانيين ويشكل مكوناً من مكونات المجتمع والحكم والدولة. ومن موقعه ومسؤولياته، مدعو في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة وأكثر من أي وقت مضى الى التصرف من خلفية لبنانية أكثر من أي خلفية أخرى والى وضع مصلحة لبنان فوق أي اعتبارات ومصالح أخرى، وأن يكون مشروع حماية الدولة وإعادة بنائها هو المشروع الأول الذي يتقدم على ما عداه. سماحة السيد… لا يمكن “لحزب الله” ان يحيّد نفسه ويُقصي بنفسه عن النسيج اللبناني وسائر المكونات والشركاء في الوطن، كونه لن يكون في منأى ومأمن عن أي انهيار يمكن ان يحصل سواء اكان مالياً ام اقتصادياً أم سياسياً ام أمنياً بل سيكون من المتضررين والمصابين بأي انهيار لأنه جزء لا يتجزأ من المجتمع والدولة في لبنان. سماحة السيد… في الختام اتوجه الى سماحتكم واناشدكم بتسهيل مهمة تشكيل الحكومة وبأسرع وقت ممكن، وفي الدفع الى معالجات وطنية إنقاذية، ونحن على ثقة بما تحملونه من حس وطني ومسؤولية تاريخية وإدراك عميق للمخاطر والخصوصيات والتوازنات، ونحن على ثقة بأنكم لفاعلون وقادرون…
الكاتب: دافيد عيسى