لبنان

البطريرك الراعي: القضاء أصبحَ بجزءٍ منه أداةً في يدِ السلطةِ السياسيّة تَستخدمها ضدَّ العدالة

قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة قداس أحد شفاء الأعمى في الصرح البطريركي في بكركي: “إنّي أرحّب باللجنة التمثيليّة للأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانيّة، التي تضمّ 86000 طالبًا وطالبة. إنّها تمرّ بأزمة إداريّة وماليّة واقتصاديّة خانقة أدّت – بكل اسف – إلى إقفال أبوابها، وتشتّت طلّابها، وهجرة أساتذتها. نأمل من الحكومة والوزارة المعنيّة أن تجد سريعًا الحلول اللازمة والعادلة. فلا يجوز أن ينهار هذا الصرح التربويّ الوطنيّ الكبير أمام أعيننا، بعد إحدى وسبعين سنة من تأسيس هذه الجامعة على أسس متينة”.
ووجّه البطريرك الراعي “تحية الى الحكومة طالبًا منها ان تولي اهتمامًا خاصًا بالاطباء بسبب تردّي ظروف عملهم بسبب ما نعيشه من ازمة مالية. فاذا فقدنا الجامعة وفقدنا الاطباء وفقدنا المصارف ماذا يبقى في لبنان الذي كان معروفًا بجامعة العرب ومستشفى العرب ومصرف العرب”.
وشدد البطريرك الراعي على أنه “في هذه الفترة القصيرة الإستعداديّة للإنتخابات النيابيّة في 15 أيّار المقبل، يحتاج شعبنا الناخب لأن يستمدّ النور الإلهيّ لكي يحسن إنتخاب من هم الأفضل لإجراء التغيير المنشود في الهيكليّات والقطاعات والإداء، ومن هم مخلصون للبنان دون سواه ومخلصون لشعب لبنان. فقيمةُ الانتخاباتِ في المجتمعات الديمقراطيّة أنّها مناسبةٌ للشعوب لتغييرِ واقعِها نحو الأفضل. أنْ ننتخبَ يعني أن نُغيّرَ. أن نَقترعَ يعني أن نختارَ الأفضل. وإذا كانت الانتخاباتُ ركيزةَ الديمقراطيّة، فلا يجب أن تكونَ الشعبويّةُ ركيزةَ الانتخابات. وجديرٌ بالمرشّحين أن يُحدّثوا اللبنانيّين عن مشاريعهم الإصلاحيّة الممكنة، بدلًا من التراشق باتهامات تزيد في الإنقسام والضغينة، وقد شبعنا منها. فليبادر الشعب اللبنانيّ بكلّيته إلى إنتخاب الأفضلين، إذا أراد حقًّا التغيير وإصلاح الواقع. وهذا لا يتم اذا ظل المواطنون في منازلهم والانتخابات جارية”.
وقال : إنّ إنتخابات نيابيّة ناجحة في إجرائها ونتائجها هي ضمانة لنجاح إنتخاب رئيس جديد للجمهوريّة قبل شهرين من نهاية الولاية الحاليّة بموجب المادة 73 من الدستور، رئيس يكون على مستوى تحدّي النهوض بلبنان.
اضاف: “وبالمقابل، على الحكومة اللبنانيّة الإسراع في إجراء الإصلاحات الماليّة والإقتصادية، لأنّ سرعة الإنهيار تفوق بكثير بطء الإصلاحات . أسطع مثل على بطء الإصلاحات مشروع “الكابيتال كونترول” الذي يحاولون تمريرَه بعدما فَرَغت صناديقُ المصارف، فيما كان عليهم اعتمادُه لدى بَدءِ الأزمةِ النقديّةِ سنةَ 2019. بقطع النظر عن طريقة تاليف اللجنة التنظيميّة بحيث تنأى عن التسييس والمذهبيّة وتفتيت صلاحيّة حاكميّة مصرف لبنان، فإن فائدةَ الـــ”الكابيتال كونترول” في كونه جُزءًا من مشروعٍ إصلاحيٍّ متكامِلٍ، وإلا يُصبح سيفًا مُصلَــــتًـــا على الناس يَمنعُهم من التحويلات إلى الخارج ومن سحبِ الأموال في الداخل أيضًا. فكيف يعيشون؟
ما لم يُعَدَّل هذا المشروعُ ليتلاءمَ مع واقعِ لبنان واقتصادِه الحرِّ وحاجةِ الناس، سيكون مشروعَ حَقٍّ يُرادُ به باطلٌ، إذ سيَعزِلُ لبنان عن الدورةِ الماليّةِ العالميّةِ، كما سيَدفع ثمنَه المودِعون والمستثمِرون والمستورِدون والمصدِّرون والمغترِبون وجميعُ القطاعاتِ الاقتصادية. فيجب حماية النظامِ الليبراليِّ الذي شكّل، طَوالَ تاريخِ لبنانَ الحديث، أساسَ النموِّ والازدهارِ وبوليسةَ تأمينٍ للودائعِ اللبنانيّةِ والعربيّةِ والدُوليّةِ التي كانت تُوظَّفُ في المصارف اللبنانية، لكونها حتى الأمس القريب وُجهةً مضمونة.وحريٌّ بالمسؤولين الذين يتفاوضون مع صندوق النقد الدولي أن يشرحوا له وضعيّةَ لبنان الخاصّةَ ومدى ارتباطِ حياةِ اللبنانيّين المقيمين بتحويلاتِ المغتربين ومدى ارتباطِ الطلّاب اللبنانيّين في الخارج بتحويلات أهاليهم من لبنان. إنَّ لكلِّ بلدٍ وضعيّةً خاصّة، ولا توجد بالتالي وَصفةٌ سحريّةٌ تَصلُح لكلِّ زمانٍ ومكانٍ ولكلِّ البلدان.
وتابع قائلاً: “ويظلّ يقرع على باب ضمير الحكومة الإسراع في إقرارِ الإصلاحاتِ الحقيقيّةِ، وفي طليعتِها: جدولةُ الدينِ العامّ، وقفُ الهدرِ، منعُ التهريبِ، مراقبةُ المعابرِ البريّةِ والبّحريّةِ والجويّةِ، إصلاحُ قطاعِ الكهرباءِ الذي يشكّلُ أكبرَ مصدرٍ للهدرِ والفساد، ترشيدُ الإدارة، تخفيضُ عددِ موظَّفي القطاعِ العام، وبخاصّة موظّفي المحسوبيّات السياسيّة، وقد ناهز عددُهم نحو 350 ألفِ موظفٍ، بحيث لا يتقاضى رواتب موظّفون لا يعملون.
وتزدادُ الشُبهاتُ حولَ مسارِ القضاءِ في لبنان الذي أصبحَ بجزءٍ منه أداةً في يدِ السلطةِ السياسيّة تَستخدمها ضدَّ العدالة. ونَتساءل هل نحن أمامَ مكافحةِ الفسادِ أم أمامَ مكافحةِ الأخصامِ السياسيّين؟ كيف للسلطةِ القضائيّةِ إلّا تَحسِمَ بعدُ مصيرَ التحقيق في تفجير مرفأ بيروت؟ ولماذا لم تَـبُتّ بعدُ بصلاحيّةِ قاضي التحقيقِ العدليِّ ليستكملَ تحقيقاتِه في هذا الشأن؟ ولماذا يَمتنِعُ التفتيشُ القضائيُّ عن توضيحِ مِلفّاتِ القضاةِ المحالِين عليه؟ ولماذا الادعاءُ التمييزيُّ العامّ لا يُنفّذُ القراراتِ التي يُصدرها؟ في الحقيقةِ لم نَشهَد في أيِّ زمنٍ سابقٍ هذا الاضطرابَ في عملِ القضاءِ وهذه التبعيّةِ للمنظومةِ السياسيّة، وهذا التردّد لدى الهرميّةِ القضائيّةِ في وضعِ حدٍّ لهذه الظاهرةِ الفوضويّة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى