عربي و دولي

“هآرتس”: كيف خدّر السنوار “الجيش” الإسرائيلي قبل هجوم 7 أكتوبر؟

كتب مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس”، يانيف كوبوفيتس، تقريراً تحدّث فيه بالتفصيل، عن الأحداث التي سبقت 7 تشرين الأول/ أكتوبر، على المستويين الأمني والعسكري، وكيف “خدّر” رئيس حركة حماس في غزّة، يحيى السنوار، “الجيش”، وأوهمهم بالهدوء، قبل أن يُفاجئه بهجومٍ غير متوقّع.

وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية (بتصرف):

أدّى نشاط غير عادي على السياج قبل الأعياد إلى نشر كتائب المشاة في “الغلاف”، واستعداد قوات خاصة، وزيادة التأهب في سلاح الجو في أثناء الصيام. عندما توقفت المواجهات على الحدود فجأة، اعتقد “الجيش” الإسرائيلي أنهم ردعوا السنوار: “منذ اللحظة التي أدرك فيها أن الجيش الإسرائيلي مستعد، قرر الانتظار. لقد عرف كيف يخدّر الجيش”. الجيش الإسرائيلي ينفي: “لم يكن هناك انتشار كهذا”.

في الأيام الأخيرة من شهر أيلول/سبتمبر، استعدّت “إسرائيل” لعملية من قبل حماس تحت غطاء التظاهرات على طول حدود قطاع غزة، لكن التوقف المفاجئ في النشاط هناك أدّى إلى خفض مستوى التأهب في المنطقة. ووصف مسؤولون في المؤسسة الأمنية والعسكرية تحدثوا إلى صحيفة “هآرتس” “شعوراً بأنّ إسرائيل تدخل حرباً” عشية “يوم الغفران”، بما في ذلك مناقشات بشأن “هجوم وقائي”، ثم عودة سريعة، شبه متسرعة، إلى الروتين، يعقبها تحويل القوات والموارد إلى الضفة الغربية، والتي كانت بالفعل أولوية قصوى.

وقال أحد المصادر إنّ “العالم كله كان في الجنوب ينتظر ليرى ما سيفعله يحيى السنوار على السياج في يوم الغفران”، مشيراً إلى نشر وحدات خاصة، وإعداد كتائب في “تساليم” والغلاف في حال طُلب منها الوصول إلى المستوطنات، فيما أُطلقت طائرات مسيرة من أجل جمع معلومات استخبارية في الوقت الحقيقي. لكن بمجرد أن أدرك السنوار أنّ “الجيش” الإسرائيلي كان مستعداً، قرر الانتظار، وحتى 7 تشرين أول/أكتوبر، لم يقترب حتى طائر من السياج. ساد هدوء، إذ عرف كيف يخدّر “الجيش”.

يصف المصدر، وآخرون في المؤسسة الأمنية والعسكرية، انفصالاً بين القيادة العليا لـ “الجيش” والتحذيرات التي أطلقها الذين كانوا في قلب جمع المعلومات الاستخبارية في الأيام التي سبقت “يوم الغفران”، وأيضاً في الأسبوعين الفاصلين بينه وبين عيد “فرحة التوراة”. لم يناقش أحد بجدية إمكانية شن هجوم واسع النطاق كما حدث في نهاية المطاف، والمخاوف كانت من اختراق السياج وشن هجمات نقطوية على مستوطنات أو قواعد، لكن الشهادات من تلك الأيام تشير إلى لامبالاة وعمى، بلغا ذروتهما في إعلان من كلمتين من جانب ضابط الاستخبارات في المنطقة الجنوبية: “لن يحدث”.

بدأت الاستعدادات لهجوم حماس في الصيف، في أعقاب سلسلة من الحوادث الاستثنائية بالقرب من السياج. قدّر ضباط الاستخبارات – وخاصة الرتب الوسطى في المنطقة الجنوبية وفرقة غزة – أنّ حماس “كسرت الروتين”، كما عرفوه، وكانت تستعد لمهاجمة مستوطنات أو مواقع إسرائيلية، بمشاركة الآلاف.

من بين جملة أمور، عادت التظاهرات أمام السياج، وكانت أكثر كثافة من تلك التي اندلعت خلال أشهر المواجهة في سنة 2018، إذ لم “يشهد الجيش مثل هذه المواجهات في السنوات الأخيرة”، بحسب مصدر عسكري من المنطقة الجنوبية. وفي أيلول/سبتمبر، اشتدت المواجهات، وحذر مراقبون من محاولات غير مسبوقة لاختراق السياج فوق العائق تحت الأرض.

وقال ضابط فحص هذه التقارير إنّه “بالنسبة إلى المطلعين على قطاع غزة، كان من الواضح أنّ حماس كانت تفحص الحدود، إذ إنّه لغاية بناء العائق، لم يُسمح أبداً بحدوث شيء من هذا القبيل”. في المناقشات التي جرت في ذلك الوقت، اعتقد مسؤولون كبار في شعبتي الاستخبارات والعمليات، وكذلك ضابط الاستخبارات العقيد “أ” (الذي جرى فصله من الجيش الإسرائيلي في الأسبوع الماضي)، أنّ زعيم حماس في قطاع غزة لن يتخذ خطوة من شأنها أن تؤدي إلى حرب.

في الأيام الأولى من شهر أيلول/سبتمبر، قبل “رأس السنة العبرية”، أُجري تقدير للوضع بحضور كبار مسؤولي المنطقة والفرقة. وقال ضباط من المستوى المتوسط هناك إنّ “السنوار ورجاله يتصرفون كما لو أنّهم قرروا الشروع في مواجهة مع إسرائيل، بكل عواقبها”. في الجلسة، رفض العقيد “أ” بشكل قاطع هذا الاحتمال. ومع ذلك، أراد قادة المنطقة الاستعداد مع هذا لإعلان حماس لحرب، لكنّهم فعلوا ذلك بشكل ضعيف جداً، ولم يعترضوا على موقف الاستخبارات، بحيث إنّه “لن يذهب أي جنرال إلى حرب من دون موافقة الاستخبارات العسكرية”، بحسب مسؤول كبير في فرقة غزة.

وفي الوقت نفسه، نُقل رسائل إلى السنوار مفادها أنّ صبر “إسرائيل” بدأ ينفد، لكن لم يجرِ اتخاذ أي خطوات لتوضيح أنّ “الحرب الوقائية” كانت احتمالاً يفكّر فيه “الجيش” الإسرائيلي. وردّ السنوار بأنّه سيعمل على “كبح جماح التظاهرات”، لكن لم يحدث أي تغيير على الأرض. وفي الوقت نفسه، أجرت حماس مناورات محدودة، ولم تظهر أي تلميح للتعاون بين أذرعها، والذي تحقق صباح يوم 7 أكتوبر. وفي هذا الإطار، يقول مسؤول كبير في المنطقة الجنوبية إنّ حماس “كانت تعرف كيف تخفي ما تريد إخفاءه عن الجيش الإسرائيلي، وسيطرت على الوضع طوال الوقت، ولم تكشف عن أي شيء”.

جرى تحديد “يوم الغفران”، الذي صادف يوبيل الحرب المفاجئة في سنة 1973، كنقطة اختبار لنوايا حماس. كان تقدير “الجيش” أنه إذا سمح السنوار بتظاهرات عنيفة خلال الصيام، فهذا يشير إلى أنّه كان مدركاً للأهمية الرمزية لليوم، وأنّه يتجه إلى حرب. ضباط المنطقة الجنوبية قالوا إنّ “الخطر كبير للغاية”، وإنّه “يجب المهاجمة استباقاً”. وقال أعضاء الفرقة، بقيادة العميد آفي روزنفيلد، إنّه حتى التحضير لمثل هذه العملية سيجعل حماس تؤجل الهجوم، وهذا سيمكّن من الحصول على مزيد من المعلومات الاستخبارية.

لكن رئيس أركان “الجيش” الإسرائيلي هرتسي هاليفي وغيره من المسؤولين العسكريين فضّلوا الامتناع عن المبادرة ضد حماس، معتقدين أنّ المعلومات الاستخبارية المتوفرة في ذلك الوقت لا تبرر شنّ هجوم وقائي. فحتى عشية عيد فرحة التوراة، ركّز المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية والعسكرية على الضفة الغربية، مكتفيان بالحفاظ على الهدوء في الجنوب والشمال.

حتى في ظل رفض القادة العسكريين الإذن بشن هجوم، زادت المنطقة الجنوبية من حالة التأهب لقتال واسع النطاق، إذ جرى إرسال كتائب مشاة إضافية إلى الحدود، ورفع سلاح الجو مستوى الاستنفار، وتم استدعاء عناصر استخبارات للاحتياط، فيما نُفّذت الاستعدادات بعيداً عن انتباه الجمهور.

“المنطقة بأكملها استعدت”، يقول ضابط كبير. ومع ذلك، يصرّح ضباط الاستخبارات الذين شاركوا في الاستعدادات، بأنّ السنوار كان متقدماً على “الجيش” بعدة خطوات، بحيث إنّه “منذ اللحظة التي أدرك فيها أنّ هناك استعداداً على الجانب الآخر من السياج، ونية للعمل، قرر الانتظار”، يصف أحدهم. ويضيف آخر أنّه بدءاً من عشية “عيد السوكوت”، قبل أسبوع من الحرب، “كان هناك فجأة هدوء لا يتذكره أحد. لا شيء، ولا حتى الأحداث الروتينية. كان هذا الهدوء مريباً”.

ويتهم ضباط في المنطقة بأنّ هذا التغيير جعل “الجيش” وقادة “الشاباك” يتصرفون بغطرسة وعنجهية، كما لو أنّهم توقعوا بدقة ما سيحدث. وفقاً لأحدهم، فإنّهم “نفخوا صدورهم، معتقدين أنّ حماس كانت خائفة، وأنّ السنوار نزل عن الشجرة”. ونقلت مصادر عسكرية أنّ أحد كبار مسؤولي الاستخبارات قال إنّ “السنوار أصيب بالفتور عندما أدرك أنّ الجيش يراقبه”.

وفي الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر، خُفّضت حالة التأهب بسرعة، وتفرقت معظم القوات، بما في ذلك إلى الضفة الغربية. وفقاً لضابط في المنطقة الجنوبية، إذ كان هناك شعور بأنّ الجميع يريد الهدوء. الأوامر الواردة من وزارة الأمن، من المستوى السياسي وغرف القيادة العسكرية قررت أنّ العمليات في الضفة الغربية، التي تزداد سخونة، ستُعطى الأولوية – حتى قبل بناء خيمة عضو “الكنيست” تسفي سوكوت في حوارة في 5 تشرين الأول/أكتوبر.

كان هناك أيضاً مبرر عملياتي لتخفيف القوات، إذ اعتقدت القيادة العليا أنّه من الصواب تفريق القوات من أجل تبديد التوتر مع حماس، وتذكير السنوار بأنّ “إسرائيل” ملتزمة بمعادلة “الهدوء يرد عليه بهدوء”. وتصف مصادر أمنية أنّ الهدف كان عدم إثارة رغبة لدى حماس باستباق “الجيش” الإسرائيلي والمبادرة إلى هجوم يوضح أنّها مستعدة لدفع ثمن باهظ إذا تم حشرها في الزاوية.

لم تكن العودة إلى الروتين تدريجية، بل جرت فجأة. ويشهد ضباط بأنّه لم يكن هناك تقدير وضع قبل التغيير في نشر القوات؛ الاستعداد لمناورة خُطط لتنفيذها بعد العيد كانت له الأسبقية على المهام التي أقيمت حول “يوم الغفران”. وجرى الرد بسخاء على طلبات القادة بتسريح جنود لقضاء إجازة العيد. وفي الوقت نفسه، استمرت تدريبات حماس المحدودة، بحجم سرية على الأكثر.

جادل بعض القادة على الأرض بأنّه يجب ترك 4 كتائب على الأقل وجميع الوحدات الخاصة في المنطقة. منذ عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت 7 أكتوبر، تركت بضع كتائب، وأُرسلت وحدة الكوماندوس “إيغوز” إلى قاعدة تساليم القريبة للرد على حادث تسلل إذا لزم الأمر. في وقت لاحق من الأسبوع، أُرسلت “إيغوز” إلى فرقة الضفة الغربية، ولم يجرِ استبدالها بوحدة نخبة أخرى.

الخلاف بين القيادة العليا والمستويات الوسطى بعد “يوم الغفران” تناول مسألة ما الذي كان يخطط لفعله السنوار – لكن أيضاً ما كانت نواياه في الأيام السابقة. ادّعى الضباط الميدانيون آنذاك، وما زالوا يدعون حتى اليوم، أنّ “الجيش” لم يكن لديه أي معلومات بأنّ حماس تراجعت عن الهجوم الذي خططت له في الذكرى الـ 50 للحرب. ووفقاً لبعضهم، فإنّهم سُئلوا، باستخفاف تقريباً، عمّا إذا كانت لديهم معلومات عن نية حماس للهجوم.

في الجلسة الأخيرة، في 30 أيلول/سبتمبر، حذّر ضباط من المستوى المتوسط صراحة من أنّه لا يمكن تحديد أن الخطر قد انقضى. هم أيضاً لم يتوقعوا قوة الهجوم الذي سيحدث صباح عيد “فرحة التوراة”، الساعة 6:29 صباحاً.

المصدر: الميادين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى