لبنان

زيارة أورتاغوس حلقة في مسلسل الضغوط..

كتب علي حيدر في الأخبار: 

تشكل زيارة مورغان أورتاغوس، محطة إضافية في سياق الضغوط على لبنان استكمالاً لمرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية، وما تلاها من اعتداءات مستمرة منذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني الماضي. وأتت الزيارة في ظل أجواء مشحونة بالتهديدات والتهويل والتلويح بخطوات عدوانية.

ورغم تعدد العناوين والقضايا التي تم بحثها، إلا أن قضية سلاح المقاومة تبقى في الصدارة، خصوصاً أن الولايات المتحدة وأعداء المقاومة في الداخل يربطونها قهراً ببقية الاستحقاقات.

ليس خافياً أن من ضمن أهداف التصعيد الإسرائيلي الأخير الذي طال الضاحية الجنوبية أخيراً، على مستوى السياق والتوقيت، التمهيد لهذه الزيارة، إضافة إلى كون الشهيد حسن بدير كان من بين المدرجين على لوائح الاستهداف بفعل دوره الجهادي. ويبدو أن العدو، ومن أمامه الأميركي، أراد إيصال رسالة مفادها أن لبنان أمام خيارين: الخضوع للإملاءات الأميركية، أو تواصل الاعتداءات الإسرائيلية وتصاعدها. وضمن الإطار نفسه، تجنّد أعداء المقاومة في الداخل لتعزيز هذا المفهوم وتأجيج حالة التوتر كجزء من الحرب النفسية التي تتكامل مع الحرب الأمنية والسياسية والإعلامية للضغط على المقاومة وأهلها.

مع ذلك، يكشف الأداء العدواني الأميركي الإسرائيلي، بشقَّيه الأمني والسياسي، عن قناعة لديهما بأن حزب الله لا يزال يشكّل قوة مهمة تمكّنه من خوض مواجهة عسكرية مع العدو، ويشكّل سداً أمام أي مخططات تستهدف لبنان، سواء من البوابة الجنوبية أو غيرها. وليس ذلك إلا نتيجة عدم نجاح جيش العدو في إنجاز المهمة التي كانت موكلة إليه لإنهاء المقاومة أو إضعافها إلى حد يسمح بإخضاعها للإملاءات الإسرائيلية والأميركية، وتقويض مكانتها في المعادلة اللبنانية.

بعيداً عمّا تم تسريبه حول ما دار في اللقاءات، يكفي أن الموقف الأميركي ليس مجرد مواكب أو متبنٍّ بشكل كامل للعدوانية الإسرائيلية، بل هي جزء من إستراتيجية الولايات المتحدة لإملاء شروطها على لبنان. وانطلاقاً من هذه الحقيقة فإن أي مواقف أو خطوات سياسية وغير سياسية ليست إلا خطوات في هذا الاتجاه.

تنطوي زيارة أورتاغوس على مروحة من الرسائل، في أكثر من اتجاه. حيث تؤكد الولايات المتحدة أنها تتعامل مع الساحة اللبنانية باعتبارها جزءاً من بيئة إقليمية متفاعلة ومتداخلة. ولا تخفي واشنطن أن أولويتها في سياساتها الإقليمية وفي لبنان تحديداً تهدف إلى تعزيز الأمن الإسرائيلي، وبأن مطالبها من لبنان تصبّ في هذا الاتجاه.

كما تاحذ واشنطن بالاعتبار الوقائع التي أنتجتها المتغيرات الأخيرة، وتحديداً الحرب الإسرائيلية والمتغيّر السوري وما نتج عن ذلك من تحديات في الساحة اللبنانية.

وتعبّر زيارة أورتاغوس عن تصميم أميركي تهدف إلى إظهاره لرؤساء السلطات اللبنانية، بهدف حثهم على مزيد من الخطوات في الاتجاهات المرسومة أميركياً. ومن جهة أخرى، تشكل تحفيزاً للقوى المعادية للمقاومة في الداخل اللبناني وتعزيزاً لرهاناتهم التي يُعبّرون عنها في مواقفهم وتقديراتهم.

رغم كل ما تقدم، تبقى الكلمة الفصل للمقاومة وأهلها الذين يقاربون هذا الاستحقاق برؤية إستراتيجية تنطلق من أولوية مواجهة المخاطر المحدقة بحاضر لبنان ومستقبله.

وموقع المقاومة في إستراتيجية الدفاع عن أمنه، وتتبنى مواقف حاسمة في هذا المجال مهما تفاقمت الضغوط. إذ لا يمكن المرونة أو المساومة في هذا المجال لأنها تحمل أبعاداً وجودية.

وبمسحة أقل من تفاؤلية ولكنها تعبّر عن الآمال، هل يجرؤ بعض المسؤولين الرسميين في لبنان على شرح المخاطر الكامنة في بعض ما تطالب به الإدارة الأميركية وانعكاسها على استقرار لبنان، وإذا لم يكونوا يعلمون، ينبغي أن يدركوا بأن لبنان أصبح أكثر حاجة من أي مراحل سابقة إلى قوة المقاومة، بل هي ضمانة المستقبل.

وتكفي إطلالة سريعة على المتغيرات التي تشهدها البيئة الإقليمية المباشرة في فلسطين وسوريا لتلمّس معالم المخاطر المتصاعدة. ولذلك، من غير الوارد رهن وجود لبنان وأمنه ومستقبله بمواقف شخصيات تحاكي أولويات الخارج والعدو الإسرائيلي، مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج وتداعيات.

ماذا تبدّل بين الزيارتين؟

أمكن لأكثر من شخصية على تواصل مع الجانب الأميركي ملاحظة فروقات في المقاربة واللغة والتصرف من جانب المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، وقارن هؤلاء بين زيارتها الأولى إلى بيروت وزيارتها الأخيرة، وأشاروا إلى أن اللبنانيين لا يميزون بين ما يريدونه كقوى سياسية داخلية وينسبون فيه المواقف إلى الأميركيين، وما تريده واشنطن بشكل واضح، كما لا يميزون بين الأهداف الأميركية المعلنة وما هو قابل للتحقّق، علماً أنه يوجد إجماع على أن واشنطن تقيس الأمور من زاوية المصلحة الأميركية – الإسرائيلية، وأن عدم القدرة على تحقيق الأهداف الآن لا يعني مطلقاً التخلي عنها.

ويلفت هؤلاء إلى أن أورتاغوس تبدو وكأنها «تعلّمت بعض الأمور خلال الشهرين الماضيين، واطّلعت أكثر على تفاصيل تخص لبنان وملفاته الداخلية، وباتت أكثر واقعية في مقاربتها، كما أنها اطّلعت على تقديرات جهات رسمية أميركية حول حقيقة موازين القوى على الأرض، وقدرات حلفاء أميركا على العمل في لبنان».

ويضيف أحد المصادر «ربما ظهرت المبعوثة الأميركية أكثر دراية بالتفاصيل اللبنانية، وأكثر تفهماً لطبيعة الوضع في لبنان، ليس لجهة تغيير موقفها من حزب الله وسلاح المقاومة، بل لجهة أن لبنان دخل في مرحلة جديدة بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، وبالتالي هناك آليات دستورية يجب أن تُحترم في ملاحقة أي ملف مهما كان شأنه».

وقال المصدر إن قوة المبعوثة الأميركية في لبنان تنبع من كون ملف لبنان لا يزال في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي، وإن وزارة الخارجية لا تبدو صاحبة قرار في هذا الشأن. ولفت إلى أنه طوال فترة ولاية الرئيس السابق جو بايدن، لم يفكر وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن بزيارة لبنان، وكان الملف متروكاً لهوكشتين، وهو أمر مستمر الآن. وحتى طريقة اختيار الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب للسفير الأميركي الجديد في لبنان ميشال عيسى، تؤكد أن لبنان ليس من مهام وزارة الخارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى