الديار: حزب الله والتيار الوطني الحر: محكومون بالتوافق

جاء في مقال مريم نسر في الديار:
منذ البداية شكّل التفاهم الذي عَقده السيد حسن نصرالله والجنرال ميشال عون في ٦ شباط عام ٢٠٠٦، مفاجأة إيجابية في سياق الأحداث المؤلِمة التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث أوجَد مناخاً مُريحاً على المستوى السياسي والشعبي، وشكَّل مبادرة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية، وقد ترسّخت قيمة هذا التفاهم في عدوان تموز من العام نفسه، وما أعقبه من تعاون سياسي وشعبي في محطات مفصلية، سواءً في الانتخابات النيابية أو خلال حُكم فريق المستقبل وتفرّده بإدارة الحكومة، أو بالإصرار على انتخاب الجنرال عون رئيساً للجمهورية، أو التماسك بين الطرفين بمواجهة حراك ١٧ تشرين الذي هدّد بإسقاط العهد.
ولذلك، حفَرَ هذا التفاهم في ذاكرة الطرفين أثراً دعاهما دائماً للحفاظ عليه حتى في الأزمات الكبرى، إلا أن ما لحِق به من تصدّعات (بمعزل عن تقييم أسبابها) أوجب على الطرفين إعادة النظر بنقاط الضعف التي تَسلّل عبرها سوء الفهم والتفاهم، وهذا ما يُوجب ترميم التفاهم بهدوء ودون تسرُّع كأولوية ثانية بعد إنجاز الحوار في الملفات العاجلة.
وبما أن هناك أولويات، فإن الحوار الحالي بين الحزب والتيار ليس بصدد إعداد تفاهُم جديد بسياق آخر بينهما في الوقت الحالي، فالكلام يتمحور حالياً حول عناوين إصلاحية يراها التيار ضرورية في تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، باعتبار أن الأولوية هي الخروج من الحائط المسدود، فالوقت ضيّق ويترافق مع تهديدات وضغوط خارجية، ومحاولات فرض صيَغ للحل لا تُرضي الثنائي ولا التيار الوطني الحر، لذا كانت العودة للحوار .
فمقدار الثقة المطلوب بين الطرفين لا زال متوفراً، إلا أن المشهد الحالي يختلف عن تجربة التفاهم السابق، لان الأولويات الضاغطة سياسياً وإقتصادياً تُوجب المعالجة الموضعية للملفات، وعدم الإنتظار لإعادة صياغة تفاهم جديد شامل.
لذا، فإن بعد الإنتهاء من موضوع الرئاسة، ستكون الخطوة التالية الإنتقال لموضوع التفاهم، فتتم صياغة إطار جديد له، حيث أن هناك تجربة عمرها ١٧ عاماً يجب أن تُقرأ ويُوضع بوضوح تكليف كل مِن الطرفين لتحديد معايير الإلتزام بالتفاهم، لأن المشكلة مع التيار كانت افتراض أن هناك معيار التزام، بوقت لا يستطيع الحزب الإلتزام بشيء ويتعهّد به، وهو ليس الوحيد مَن يُقرِّر فيه، فالعمل على بناء الدولة مثلاً يحتاج الى معايير لقياس جديّة الأطراف وإلتزامهم، وليس تشخيص أحد الأطراف منفرِداً وبالتالي منع الإستنسابية والتأويل.
الجدير بالذكر أن حزب الله يرى في أي تفاهم داخلي تحصيناً لجبهته الداخلية، وتضييقاً لدائرة الفتن والتدخلات الخارجية، وارتفاعاً في منسوب الإتجاه نحو المصلحة الوطنية الكبرى، في مقابل السعي الدائم لأذرع السفارات والدول الخارجية وإعلاميين وأحزاب وسياسيين وجمعيات الى تضخيم الأحداث وإثارة الفتن، وإيجاد حالة التوتر الدائم لضمان مبرِّر وجودهم الوظيفي والحفاظ على تدفّق التمويل…
أما حاجة التيار للتفاهم، لإدراكه أن المعسكر الآخر سيجعله تابعاً لمشروعه، وبعيداً عن مبادئه التي كرّسها الرئيس ميشال عون، وبسبب قناعاته بأهمية الحفاظ على الوجود المسيحي المشرقي بتحصينه من خلال توسيع دائرة التفاهمات مع المحيط الإسلامي.
وإذا أردنا مقاربة الظروف الحالية بظروف ولادة تفاهم مار مخايل في شباط ٢٠٠٦، نجد أن القاسم المشترك هو حرص الطرفين على أولوية التقارب لمنع التوتر الطائفي، وشعور الطرفين بمخاطر الضغوط الخارجية التي تزداد فعاليتها في حالات الإختلاف.
فبعد اغتيال الرئيس الحريري، ولأن الجنرال عون اعتبر أن ما حصل يُشكِّل مُنعطفاً لتكريس السيطرة السُنية على الحُكُم، وبالتالي وبعد خروج الجيش السوري، صار من الطبيعي العمل على منع السطوة للتيار المستثمر بقتل الحريري، عقد الجنرال تفاهماً مع الجهة الضامنة لمنع الإقتتال والحرب الأهلية، باعتبار أن ما يملكه حزب الله وقتها كان ضامناً لعدم تآكل الدور المسيحي، فكيف اليوم بحزب أقوى بنفس المبادىء والثوابت؟!
من هنا… ومن بلد يعيش ذات الظروف بمراحل متعددة تصلُح فيه هكذا نوع من التفاهمات في كل زمان، إلا أن الفرق بتبدّل الأولويات بحسب الظروف، وهذا الفرق بين ٢٠٠٦ و٢٠٢٣، إلا أن الحديث عن التفاهم سيأتي عاجلاً أم آجلاً، تُسرِّعه نتيجة الحوار الإيجابية وتؤجّله إذا كانت سلبية، لكن لا تُنهيه، لأن عند كِلا الطرفين لا يوجد نيّة لإنهائه، خاصة وأنه كان وسيبقى ضمانة لعدم الإنقسام الطائفي ومنع الحرب الأهلية التي يُهدَّد لبنان بها بشكل دائم.