شبح العتمة الكاملة يقترب
مؤسسة كهرباء لبنان تؤكد أن التغذية ستعود إلى طبيعتها خلال يومين. لكن ذلك لا يشكل سبباً كافياً للاطمئنان. عوامل كثيرة تساهم في إبقاء التقنين على معدلاته المرتفعة، حتى إذا أقرّت موازنة 2020 وحصلت المؤسسة على الاعتمادات المطلوبة قبل شباط المقبل. الإنجاز الوحيد عندها سيكون تجنّب العتمة الكاملة
لا بد من الإشارة هنا إلى أن مجلس الوزراء أقرّ في مشروع موازنة 2020 تخفيض حصة «كهرباء لبنان» إلى 1500 مليار ليرة، ربطاً بخطة الكهرباء التي سبق أن أقرّها المجلس نفسه بناءً على اقتراح من وزارة الطاقة. لكن الوزارة، التي ظلّت ترفض تخفيض الاعتماد إلى أن أقر في الجلسة الأخيرة للحكومة، تعتبر أن التخفيض كان يفترض أن يقترن بزيادة التعرفة، وهو ما لم يحصل. ببساطة لأن شرط زيادة التعرفة، بحسب الخطة، هو زيادة الإنتاج الذي لم تنجح الوزارة في تحقيقه ولا يبدو أنه سيتحقق في 2020.
المُعضلة تكاد تتحول إلى دائرة مفرغة: لا زيادة في التغذية ولا زيادة للتعرفة ولا زيادة في الإنتاج ولا زيادة في الاعتماد. باختصار، يُرجّح أن تكون سنة 2020 الأسوأ على صعيد التغذية بالتيار، وبالتالي فإن ما حصل في بدايتها قد لا يكون استئناءً.
أول من أمس فجراً، ضربت صاعقة شبكة النقل، فأدت إلى فصل معملي الزوق والجية عن الشبكة دفعة واحدة. عندها انخفضت التغذية بشكل دراماتيكي ووصلت إلى 400 ميغاواط فقط. ما زاد الطين بلّة كان انتشار النفايات في البحر. تلك دخلت معمل الجية، فأدت إلى توقفه عن العمل أيضاً (يتم إدخال المياه إلى التوربينات لتبريدها). وكل ذلك ترافق مع صعوبة فتح الاعتمادات الخاصة ببواخر الفيول. فبنتيجة الأزمة المالية المستفحلة، لم يعد سهلاً تحويل الأموال إلى الشركات المستوردة. أضف إلى أن هذه الشركات صارت أكثر تشدداً في التعامل مع الطلبات اللبنانية، ربطاً بانخفاض تصنيف لبنان والتخوف من عجزه عن الدفع.
أمس، سجل عند الساعة الثانية ظهراً أقصى طلب على الكهرباء، فكانت الحاجة إلى 3336 ميغاواط، فيما كان المعدل بين الواحدة ظهراً و11 نحو 3200 ميغاواط، أمّنت المؤسسة منها 1150 ميغاواط فقط.
بحسب مصادر مطلعة، فإن هذه الإجراءات الاحترازية المرتبطة بالسعي إلى تمديد أمد الاستفادة من سلفة 2019، كان قد بدأ باكراً. في ربيع 2019، وبالرغم من وجود اعتماد كاف لرفع التغذية إلى الحد الأقصى (2000 ميغاواط) أوقفت المؤسسة مجموعة إنتاج في معمل الزهراني لمدة 60 يوماً، تم من جرائها توفير نحو 60 ألف طن متري من المازوت. بعد ذلك عادت التغذية وارتفعت، إلى أن انفجرت الأزمة في نهاية تشرين الأول، مترافقة مع تثبيت قيمة سلفة 2020 على 1500 مليار ليرة، ومع صعوبة فتح الاعتمادات. عندها عادت المؤسسة إلى الإجراءات الاحترازية مجدداً، فخفضت معدّل التغذية إلى 1500 ميغاواط. حتى هذا المعدل لم تستطع الثبات عنده في الشهر الأخير من العام الماضي وحتى الوقت الراهن. مسألة فتح الاعتمادات أدت إلى تأخير بواخر الفيول، كما كان للعاصفة المستمرة منذ 18 يوماً دورها في منع إفراغ حمولات البواخر، حتى تلك التي أنجزت معاملاتها. الخميس الماضي، أفرغت باخرة في الزوق، وأمس أعلنت كهرباء لبنان، في بيان، أنه عند الثامنة مساء باشرت باخرة الغاز أويل تفريغ حمولتها في خزانات معمل دير عمار، الذي سترفع طاقته الإنتاجية بالتوازي. وأوضحت أنه مع استكمال إعادة وضع مجموعات الإنتاج التي انفصلت عن الشبكة بسبب العاصفة من المتوقع أن تعود التغذية إلى ما كانت عليه قبل العاصفة. وهو الأمر الذي أكدته وزيرة الطاقة أيضاً، مشيرة إلى أن يوم السبت ستعود التغذية كما كانت.
الحد الأقصى للإنتاج 1500 ميغاواط من 3100 ميغاواط مطلوبة
كل ذلك ليس سوى ترقيع. والمؤسسة، على ما تؤكد مصادرها، لن تكون قادرة على رفع معدّل التغذية لأكثر من 1500 ميغاواط، حتى لو حُلّت كل المشاكل الآنية التي اعترضت التغذية (فتح الاعتمادات، تفريغ حمولات البواخر، العاصفة، النفايات…)، فزيادة التغذية نحو 500 ميغاواط إضافية، سيؤدي رأساً إلى عدم القدرة على الاستمرار إلى شباط، وبالتالي فإن أقصى طموح حالياً هو الصمود على 1500 ميغاواط تغذية، تعادل 8 الى 10 ساعات يومياً خارج بيروت وما بين 16 و21 ساعة يومياً في بيروت.
ماذا بعد ذلك؟ إذا لم تقر الموازنة أو يقر أي اعتماد يغطي حاجة المؤسسة، فإن العتمة وحدها ستكون المنتظرة، أما في حال إقرار السلفة المقررة في الموازنة، فلن يعني ذلك انتهاء الأزمة. أولاً، لأن الاعتماد غير كاف بحسب وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان. وثانياً، لأن تقدير حاجة المؤسسة إلى 2500 مليار ليرة، أُعدّ بناءً على سعر 65 دولاراً لبرميل النفط، فيما يقارب سعره اليوم 70 دولاراً. وثالثاً، بسبب تأخير كل الحلول التي يمكن أن تساهم في تخفيض كلفة إنتاج الطاقة. ويضاف ذلك إلى انخفاض الجباية الذي بدأت تظهر نتائجه جلية، حيث تشير إحصاءات تشرين الأول وتشرين الثاني إلى انخفاض كبير قُدّر بـ 35ـ في المئة، الحصة الأكبر منها سجّلتها المؤسسات التجارية لا الأفراد. في مقابل صعوبة تواجهها حملات منع التعديات، التي ارتفعت بشكل ملحوظ أيضاً.
الأخبار _ ايلي الفرزلي