لبنان

الأخبار: شبكة اتصال للجيش بتمويل أميركي مشروط: استباحة جديدة لـ«السيادة» واختراق لـ«الداتا»

كتب حمزة الخنسا في الأخبار: 

المساعدة الأمنية الأميركية للقوات المسلّحة اللبنانية، بحسب ما تورد وزارة الخارجية الأميركية على موقعها الرسمي، هي جزء أساسي من سياسة الولايات المتحدة التي تهدف إلى «تعزيز سيادة لبنان، وتأمين حدوده، ومواجهة التهديدات الداخلية». وتشمل المجالات الرئيسية للتعاون «أمن الحدود، وأمن البحر، وبناء مؤسسات الدفاع، ونقل الأسلحة، ومكافحة الإرهاب».

لكن ما يبقى طي الكتمان من التقديمات الأميركية للجيش يتجاوز بشكله ومضمونه «المساعدات» الأميركية الأخرى، كـ«برنامج دعم سبل العيش» مثلاً، الذي تقدّم عبره واشنطن، منذ 23 حزيران الماضي، دعماً مالياً مؤقتاً لـ«المستحقين من الجيش اللبناني»، بواقع 100 دولار شهرياً لمدة ستة أشهر. وبحسب معلومات «الأخبار»، قدّمت واشنطن أخيراً هبة للمؤسسة العسكرية، عبارة عن تغطية أكلاف إنشاء شبكة اتصالات هوائية موازية للشبكة الحالية التي تشغّلها شركتا «ألفا» و«تاتش». وبخلاف هذه الشبكة العامة، ستكون شبكة الاتصالات الجديدة المنوي إنشاؤها «خاصة» وفق تقنية الجيل الرابع للاتصالات اللاسلكية الجوّالة العالمية الذي يمثل حلاً مبنياً على تقنية (Long Term Evolution) للاتصال الخاص بالمحطات الراديوية المتنقّلة (PMR)، ويشمل حلاً للاتصال عبر شبكة الجيل الرابع المتعددة الوسائط وحلاً للوصول عبر شبكة الجيل الرابع.

وكعادتها، لا تُبقي واشنطن هباتها من دون شروط، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأمن. فقد حدّد الأميركيون بشكل مسبق مكان إقامة الشبكة على طول الساحل اللبناني، كما حدّدوا هوية الشركة الموكلة بإنشاء هذه الشبكة وهي شركة «نوكيا» الفنلندية التي تقول على موقعها الإلكتروني إن الشبكات القائمة على تقنية «LTE الخاصة» هي الوحيدة التي تلبي الاحتياجات، سواء اختارت النطاقات المرخّصة أو غير المرخّصة، أو تقاسم الطيف «CBRS»، وتمكِّن من الحصول على التغطية والقدرة وميزات التحكّم والموثوقية. وتشير الشركة إلى أنها تقدّم نقاط الوصول (الخلايا الصغيرة ومحطات الأساس) ونواة الحزمة المتطورة، التي يمكن أن تكون مركزية أو موزّعة. علماً أنه توجد شركات أخرى تقدّم الخدمة نفسها بتقنيات أكثر تطوراً وبأسعار أكثر تنافسية.

أسئلة كثيرة يمكن إثارتها حول المشروع، خصوصاً ما يتعلق بتخصيص الشريط الساحلي كنطاق محدّد لعمل شبكة الاتصالات، وعمّا إذا كان الهدف منها متعلقاً بمراقبة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر حصراً، أم يتصل بملف ترسيم حدود لبنان كاملة براً وبحراً مع فلسطين المحتلة وسوريا، ما يعيد إلى الأذهان ملف الأبراج الحدودية مع سوريا الذي فُتح قبل نحو عامين. وثمّة الكثير من الأسئلة المشروعة عن أمن الشبكة وقدرة الطرف الأميركي على اختراقها والتحكّم بها والاستيلاء على «الداتا» التي تجمعها، وعمّا إذا كان هناك مَن هو قادر على إبقاء هذه الشبكة وعملها «ضمن السيادة اللبنانية» حصراً. والأصل، قبل كل هذه الأسئلة، ما إذا كانت هذه الشبكة ستحظى بالموافقات الرسمية المطلوبة، أم أن السفارة الأميركية ستؤمّن كل المستلزمات القانونية لتشريع الشبكة «على طريقتها» من خارج مجلس الوزراء ومؤسسات الدولة الأخرى. علماً أنه وفقاً للمادة 52 من قانون المحاسبة العمومية وتعديلاتها، لا يجوز قبول هبات إلا بمرسوم، فإذا كانت قيمة الهبة 250 مليون ليرة وما دون تحتاج إلى توقيع الوزير المختص ووزير المالية ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، أما إذا كانت فوق الـ250 مليون ليرة فتحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء. فيما يؤخذ على قائد الجيش العماد جوزف عون، منذ تولّيه منصبه، قبول هبات ومساعدات من دون العودة إلى مجلس الوزراء أو المرور بوزير الدفاع.

على أيّ حال، تعكف قيادة الجيش اللبناني الآن على درس المشروع، لكن لا يبدو أنها تضع في حساباتها أموراً كثيرة، أولها التفكير خارج صندوق الهبة المشروطة، لناحية عدم التسليم بشروط التمويل الأميركية كما هي، إنْ لناحية الشركة الأجنبية الموكلة بالتنفيذ، أو لناحية تحديد مكان الشبكة ونطاق عملها، إضافة إلى اعتبارات ضرورية كثيرة أخرى.
يأتي هذا بالتوازي مع «الجهود» التي يقوم بها مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، عاموس هوكشتين، لإعادة طرح ما يسمّيه «ترسيم حدود لبنان البرّية» مع فلسطين المحتلة، رغم أن لا وجود لمشكلة من هذا النوع. فالحدود البرّية معترف بها دولياً، فيما المشكلة تتعلّق بتحفّظات لبنانية على «الخط الأزرق» الذي رسّمته الأمم المتحدة عام 2000 بما لا يتطابق مع الحدود الدولية. إصرار هوكشتين على فتح ملف الحدود البرّية، يتجاوز الشق المتصل بفلسطين المحتلة من الحدود اللبنانية، ليصل إلى إعادة طرح مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا. وعلى قاعدة أن «كل قرار برغماتي تأخذه الحكومة له نتيجة جيّدة على لبنان»، يواصل الأميركيون سياسة «العصا والجزرة» بانتظار المزيد من «البراغماتية الرسمية» اللبنانية.

يقول متخصّصون إن «شبكة LTE الخاصة» هي تكنولوجيا اتصال لاسلكية مصمّمة للشبكات الخاصة، تمتلكها وتشغّلها شركات خاصة أو منظّمات أو حكومات، وقد تم تصميمها لتوفير خدمات اتصالات البيانات العالية السرعة والصوت لمجموعة محدّدة من المستخدمين مثل الموظفين أو العملاء أو الضيوف. ويمكن تخصيص هذا النوع من الشبكات الخاصة لتلبية الاحتياجات المحدّدة مثل منطقة التغطية وسرعة البيانات والأمان. كما يمكن دمجها مع تكنولوجيات أخرى مثل (Wi-Fi وEthernet وBluetooth)، وهي قد تكون مرخّصة أو غير مرخّصة، اعتماداً على متطلبات المالك، خصوصاً أنه تم تصميمها لتكون أكثر مرونة وقابلية للتخصيص من «شبكة LTE العامة». ومن ميزاتها الرئيسية أنها تحقّق أقصى سرعات تصل إلى 100 ميغابت في الثانية، ويراوح التأخر فيها حوالي 50 مللي ثانية، وتستخدم النطاق التردّدي المتاح الذي يمتد من 600 ميغاهرتز إلى 2.5 جيغاهرتز، وعلى الرغم من أن تغطية 4G قد تكون محدودة في المناطق الريفية، إلا أنها لا تزال أكثر إمكانية مقارنةً بـ 5G.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى