مقالات

الرئيس المكلّف لا يتراجع… هل يفعل الآخرون؟

نهاية الاسبوع يكون انقضى شهر أول على تكليف الرئيس حسان دياب. ثابتته الوحيدة منذ اليوم الاول وبالتأكيد الى ما بعد، لا تختلف عن اي من اسلافه منذ اتفاق الدوحة: لا اعتذار. لا داعموه الذين اتعبهم ولا مناوئوه قادرون على حمله عليه

جزم الرئيس المكلف حسان دياب في بيان 10 كانون الثاني بأنه لن يعتذر، وسيستمر في استكمال مهمته تبعاً للمعايير التي وضعها، قلب المعادلة التي شهدها تأليف حكومات العهد الحالي.

في 3 ايلول 2017، ذهب الرئيس المكلف آنذاك سعد الحريري الى رئيس الجمهورية ميشال عون حاملاً مسودة اولى لحكومته، فرفضها الرئيس واتبعها ببيان حدد معاييره هو لتأليف الحكومة، على ان يلتزم بها الرئيس المكلف في مسودته الثانية. لم تبصر حكومة 2017 النور وتُوقّع مراسيمها الا بعدما استجابت لتلك المعايير. الآن يضع الرئيس المكلف الحالي معاييره هو، ويطلب من الكتل التي رشحته لترؤس الحكومة المضي فيها.
مغزى ما عناه دياب في بيان 10 كانون الثاني، انه يوجه في آن واحد رسالتين متلازمتين: اولى الى تيار المستقبل يقطع له بأنه لن يسقط في الشارع اياً تكن مبالغات الحريري وتياره في تحريضه عليه، وثانية الى شركائه في مفاوضات التأليف يؤكد اصراره على ما اتفق عليه واياهم قبل التكليف (حكومة تكنوقراط خالصة من 18 وزيراً ليس فيها احد من وزراء حكومة تصريف الاعمال)، واستمر الى ان وقع اغتيال القائد الايراني قاسم سليماني في 3 كانون الثاني.
غداة الاغتيال، طرأ موقف اول اعاد ترتيب معايير دياب للتأليف، عندما اكد رئيس البرلمان نبيه برّي ان الاولوية اضحت لحكومة تكنوسياسية في ضوء تسارع احداث المنطقة. ثم طالب بحكومة لمّ الشمل، فُسِّرت للفور على انها حكومة سياسية على صورة الحكومات الثلاثينية المتتالية. من ثم اقترح رئيس الجمهورية حكومة سياسية آخذاً في الاعتبار تداعيات الاغتيال، والمواقف الحادة التي ادلى بها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في 5 كانون الثاني على طريق المواجهة. بالتزامن مع ذلك، تمسّك الرئيس المكلف بحكومة تكنوقراط خالصة. بذلك بدت عربة التأليف يجرها ثلاث احصنة كل منها يدير ظهره للآخر. في هذه الغضون كان حزب الله في واد آخر، يحسب حسابات الانفجار الاقليمي الجديد، فلم ينخرط في السجال الدائر من حول الحكومة، سوى ان لا جديد طرأ على موقفه من تأييد حكومة تكنوقراط تبعاً لما كان اتفق عليه في الاصل مع دياب.
ليس بيان الرئيس المكلف سوى محاولته استعادة المبادرة بتشبّثه بمعايير التكليف الموضوعة منذ اليوم الاول. ما لبث ان تأكد من عودة رئيس الجمهورية الى خيار حكومة التكنوقراط. ما رمى اليه ايضاً:
1 – لن يرأس حكومة تكنوسياسية ولا حكومة سياسية. الا انه لن يخلي مكانه لحكومة سياسية يرأسها سياسي. في سبيل ذلك، اكد ان تحريك الشارع السنّي لا يرهبه ولا يهوّل عليه كي يتنحى، كما ان احداً ليس في وارد إحداث سابقة لارغامه على الاعتذار ما دام لا آلية دستورية للاعتذار، ولا سابقة لمجلس النواب في استرداد التكليف الذي ناطه به. ذلك ما توخته تماماً عبارته ان رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا. عبارة متعارف على استخدامها لدى كل رئيس مكلف تربكه بعض مراحل التأليف، مع ان الرجل لم يصر بعد رئيساً للحكومة، وهو لا يعدو كونه رئيساً مكلفاً فحسب. اضف ان التأليف الحالي، اكثر من اي من اسلافه منذ عام 2008، لم يُحَط بسجالات دستورية حيال نطاق صلاحية التأليف الموزّعة عليه وعلى رئيس الجمهورية.
2 – لأنه متمسك بمسودته لتأليف حكومة تكنوقراط، يتصرّف دياب كما لو انه امام خيارين لا ثالث لهما: اول، موافقة رئيس الجمهورية عليها وتوقيع مراسيمها والذهاب من ثم الى مجلس النواب الذي لا يحتاج فيه سوى الى اكثرية نسبية لنيل الثقة ما ان يكتمل نصاب النصف+1 في الجلسة، وثانٍ، إحجام الرئيس عن التوقيع بالتزامن مع اصرار دياب على احتفاظه بالتكليف ما يضع الخلاف الرئاسي في مهب ازمة دستورية ليست جديدة. الا انها هذه المرة، في ظل التدهور الاقتصادي والنقدي، تمسي اكثر هولاً.
3 – في حسابات الرئيس المكلف ان الاسترضاء الفعلي الذي تتطلبه حكومته هو الشارع، وليس الكتل الرئيسية التي سمته وستمنحه الثقة. واقع الامر ان الرجل يشعر بأن دستورية الحكومة في المؤسسات تحتاج الى الشرعية الشعبية التي يفوضها اليها الشارع، آخذاً في الحسبان – وإن في ظل حكومة تكنوقراط كخيار وحيد لديه – ان المرحلة المقبلة تحتم معالجات اقتصادية ونقدية، مقدار استعدادها لمواجهة المفاجآت الاقليمية. بذلك يقتضي «ضبّ الشارع»، لا المضي في عكس السير.

يشعر دياب بأن دستورية الحكومة في المؤسسات تحتاج الى الشرعية الشعبية من الشارع

4 – باستثناء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011، لم يجد اي رئيس مكلف منذ اتفاق الدوحة عام 2008 اخصاماً له خارج دائرة الشراكة في التأليف، ما احال الخلافات في ما بين الشركاء هؤلاء على تقاسم المقاعد والحقائب. تبدو حكومة ميقاتي الاكثر تشابهاً مع الحكومة التي يؤلفها دياب في معظم المشكلات التي واجهتها الاولى وتلقي بنفسها على تأليف الثانية: سبعة نواب سنّة فقط سمّوا ميقاتي، وهو العدد نفسه الذي سمّى دياب. نال ميقاتي 68 صوتاً عند تكليفه، فيما حظي دياب بـ69 صوتاً. شأن الميثاقية التي اثيرت حيال حكومة ميقاتي وذريعة افتقارها الى الغطاء السنّي بسبب مقاطعة تيار المستقبل لها الا انها استمرت سنتين، لا يأبه دياب لأي ضجة ميثاقية مفتعلة بإزاء حكومته وإن في ظل مقاطعة تيار المستقبل الذي فقد مذذاك الكثير من فاعلية تمثيله السنّي. تبعاً لذلك، يقلل الرئيس المكلف – وهو يعي انه سيرأس كميقاتي حكومة اللون الواحد – من اهمية هذا الهاجس، اذ لن يحول دون حصوله على ثقة البرلمان.
5 – ليس خافياً على الرئيس المكلف ان المهمة المنوطة بحكومته ووزرائه التكنوقراط، العمل تحت رقابة غالبية نيابية ليس جزءاً منها ولا حليفاً لها، ولا كتلة نيابية لديه في صفوفها او حليفة حتى، في وسعها اسقاطه وحكومته في اي وقت. اضف العامل الجوهري الذي غالباً ما رافق حكومات ما بعد اتفاق الدوحة، وهو ان استراتيجيات الاستقرار والخيارات الصعبة المحلية والخارجية لا يصنعها مجلس الوزراء، بل المرجعيات الكبرى المقيمة خارج الحكومة: قصر بعبدا وعين التينة وحارة حريك… وهذه المرة تلة الخياط، لا بيت الوسط الذي لا يزال يمضي اجازة اعياد ربما فاته انها انتهت قبل اسبوعين.

الأخبار  _ نقولا ناصيف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى