الأخبار: برنامج تطوير المناهج: هكذا «سُرقت» عشرات ملايين الدولارات
كتبت الأخبار:
حوّل البنك الدولي 95% من قيمة قرضٍ وهبةٍ إلى وزارة التربية، منها 60 مليون دولار للمركز التربوي للبحوث والإنماء، انتهت بمخرجات على مستوى عالٍ من الضحالة في ما يتعلق بجودة التعليم. فأين ذهبت هذه الأموال؟
يعكس التقرير الذي نشرته «الأخبار» بعنوان «تطوير المناهج التربوية: 12 مليون دولار للموظّفين واللجان… ولا أموال للكتاب المدرسي» حجم استخفاف المسؤولين بالأموال العامة. وبدا مستغرباً ما قالته رئيسة المركز هيام إسحاق لجهة أن 12 مليون دولار (لولار) ذهبت في غالبيتها للتشغيل، وكأنّ أنشطة المركز التي تبلغ قيمتها نحو 60 مليون دولار (بحسب الوثائق المنشورة على موقع البنك الدولي) من قرض وهبةٍ مموّليْن من البنك الدولي، ضمن مشروع يمتد بين عامَي 2017 و2021 وممدّد له حتى شباط 2024، نُفّذت من دون مقابل، ما يطرح علامات استفهام حول مصدر الأموال التي دُفعت لشركات ومستشارين نفّذوا أعمالاً خلال هذه المدة لمصلحة المركز.
لقد حرّرت إسحاق نفسها من المسؤولية المالية بتحديد ما وصل من أموال قبل تسلّمها لمهامها، وعزت تأخير صرف حصة المركز من القرض إلى «إستراتيجية الوزارة». يحيلنا هذا الكلام إلى الإدارة المشتركة للهبة والقرض بين وزارة التربية والمركز التربوي ولبنك الدولي.
فتقرير التدقيق المالي (P159470) المنشور على موقع البنك (26/5/2023) يشير إلى أن المصرف حوّل 95% من الهبة والقرض: فالقرض (IDA-59050) الذي تبلغ قيمته 100 مليون دولار حُوّل منه 90.15 مليون دولار، والباقي منه 9.58 ملايين دولار، علماً أن التمديد ينتهي في شباط 2024، في حين حوّل البنك من الهبة (TF-A3064) 4 ملايين دولار، ثم 92 مليون دولار (TF-A4753)، وألغى 8 ملايين دولار لتعثّر تنفيذ أنشطة، وأغلق المشروع عام 2021.
القرض هو ما تبقّى، وتبلغ حصة المركز التربوي منه، بحسب المشروع الأساسي، نحو 25 مليون دولار باعتبار أن التحويل الأول الذي جرى في أيلول 2017 تحوّل إلى لولار، وقد حصل المركز على 12 مليوناً والباقي للمركز يقارب 13 مليون دولار فريش.
ووفق إسحاق، تقاضت اللجان فقط 25 ألف دولار بين لولار وفريش بينما حصة «تأليف لجان للإطار العام» في المشروع بلغت، بحسب البنك الدولي، 940 ألف دولار، وهو الوحيد المنجز في سلّة المناهج من حصة الوزارة من القرض، ما يبرّر تعليق تمويل الأنشطة الستة الأخرى المشتركة مع الوزارة البالغة قيمتها 40.5 مليوناً حتى استكمال تطبيقها، ومنها تصميم المنهاج (10 ملايين دولار) وتجريبه في 6 مدارس (5.6 ملايين دولار)، وتقييمه وغيرها من الأنشطة التي من المفترض أن تنتهي في شباط 2024!
وبالعودة إلى الهبة، فإن حصة المركز في التصميم الأساسي لا تقلّ عن 30 مليوناً، لكنّ إسحاق لم تتحدث عنها، علماً أنها محدّدة بالتفصيل في المشروع، وفي تقرير التدقيق المالي المنشور على موقع البنك الدولي، ورد أن هناك 4.3 ملايين دولار دُفعت لقاء عقود استشارية فردية مؤقّتة وطويلة الأمد للمركز. فأين هي الأموال إذا كان عدد من المتعاقدين من أفراد وشركات ممّن نفّذوا عقوداً مع المركز والوزارة يشكون من أنهم لم يتقاضوا كامل مستحقاتهم أو بعضها وتبلغ ملايين الدولارات، كما يشير تقرير التدقيق المالي؟
اليوم، ونتيجة غياب أو تعذّر تقدم خبراء ذوي كفاءة لتأليف مناهج قائمة على الكفايات، وغياب التمويل والشفافية، وبعد فرض إطار مناهج يرضي الأطراف السياسيين والطوائف وليس التربويين، وتأليف 11 دراسة مساندة لم تخضع للمراجعة والتقييم بعد، هناك توجّه لتشكيل لجان في المركز تضيف الـ scope and sequence (مصفوفة المدى والتتابع) التي ستكون نسخة معدّلة عن سابقاتها، أو عن بعض المناهج الأجنبية كالعادة، ثم تلزيم عملية تأليف الكتب لبعض دور النشر الخاصة جداً، ويكون دور اللجان المشكّلة، على أساس المحاصصة، ضبط الجودة، وهنا نفهم مستوى الجودة المقصودة.
بذلك، يقدّم المركز منفعة للقطاع الخاص من الناشرين والمحازبين والمدارس الخاصة بقيمة 10 ملايين دولار، وفي الوقت نفسه يكون مخرجاً من فضيحة صرف القرض والهبة من خلال تلزيمات، ويتحرر بعدها من مسؤولية الجودة الأكاديمية والتربوية لتقع على دور النشر والقطاع الخاص.
تسعى الوزارة والمركز جاهديْن لإشراك أفراد ومؤسسات ذوي وذات كفاءة، بالترغيب والإحراج والضغط أحياناً، بهدف مراجعة الأوراق البحثية ومراقبة الجودة. لكنّ التجارب السابقة لأندادهم مع الوزارة لم تكن مشجّعة، وسينتقل الفساد إلى مستوى المراجعين بدلاً من إدارة المشروع. فتلجأ الوزارة إلى الضغط على المؤسسات الأكاديمية والجامعية التي تشغّلهم عمداء أو أساتذة جامعيين لتحملهم على الموافقة على أوراق بحثية دون المستوى بهدف التشريع القسري لأنشطة دون مستويات الجودة، لتحوّل الهزالة من إدارة المشروع والتخطيط له إلى المراجعين ودور النشر والأوراق البحثية.