الأخبار: أطفال لبنان وغزة: تحييد بلا حياد
كتبت فاتن الحاج في الأخبار:
لم يعمّم وزير التربية، عباس الحلبي، على المدارس الرسمية تنظيم نشاطات تواكب حرب غزة في القاعات الدراسية، ولم تعلن وزارة التربية توجّهات عامة في هذا الإطار. اختارت كل إدارة مدرسية المواكبة على طريقتها، فشهد بعضها أنشطة تضامنية في الأيام الأولى للحرب، وباتت فلسطين تحضر في الحوارات اليومية مع التلامذة في بعض المدارس، ونأت أخرى بنفسها عن التطرّق إلى حرب الإبادة التي يتعرّض لها الفلسطينيون على خلفية «ما خصّنا»، أو بذريعة «تحييد الأطفال» عن «حروب الكبار»، أو خشية أن يؤدي ترك الحوار مفتوحاً حول ما يجري إلى مشاكل بحكم الواقع السياسي والمناطقي والطائفي. فـ«ما تسمعه في الشمال قد تسمع عكسه في البقاع أو في منطقة أخرى. هناك تلامذة في الشمال، مثلاً، لا يعرفون أن طلاب الجنوب غير قادرين على الذهاب إلى المدارس منذ أكثر من شهر»، بحسب مدير مدرسة ابتدائية في الشمال.
في هذا السياق، تلفت مديرة إحدى المدارس إلى أن تحييد الأطفال قد لا يكون مجدياً في ظل الأجواء الضاغطة التي يعيشونها في منازلهم وما يسمعونه من أهاليهم، وفي الوقت نفسه، فإن «القضية الفلسطينية جزء من الاصطفاف السياسي. وقد يحدث أن يكون هناك معلمون مختلفون أيديولوجياً مع إدارة المدرسة، ما يمكن أن يتسبّب بإشكالات، مثل اعتبار إسرائيل والفلسطينيين طرفين متساويين». هذا الواقع دفع المدرسة إلى «التركيز على الشقّ الإنساني الجامع الشاجب لقتل الأطفال، والحق في مقاومة الاحتلال لاستعادة الأرض، وحصر الحلقات الحوارية بعناوين عامة يقاربها مرشدون تربويون». علماً أن التلامذة «واعون لما يحدث في غزة، وبدا ذلك واضحاً في رسومهم في حصة الفنون. وكان مفاجئاً هو أن غالبية رسومهم لم تتناول صور المجازر الإسرائيلية بل جسّدت الإنجاز العسكري لكتائب القسام والمسافة صفر وغيرهما»، على ما يشير مدير مدرسة في الشمال، لافتاً إلى أن الأولاد يعكسون في الصف ما يدور في منازلهم من نقاش.
الأهل، من جهتهم، وهم مصدر الثقة الأساسي لأطفالهم، تتفاوت طريقة تعاطيهم مع أبنائهم. منهم من يبدو مقتنعاً بأنه يستطيع إبعاد أطفاله عن أجواء الحرب الدائرة هناك والخشية من الحرب هنا، عبر الاكتفاء بالعموميات، مثل أن الفلسطينيين يدافعون عن أرضهم التي يحتلها الإسرائيليون، ويتهرّبون من الإجابة عن الأسئلة التفصيلية. تحرص إحدى الأمهات على ألا تكون ابنتاها، وهما في السادسة والسابعة، موجودتين أثناء النقاشات السياسية في المنزل، وتمنعهما من مشاهدة التلفزيون واستخدام الهاتف. وتقرّ بأن «المهمة صعبة، خصوصاً أنهما تسمعان عما يجري من رفاقهما في المدرسة، ولكن أحاول أن أسيطر على الوضع حماية لأطفالي». في المقابل، لا يمانع آخرون أن يشاهد أبناؤهم، خصوصاً في عمر المراهقة، صور المجازر «ليعوا وحشية العدو»، بحسب أحد الآباء، مشيراً إلى «أنني أحرص أمامهم على تسمية الأمور بأسمائها من مثل أن صراعنا مع الصهاينة وجودي، وشرح الخلفيات التاريخية لما يجري لهم».
الخبيرة الدولية في حماية الطفل، زينة علوش، تقول إن «ما يحصل في غزة هو سابقة على المستوى الإنساني العالمي، والأطفال حكماً مستهدفون لأنهم أمل التغيير». وتشير إلى أن هناك مبادئ أساسية للتعاطي مع الأطفال المعرّضين للعنف غير المباشر كما في لبنان، مثل الخوف والقلق على المصير المترافق مع قلق الأهل على حمايتهم. ومن هذه المبادئ أن يسعى الأهل إلى «حماية الأطفال من التعرّض المباشر لمشاهد العنف والقتل المجاني وصور الأطفال المشوّهين والمرتعبين والخائفين». والمبدأ الثاني هو «فتح حوار ونقاش وتخصيص وقت إفساحاً في المجال للأطفال لطرح أسئلتهم ومخاوفهم حتى لو كانت تتعارض مع قناعات الأهل الأيديولوجية، وتفكيك الصور التي يرونها». بمعنى آخر «أن لا يكون الحوار فرصة لغسل دماغ أيديولوجي من الكبار ضد أشخاص وهويات وجنسيات، وأن يكون حول قيمة الفعل وإدانته وسؤال الأطفال: هل القتل قيمة وهل التنكيل بالأطفال قيمة، وهل الاعتداء على ممتلكات ليست لنا هو قيمة أيضاً؟ ونكون بذلك قد فتحنا المجال للتفكير النقدي للولد». لكن هل معنى ذلك أن نغيّب الفاعل الحقيقي وأن لا نقول للطفل إن إسرائيل عدو؟ تجيب علوش: «طبعاً يجب أن نقول لهم إن إسرائيل عدو، ولكن يجب التركيز على إدانة فعل القتل والاحتلال وأخذ شيء ليس من حقهم». وتدعو علوش إلى «عقلنة ما يحدث وربطه بيوميات الطفل كتأكيد الأهل والمسؤولين عن رعاية الطفل أنهم موجودون إلى جانبه للاعتناء به، والتركيز على اللحمة والاتحاد العائليَّيْن اللذيْن يستطيعان أن يحميا الأطفال من الأيام الصعبة المقبلة، والأهم عدم قتل الأمل لديهم».