لبنان

الشيخ الخطيب: المطلوب من الشعوب العربية والإسلامية تكثيف الضغوط لإيقاف المجازر في غزة

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس، وألقى خطبة الجمعة قال فيها: “يوجه الله سبحانه الخطاب في هذه الآيات إلى المؤمنين بالمعنى العام أي للمسلمين بشكل عام باللوم على عدم استجابتهم لدعوة الرسول بالنصر للقتال في سبيل الله في غزوة تبوك، فتثاقلوا عن إجابته كراهيةً الموت وحبّ الحياة مبيِّناً لهم ان المتع التي يبغونها البقاء والحياة مهما بلغ تخيّلهم وأمانيهم لها ليست إلا شيئاً قليلاً أمام ما ينتظرهم مما أعدّه الله لهم في الآخرة، بل في مورد آخر: إنّ قياس الحياة الدنيا في الآخرة ليس إلا متاع.  قال الله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ) أي قليل ذاهب.  فهو أولاً يدعوهم إلى عدم التمسّك بالقليل الزائل إلى الكثير الدائم، وهو بذلك يؤكّد أنهم ما لهذا القليل الزائل الذي يغريهم خُلقوا وإنه ليس الغاية من الخلق، بل الغاية هي هذا الكثير الذي هو الآخرة وان العاقل لا يستبدل القليل الزائل وإن كان يُغري بالكثير الباقي وإن الإغراء ناتج عن الاحساس بالموجود المادي وغياب الكثير الموعود عنه، لكن المفترض أنّ الإيمان بالله تعالى وبحتمية تَحَقُّق وعده يعوِّض هذا الفرق ويجعله بمثابة العيان.
ولهذا حينما خاطبهم الله تعالى خاطبهم لائماً لهم، لأنهم حين لم يستجيبوا لدعوة الرسول لهم مُذكِّراً بإيمانهم فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) فتصرَّفتم تصرُّفاً يخالف إيمانكم الذي يقتضي أن تقدّموا الآخرة على الدنيا حين تُدعَون إلى القيام بالجهاد والاستعداد للتخلي عن الحياة التي هي متاع قليل في مقابل الآخرة، ثم يهدّدهم إن لم يستجيبوا بأنّ عاقبة ذلك عذابٌ أليم لهم وضررٌ واقعٌ عليهم دون الله ولن تضروا الله شيئاً وان الله تعالى يستبدلهم بغيرهم الذين يستجيبون للدفاع عن الحق فهم في موقع الامتحان والابتلاء وهو قوله تعالى: (وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) أي يختبركم بما جرى عليكم، (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، ويظهر أمر المؤمن والمنافق للناس في الأقوال والأفعال وهي الغاية من الخلق”.
وقال:”لكن نكول المتخلِّفين عن الإجابة لا يؤثِّر في النتيجة وهو انتصار الحق (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ) والضمير يعود الى الرسول الذي يُمثِّل الحق، فعدم نصرة الرسول تخلٍ عن نصرة الحق والنتيجة: (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا) كناية عن انتصار الحق وهزيمة الباطل، وبعد بيان هذه الحقائق للمؤمنين حثَّهم على الجهاد بأنفسهم وأموالهم وعدم الاكتفاء بالجهاد بالمال مشيراً إلى أنه خير لهم في الدنيا والآخرة، فهو كرامة وعزة للمؤمنين كجماعة وكأمة أي للجماعة وللأمة وكأفراد، لأنّ كرامة الأفراد من كرامة الجماعة والأمة، كما أن ما ينال الجماعة من ذلٍ ينال أفرادها والمنتمين إليها كذلك.  ومن أسباب الذل الذي لا يُستثنى منه أحد حتى أهل الإيمان هو التواكل والتخاذل حتى يغزوا في ديارهم كما ورد في كلام أمير المؤمنين في خطبة الجهاد في نهج البلاغة (فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا) فمن يصيبه الخزي والعار والذل هم الذين اطمأنوا إلى الحياة الدنيا أو ضنّوا بأنفسهم عن نصرة الحق أيضاً، والايمان وحده دون الإعداد والتهيؤ والمبادرة لا يكفي والانتصار لأهل الحق له شرطان: أن يكون للحق والتضحية والاستعداد للشهادة، والهزيمة لأهل الحق لا للحق (إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) ينتصرون له فالحق لا يهزم.
وقد أطلق تعالى النصر من غير تقييده بدنيا أو آخرة أو بنحوٍ آخر بل القرينة على خلافه، قال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ). فالرسل عليهم السلام منصورون في الحجة لأنهم على الحق والحق غير مغلوب، وهم منصورون على أعدائهم إما بإظهارهم عليهم وإما بالانتقام منهم قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى) – إلى أن قال – (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين) يوسف: 110. وهم منصورون في الآخرة كما قال تعالى: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) التحريم: 8، وفي سورة المؤمن في هذا المعنى قوله تعالى: (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)، وقال تعالى في موضع آخر من كلامه: (وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) المائدة: 56. أما أهل الحق فهم في الامتحان فإن حقّقوا للنصر شروطه فالنصر موعدهم حتماً ومن دون تردد أو تخلف وإلا (يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) يشملهم ولن يكونوا بمنأى عنه”.
أضاف:” على أنّ النصر ليس مقيَّداً بموازين القوة المادية: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ)، ولكنه مرهون كما أشرنا إلى الاستعداد والإعداد (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ).
وفي سياق هذه الآيات أشار الله تعالى إلى فئة خطيرة وهي فئة المنافقين بقوله تعالى: (لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)، وهذه الفئة تقوم بعمل خطير داخل الامة وهي التثبيط والإشاعات وإثارة الفتنة بين المسلمين، وهي العدو الخفي الذي يُثير المشاكل ويحارب من وراء الستار، وقد شنَّ ضد هذه الفئة حرباً توعوية لمنعها من التأثير على المعنويات للمسلمين: (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) ثم يتحدّث عن بعض صفاتهم ليعرفهم المؤمنون حتى يحدّ من خطرهم، وهذه الفئة كانت موجودة وما زالت موجودة ومستمرة تقوم بنفس الدور اليوم كما بالأمس من إثارة التشكيك والتفرقة واختلاق الأكاذيب ونشرها بين أبناء الأمة للتأثير على الأمة ومحاولة منعها من احتضان القوى المقاوِمة أو محاولة إيجاد الاختلاف بين قوى المقاوِمة على أساس مذهبي تارةً وقومي أخرى، وهي تتنوع من أشخاص تارةً ومن جمعيات ومن أنظمة تقوم بينها وبين الغرب والعدو اتفاقيات تتعهّد بالتآمر على قوى المقاومة، بل وتعلن الحرب عليها وتسمّها بالإرهابية وتتعاون مع العدو على ضربها ومحاصرتها.
وحين نتحدّث عن الانتصار للحق فما هو المقصود بالحق؟ حينما نتكلم عن الأمة فالحق قد يكون حقاً لشخص في قضية شخصية اعتُديَ عليه بها أو لجماعة اعتدت عليها جماعة أخرى في نزاع قبلي، ففي الحالتين يكون المرجع في حلّ النزاع القضاء وهذا خارج عن ما نحن فيه، فهذا نزاع خصومة وليس نزاع عداوة، أما محلّ حديثنا فهو الصراع مع الأعداء الذين يقاتلوننا على القضايا المبدئية التي تعني صراع الوجود، صراع القيم، ضرب المبادئ والاهداف، القضاء على رسالتنا كما هو العدوان الذي تتعرّض له أمتنا اليوم والذي ابتدأه أعداؤنا الذين خدعوا أبناءنا بسبب الجهل برسالتهم وان لهم قضية قيم ومبادئ إنسانية وإلهية وعالمية تسعى لتحقيق العدالة والسلام والأمن العالمي ومواجهة التخلّف الفكري والظلم ورفعها أعداؤنا شعارات مضلِّلة بهدف السيطرة والنفوذ والانتقام بروح الحقد، ساعدهم على ذلك الظروف التي حكمت الأمة والأنظمة التي تخلّت عن مسؤولياتها وحوَّلت القضايا الأساسية للأمة إلى قضايا حزبية وقبلية، قضية حكم شمولي ونفوذ وسيطرة وتَأَمُّر شغلت الأمة عن رسالتها وأنستها قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)، وأصبح همّها الدفاع عن المتغلّب على السلطة الذي أدخلها في صراعات داخلية يُقرِّب بعضها ويُبعِد الأخرى، يستقوي ببعضها على بعض حتى يأمن من خطرها، وكان أخطرها التمذهب السياسي الذي لم يقتصر على وجود المدارس المذهبية التي لم يكن فيها مشكلة لو اقتصرت على تعدّد الرأي الفقهي والاجتهادي، ولكن الخطورة كانت في استخدامها السياسي الذي قسَّم الأمة بعدد مذاهبها حين كَفَّرَت كل منها الاخرى ودخلت النزاعات المذهبية في صلب أهدافها، مما أوجد فيها الوهن والضعف وضيَّع على أجيالها الأهداف التي كُلفت تحقيقها فاستُضعفت واستكانت، وتتطلع الاجيال المتأخرة إلى هذا الواقع المرير والتخلّف الشديد، وأبهرها الواقع للعالم الغربي المادي وما هو عليه من تقدّم صناعي وتنظيم تعليمي مما هي محرومة منه فوقعت في الفخ الذي نُصِبَ لها، فبينما رفعت شعارات الحرية والديمقراطية الغربية بوجهها تلقَّفتها من دون تفكير لأن الواقع الذي كانت تعيشه لم يسمح لها أن ترى غير ذلك”.
تابع:”أيها الأخوة والاخوات، لقد ظلّل السقوط في فخ الغرب كل واقعها وكانت المصيدة التي أوقعها الغرب بها شديدة الإمساك بها، والخلاص منها بحاجة إلى رؤية تعيد لها تنظيم مشروعها المنقذ للتفلّت من هذه المصيبة التي كانت فلسطين أبرز ضحاياها ولم تستطع حتى الآن الخروج والتفلّت من جذور الماضي الأليم المحكوم بالفكر المذهبي المحدود وتداعياته التي لا تزال تُشكِّل السلاح الاخطر لأعداء الأمة والأنظمة المرتبطة بها لمواجهة أي حال وعي تُشكِّل خطراً على الغرب ومصالحه كما هي حركات المقاومة التي استطاعت في المرحلة الأخيرة أن تُشكِّل حالةً مهمة في مواجهة العصابات الصهيونية واجهة الغرب الاستعماري في احتلال فلسطين كقاعدة للإمساك بالمنطقة وضرب أي محاولة للتحرّر وتشكِّل المذهبية السياسية أخطر الوسائل التي تُستخدم في مواجهتها وأهمّ التحديات التي ينبغي إيجاد الحلول لها”.
ولفت إلى أن “المعركة التي تخوضها المقاومة في فلسطين وتدير أبرز جولاتها وأهمها مع جبهات الاسناد الأخرى لقوى المقاومة سواءً في لبنان أو غيرها وتشكّل استخدام المذهبية السياسية التحدي الأكبر في مواجهتها ليست حرباً على الارض وليست حرباً على مصالح وليست نزاعاً فلسطينياً إسرائيلياً كما يريد الغرب ويزعم، وإنما هي حرب الأمة ضد أعداء الانسانية وضد المبادئ والقيم الإنسانية، وهي حرب وجودية للأمة لا مجال فيها لما يدّعون بالسلام، فهو سلام مع الوحوش والذئاب وما جرى ويجري على المنطقة وعلى أرض فلسطين وغزة اليوم يؤكّد كما الماضي هذه الحقيقة التي لم تزدنا معرفة بحقيقته الأعمال الاجرامية والبربرية على الأطفال والنساء والشيوخ والعُجَّز والمرضى وضرب المستشفيات والتنكيل بالأطباء في ظلام الليل بعد قتل ومنع الصحافيين من نقل ما يُرتَكب فيها من جرائم والاجهاز على الخُدَّج والرضّع والاطفال والمرضى والمسعفين والاطباء اعتاد عليها لفترة طويلة بعد منع الماء والدواء وكل أسباب الحياة من إدخالها للمستشفيات وغيرها على مرأى العالم وأسماعه دون اتخاذ أي اجراء قانوني أو عملي يمنع الاستمرار بهذه الوحشية، بل نرى عكس ذلك حماية لهذا الوحش الكاسر من الولايات المتحدة الأميركية”.
أضاف:” لقد كان المرتجى والمأمول من الشعوب العربية والاسلامية أن يكون حضورها اقوى في التعبير عن الاستمرار وممارسة الضغوط لأجل إيقاف هذه الابادة والمجازر، وهي مدعوة مع شعوب العالم المشكورة على ما أبدته من تعاطفٍ وضغوطٍ على أنظمتها في زيادة هذه الضغوط دفاعاً عن الانسانية وقيمها التي تنحرها حكومات الغرب اللاإنسانية واللاأخلاقية. إنّ الأمة اليوم في امتحان كبير والموقف العملي مما يحصل في غزة هو ما يحدّد نجاحها أو سقوطها، ويبقى الأمل على صمود غزة وأهلها الذين نحيي صبرهم العظيم وتضحياتهم التي تُعبِّر عن عظمتهم وانتصارهم التي لا مثيل لها.
فإنكم يا أهلنا تنحرون العدو وتيئسونه وتغيظونه بهذا الصبر وبهذه التضحيات رغم انه يمارس الحقد والقتل والذبح، لكنه يُعبِّر بذلك عن غيظه وهزيمته التي أصبحت بلا شك تاريخية.  (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى