لبنان

الشيخ الخطيب: للخروج من الإصطفافات السياسية الحادة ومعاودة التواصل بين جميع الأفرقاء للتوصل سريعاً إلى حلول للأزمات

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:

“قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ). الأمن حاجة إنسانية فطرية غريزية نفسية عامة وغاية من غايات الاجتماع الإنساني كضرورة من ضرورات تحقيق الاستقرار في الحياة، فهو مطلب يسعى إلى تحقيقه كل فرد وهو باعث من بواعث الاجتماع الإنساني بل لعلّه يكاد يكون الباعث الحقيقي لتكوينه للخلاص من عوامل الخوف المتعددة المنبعثة من الشعور بالنقص والعجز عن إمكانية تحقيق الأمن الذاتي له أمام التحديات الكثيرة والتهديدات التي تواجهه في الحياة وتُشكّل خطراً على استمرارها سواءً منها العوامل الطبيعية أو الحاجات الانسانية الضرورية التي يرى نفسه عاجزة بمفردها عن تأمينها، بل وحتى تلبية طموحاته في تطوير وسائل العيش التي تشعره الحاجة إلى التعاون مع الآخرين تلبية لمتطلباتها إلى جانب عامل غريزي آخر وهو ما يمكن تسميته بالشعور العاطفي نحو من له صلة به وكل ما كانت صلة القربى أقوى  كالآباء والأبناء، فنشوء المجتمع الصغير كالأسرة يقف خلفه العامل الغريزي.

اضاف: ” لكن الشعور بالحاجة إلى الأمن والشعور بالاطمئنان والاستقرار والتخلّص من الخوف يبقى العامل الاقوى الذي يدفع إلى تكوين الاجتماع الانساني واستمراره، وهذا ينسحب على غير الوجود البشري كعالم الحيوان، قال تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)”.

واشار الى ان “الاجتماع الانساني الذي كان منشؤه الحاجة الى الشعور بالأمن قد يتحوّل مرة أخرى بسبب غريزة الأنا وحبّ التغلّب عند الشعور بالقوة لدى الافراد والمجتمعات إلى صراعات فيما بينها وتُصبح سبباً لانعدام الامن ومصدراً للخوف من بعضها البعض، ومن هنا نشأت الحاجة لناظم للعيش بين الأفراد والجماعات المختلفة وأنشأت من أجل ذلك القوانين والدساتير، قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)”.

وقال: “لقد كان الوجود البشري بإرادة إلهية حكيمة محيطة بالنفس البشرية فالله سبحانه عالم بخفاياها: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)، وهو تعالى أراد لها الحياة الآمنة والمستقرة وعَرَّفَها سبيل تحقيق هذه الحياة ما إن التزمتها وسلكت طرقها فبعث النبيين وأنزل معهم الكتاب وشرَّع لهم الشرائع ولكن اتبعوا أهواءهم وأضاعوا السبيل ووضعوا لأنفسهم النظم والشرائع البديلة التي تنسجم مع غريزة التغلب لصالح الأقوياء كما تفرضها قوانين الطبيعة.  فالحياة بمفهومهم ليست سوى ساحة للصراع يُكتَب فيها البقاء للأقوى قياساً لحياة الانسان على حياة الغابة دون اعتبار للقيم الانسانية ولذلك افتقد العالم الأمن والاستقرار”.

إنّ الأمن في المقياس القرآني هو الأمن النفسي والشعور بالاطمئنان بالرضا الذي يستمد من الإيمان بالله وتحقيق رضاه، وهو يحصل حتى في حالة المواجهة للعدوان إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل كقيم معنوية يجب أن تقوم الحياة على أساسها فتكون كريمة وإلا فالكرامة في الموت رفضاً للعيش دونها، فليست الكرامة في الحياة مجرّدة عن هذه القيم فإذا ما آمن بها وكُتِبَ له أن يعيش وفقها أو استُشهِدَ دونها فقد حصل الأمن على كل حال، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ).

وأكد “انّ الأمن الحقيقي هو تحصيل الأمن في الحياة الدائمة الحقيقة وهي الحياة الآخرة التي هي ثمرة هذا النضال الذي يعيشه المصالح وهو يصارع شهواته وغرائزه ونقاط ضعفه فيُحوِّلها بإيمانه إلى نقاط قوة حين يَثْبُت في مواجهتها ويصرعها، قال تعالى: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).

 وأشار الى “انّ بين الإيمان والامن صلة قربى والايمان سبب للشعور بالأمن النفسي حتى ولو كان يصارع الموت ومثاله الصارخ قول علي ابن الحسين لأبيه (ع) حينما سأله وقد سمعه يحوقل ( يقول : لا حول ولا قوة الا بالله) قائلاً: ” القوم يسيرون والموت يسير معهم (يقصد نفسه ومن معه) ألسنا على الحق يا ابتاه؟ قال: بلى، قال: اذاً لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا”، والسؤال: ما هو المنشأ لهذا الاندفاع سوى هذا الشعور القوي بالاطمئنان والامن الذي أصبح نهجاً لكل المؤمنين بهذه القيم؟”.

وأوضح: “إنّ الفارق بين أولئك الذين يمارسون العدوان وقد يلقون حتفهم في هذا الصراع يندفعون في عدوانهم بتحريض غرائزي مادي حيواني وعن الحقد والانتقام الشخصي وعن الشعور بالخوف والقلق وعدم الاستقرار، وأما الذين يواجهون الظلم والعدوان فهم يقومون بذلك بدافع من القيم التي آمنوا بها وعن الشعور بالأمن النفسي المرتكز على الحق ولا ينطلق من الحقد والكراهية والانتقام، وإنّما الدعوة للحق والدفاع عن قيم الحق والعدالة فليس في خلفية المواجهة لديهم عامل نفسي شخصي فلا يجوز لديهم التمثيل بالميت من العدو”.

وقال: “انّ هذا يبرز بشكل واضح اليوم في معركتنا مع العدو الاسرائيلي الذي يرتكب الجرائم بحقّ أبناء أمتنا فيرتكب المجازر بحق الآمنين كما يفعل اليوم في غزة والضفة وكما فعل بالأمس في لبنان كما في مجزرة قانا وقتله الأطفال في مركز للقوات الدولية المفترض انه تحت حماية الامم المتحدة والقوات الدولية، فلا عهود ولا مواثيق ولا قوانين دولية تُحتَرم لديه وإنما البطش والإرهاب وموازين القوة وشريعة الغاب والعدوانية الشريرة هي التي تحكم تصرفاته، ومن المؤسف انه استطاع أن يُعمّم هذه الاخلاقية على العالم فيجد من يُدافع عنه ويحميه ويشجّعه على هذه الممارسات أو لأنه الأداة التي يبطش بها الغرب اندفاعاً خلف غرائزه وعدوانيته وأطماعه التي لا حدود لها، فافتقد العالم الأمن والاستقرار”.

وأكد الخطيب “ان إيماننا بأحقّية موقفنا يجعلنا في اطمئنان كامل بالانتصار في معركتنا التي نخوضها دفاعاً عن بلدنا لانتزاع حقّنا وتحرير أرضنا وفي مواجهة الشرير الذي لا يفتأ يهدّد ويتوعد بالدمار والخراب، ونقول له: لقد جرّبت حظك في الماضي وجرّيت ذيل الخيبة والهزيمة، ولم يكن حظك اليوم في غزة الا الخزي والعار وافتُضحت أمام العالم، وسوف لن تجد في لبنان إلا أسوداً ينتظرون اللحظة التي يواجهون فيها كبرياءك المحطّم على صخرة صمود غزة ليذيقونك هوانَ الهزيمة النكراء وتكون نهايتك على يد أبطال جنود الله الميامين على تخوم جبل عامل وحدود لبنان الجنوبية”.

وقال: “أيها الاخوة، إنّ لبنان اليوم ليس كالأمس ليستطيع العدو أن يعبر حدوده ويحتله بفرقة موسيقية، فقد مضى هذا الزمن الذي يستطيع فيه أن يحتل أو يضرب أو يقتل دون أن يُكال له الصاع صاعين أو أكثر وقد ذاق  بالأمس بعض بأسهم إنّ هذه المواجهة التي أذلَّت العدو وزادته صغاراً إلى صغار أضْفَت الى ثقة اللبنانيين بمقاومتهم ثقة وقَرَّبت المسافات بينهم بفضل دماء وتضحيات أبنائها وجميل صبر أهالي الشهداء التي ظهر للمرة الألف صدقهم وإخلاصهم للبنان كما لفلسطين كما للعرب والمسلمين وكل المظلومين، وكان من بركات ذلك تعزيز أواصر الوحدة الداخلية بين اللبنانيين نأمل أن تفضي الى الخروج من الاصطفافات السياسية الحادة ومعاودة التواصل بين جميع الفرقاء للتوصل سريعاً إلى حلول للأزمات التي يعاني منها لبنان حفاظاً على الكيان وعلى اللبنانيين بتخفيف الاعباء الاجتماعية والاقتصادية  والسياسية فشعب لبنان يستحق أكثر من ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى