مصرف لبنان يخنق الكهرباء

حان وقت مؤسسة كهرباء لبنان. مصرف لبنان يرفض تأمين حاجتها من الدولارات. وهذا يعني أن عقودها مع الشركات الأجنبية ستكون مهدّدة بعدم القدرة على تأمين مستلزمات استمرار التغذية بالتيار. تلك لا تعوّضها سوى المولّدات الخاصة التي يؤمن المصرف المركزي الاعتمادات الخاصة بالمحروقات التي تستهلكها
مع التغييرات التي طرأت منذ بداية تشرين الأول وتكرّست في نهايته، طلبت الشركة تسليمها أموالها، أو جزءاً منها، بالدولار، نظراً إلى انخفاض قيمة العملة. عندها وقعت مؤسسة كهرباء في مشكلة. أولاً هي مؤسسة عامة وبالتالي لا يمكنها أن تفتح حسابات في المصارف التجارية بل حصراً في مصرف لبنان، وثانياً هي تجبي بالليرة، ولا يمكنها أن تحول الأموال إلى الدولار إلا في مصرف لبنان. وكل ذلك ترافق مع رفض مصرف لبنان تأمين حاجة المؤسسة من العملة الصعبة.
وقفت المؤسسة وكل الشركات المتعاقدة معها عاجزة عن الخروج من حالة المراوحة. حتى الآن لم ينعكس ذلك على عمل الشركات أو على التغذية بالتيار، لكن هل يستمر هذا الوضع؟ لا أحد يملك جواباً شافياً، وإن تؤكد مصادر معنية أن الوضع لا يطمئن. على سبيل المثال، إلى متى تستمر «كارادينيز» بتشغيل البواخر بكامل طاقتها من دون قبض مستحقاتها؟ وإلى متى سيبقى مخزون قطع الغيار الذي تملكه شركات تشغيل وصيانة المعامل، قبل أن تضطر إما إلى شراء هذه القطع من الخارج أو تخفيض إنتاجها إذا لم تتمكن من استيرادها؟
الأسوأ أن «كهرباء لبنان» كانت قد بدأت تشكو من تراجع الجباية بنسبة 35 في المئة على الأقل. وهذا يعني أنها، حتى بالليرة اللبنانية، لم تعد قادرة على دفع كامل متوجّباتها. المؤسسة تدفع لـ«كارادينيز» وحدها ما يقارب 18 مليار ليرة شهرياً، لكن بسبب ديون متراكمة منذ التوقف عن الجباية في فترة سابقة نتيجة المشاكل التي طرأت على مشروع شركات الخدمات، فإنها كانت تدفع ما يعادل 26 مليار ليرة (بحسب حجم الجباية) آملة تسديد كل المبالغ المكسورة قبل آب المقبل، على أن ينتظم الدفع شهرياً بعد ذلك التاريخ.
تلك الخطط وصلت إلى طريق مسدود. في الأساس، ونتيجة التراجع الكبير في الجباية لم تعد قادرة على دفع الـ18 مليار ليرة. أضف إلى أن «كارادينيز» لم تستلم مستحقّاتها من المؤسسة منذ ثلاثة أشهر، بانتظار إيجاد حل لمسألة فارق الدولار.
كل دولار يمنعه «المركزي» عن «كهرباء لبنان» يدفعه دولارين للمولّدات!
كل ما يجري في القطاع يؤكد أن الأزمة إلى تفاقم. شبح العتمة التي شهدها لبنان في الشهر الماضي يمكن أن يتكرر. فحتى لو تعاونت الشركات التي تقبض بالدولار، وحصلت على جزء من مستحقاتها بالليرة، فإنها لن توافق على استمرار قبض كل مستحقاتها بالعملة الوطنية، وحُكماً، الأمر نفسه ينطبق على مورّدي قطع الغيار. في المقابل، فإن لا قدرة لكهرباء لبنان على تأمين حاجتها إلى الدولارات من خارج مصرف لبنان، وإن تمكنت من ذلك، فلن تكون قادرة على شرائه بسعر السوق، فيما لن توافق الشركات على تحمّل خسائر إضافية عبر تأمين حاجتها من الدولارات بنفسها. ذلك كله سيوصل إلى نتيجة واحدة: خفض معدلات التغذية بالتيار في حال أصر مصرف لبنان على موقفه الذي عبّر عنه في كتاب أرسله، الأسبوع الماضي، إلى المؤسسة يؤكد فيه أنه بعيداً عن المحروقات، فهو لن يؤمّن الدولارات لأيّ من حاجاتها الأخرى.
خفض معدلات التغذية سيعني تلقائياً أن المولّدات الخاصة ستقوم بتعويض الفارق. عندها سيزيد استهلاكها للمازوت، ولأن مصرف لبنان تكفّل بتأمين 85 في المئة من اعتمادات المحروقات، فهذا يعني أنه سيدفع ما وفّره من عدم تأمين العملة الأجنبية لكهرباء لبنان، عبر تأمين اعتمادات المازوت. بشكل أدقّ سيدفع المبلغ مضاعفاً، لأن حاجة المولدات إلى الطاقة أكبر منها في المعامل، وأكبر مرتين منها في البواخر.
على سبيل المثال، إن توقفت البواخر عن العمل بعد فترة (يتردد أنها لن تستمر في العمل بعد شباط)، فإن التقنين سيرتفع حكماً نحو 4 ساعات إضافية. من يعوّض هذه الخسارة؟ مولّدات الأحياء. وتلك تستهلك 25 سنتاً ثمن مازوت عن كل كيلواط/ ساعة، بالمقارنة مع 8 سنت فيول تستهلكها البواخر لإنتاج كل كيلواط/ساعة (يضاف إليها 4 سنت ثمن إنتاجه). وعليه، يتبين أنه مقابل كل دولار يوفّره مصرف لبنان بإحجامه عن تأمين حاجة المؤسسة من الدولارات، يدفع دولارين لتأمين حاجة المولدات من المازوت!
الأخبار _ ايلي الفرزلي