عربي و دولي

الأخبار: قتل الصحافيين عن سابق تصوّر وتصميم: شهود شهداء

كتبت الأخبار: 

على طريق القدس، ارتقى عصام عبدالله ولحقه زملاء المهنة فرح عمر وربيع المعماري بإعتداء خبيث من آلة الإجرام الصهيونية يوم الثلاثاء الفائت. أبى صحافيو لبنان إلّا أن يترافقوا مع زملائهم في غزة، وانضموا إلى آلاف شهداء طوفان العدل والحق بوجه آلة الإجرام والقتل المدعومة من دول الغرب وما يسمّى دول عربية. ثمنٌ غالٍ يدفعه أصحاب الحقّ في سبيل قضية الحقّ بأرواحهم وممتلكاتهم وأحلامهم وسط تجاهل دوليّ للقوانين والمعاهدات كلها، التي من المفترض أن تؤمّن الحماية للمدنيين أثناء النزاعات المسلّحة وللصحفيين خصوصاً.
جريمة بشعة أُضيفت إلى سجلّ قوات الاحتلال بحقّ الصحافيين في «شبكة الميادين» الفضائية، بهدف ترهيب الجسم الإعلامي وإسكات صوت الإعلام المقاوم وإنهاء دور الإعلاميين في نقل الحقيقة. ولا شك في أنّ جيش العدو الإسرائيلي يصفّي الإعلاميين والصحافيين لأنهم يكشفون حقيقة العدوان الوحشي الإسرائيلي بحقّ المدنيين أمام العالم.
زملاؤنا صحافيو «قناة الميادين» اختاروا أن يكونوا مقاومين في الصفوف الأمامية، يتسلّحون بكاميراتهم وبحناجرهم لنقل صورة الاعتداءات وصوتها، والتي تُرتكب بحق المدنيين في لبنان وفي غزة المحاصرة. ولن تتمكّن آلة الإجرام الإسرائيلية من إسكاتهم، فكلّما اغتالت بطلاً منهم، أعطت الدافع لزملائه لتولّي المهمة بعده، غير آبهين بالخطر الذي يتهدّدهم والقصف الذي يستهدفهم عمداً.
ومع استمرار تركيز العدوان الصهيوني على الجسم الصحافي من دون وازع ولا رادع، نلاحظ غياب الإدانة الصريحة من المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، وغياب الإجراءات القانونية الحاسمة الكفيلة بمحاسبة هذا العدو. علماً أنّ المؤشّرات تشير إلى أنّ العدو اتّخذ قراراً مسبقاً باغتيال الصحافيين الميدانيين وقتلهم عن سابق تصوّر وتصميم. ولا يمكن أن يكون جيش العدو قد ارتكب جرائمه بحقّ الصحافيين عن طريق الخطأ، إذ إنّ الأسلحة التي استخدمها متطوّرة تُصيب الأهداف المحدّدة بدقّة. أضف إلى ذلك التفوّق التكنولوجي لوسائل المراقبة والرصد والتعقّب الإسرائيلية، ولا يمكن للعدو أن ينفي علمه بأنّ الأشخاص الذين قتلهم هم صحافيون مدنيّون.
في الحروب يواجه الصحافيون وغيرهم من العاملين في مجال الإعلام عدداً من المخاطر، وبدلاً من الهروب من المعركة، يبحثون عنها. لكنّ القوانين الدولية يُفترض أن تؤمّن لهم الحماية من الاعتداءات على أساس أنهم يؤدّون واجبهم المهني.
لا توجد معاهدات خاصة بحماية الصحافيين بين الدول، ما يولّد انطباعاً بأن القوانين الدولية لم تُعنَ بحماية خاصة للصحافيين، وأن القانون الدولي الإنساني لا يكفل حماية كاملة لهم، خصوصاً أن اتّفاقيات جنيف وبروتوكولَيْها الإضافيَيْن لا تتضمّن إلّا إشارتين صريحتين تدلّان على حماية العاملين في مجال الإعلام. فالمادة 4 من اتفاقية جنيف الثالثة تنصّ على أن الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلّحة من دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منها، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية، والمراسلين الحربيين، ومتعهّدي التموين، وأفراد وحدات العمال أو الخدمات المختصة بالترفيه عن العسكريين، شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلّحة التي يرافقونها.
والمادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول تنصّ على تدابير حماية الصحافيين، وتعتبر في الفقرة الأولى منها أن الصحافيين الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلّحة أشخاص مدنيون ضمن منطوق الفقرة الأولى من المادة 50، ويجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات شريطة ألا يفعلوا أّي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين، وذلك من دون الإخلال بحق المراسلين الحربيين المعتمدين لدى القوات المسلحة في الاستفادة من الوضع المنصوص عليه في المادة 4 من الاتفاقية الثالثة.

مفهوم الصحافي في القانون الدولي
لم تحدّد الإتفاقيات الدولية التي تهتم بحماية الصحافيين تعريفاً للصحافي، سواء في اتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949 أو بالنسبة إلى المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 أو اللوائح الخاصة بالقوانين وأعراف الحروب البرية الملحقة باتفاقيّتي لاهاي لسنة 1899 و1907، والتي لم تتطرق هي الأخرى إلى تعريف مراسلي الصحف الذين يرافقون القوّات المسلّحة المنصوص عليهم في المادة 13 حيث نصّت: يُعامل الأشخاص الذين يرافقون الجيش من دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منه، كالمراسلين الصحافيين ومتعهدي التموين الذين يقعون في قبضة العدو ويُعلن له حجزهم، كأسرى حرب، شريطة أن يكون لديهم تصريح من السلطة العسكرية للجيش الذي يرافقونه.

عبر النصوص السابقة وغيرها من النصوص المتضمّنة بعض القواعد التي تنظّم عمل الصحافيين، يتبيّن أن الصحافيين العاملين في مناطق الحروب ثلاثة أصناف و يختلفون من حيث نطاق الحماية:
الصحافي العسكري: هو عسكري يعمل في مجال النشاط الإعلامي للجيش وينطبق عليه ما يقع على أفراد القوات المسلّحة، ولا يتمتع بأي حصانة خاصة.
مراسل حربي ملحق بالقوات المسلّحة، هو صحافي مدني يرافق القطعات من دون أن يكون جزءاً منها، بناء على تصريح من القطعات التي يرافقها، ويتّبع تعليمات هذه القوات. وهذا النوع يتمتع بوضع أسير حرب إذا اُلقيَ القبض عليه، وفقاً لما نصّت عليه المادة 13 من اتفاقيات لاهاي 1907 والمادة 81 من اتفاقية جنيف لسنة 1929 والمادة 4/أ4 من اتفاقية جنيف الثانية لسنة 1949 والفقرة 2 من المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1979.
الصحافي المستقلّ: وهو كل صحافيّ ينتقل بمعزل عن القطعات العسكرية وليس جزءاً منها ويُعتبر مدنياً وفقاً لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 والبروتوكول الإضافي الأول والبرتوكول الثاني لسنة 1977 الخاص بالنزاعات غير ذات الطابع الدولي وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1738 لسنة 2006.

حماية الصحافيين ووسائل الإعلام في الحروب
حماية وسائل الإعلام والعاملين فيها من مراسلين و مصورين وغيرهم من الكادر الصحافي إبان الحروب يُعدّ من الأمور الرئيسية التي نصّ عليها القانون الدولي وأكّد حمايتها في نصوصه المختلفة، ولم يحصر المسؤولية عن الهجمات بالدولة المعتدية، إنما حدّد مسؤولية الأفراد عن جرائمهم. وبالتالي، تنقسم المسؤولية إلى نوعين:
◄ الأول، مسؤولية الدول أثناء النزاعات المسلّحة عن خروقات قواتها المسلحة ضد الصحافيين ووسائل الإعلام، إذ تتحمل الدولة المسؤولية الكاملة عن أفعال قواتها المسلّحة وفقاً لما جاء في المادة الثالثة من اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1949 التي نصّت على أن «يكون الطرف المتحارب مسؤولاً عن جميع الأعمال التي يرتكبها أشخاص ينتمون إلى قواته المسلحة». إضافة إلى بعض مواد اتفاقيات جنيف، التي تنصّ على أنه لا يمكن لأي طرف سامٍ متعاقد أن يعفي نفسه أو يعفي طرفاً متعاقداً من المسؤولية التي يتحمّلها طرف آخر بسبب الانتهاكات الخطيرة التي نصّت عليها الاتفاقية. كما تبيّن المادة 91 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 أن: «يسأل طرف النزاع، الذي ينتهك أحكام الاتفاقيات وهذا الملحق، البرتوكول عن دفع تعويض إذا اقتضت الحال ويكون مسؤولاً عن كل الأعمال التي يقترفها الأشخاص الذين يشكلون جزءاً من قوّاته المسلحة».

◄ والثاني، مسؤولية الأفراد الجنائية عن جرائمهم الحربية ضد الصحافيين ووسائل الإعلام، فالجرائم التي يرتكبها أفراد ضد الصحافيين أثناء النزاعات المسلحة مهما كانت الأسباب تعتبر جرائم حرب، لكون الصحافيين أشخاصاً مدنيين وفقاً لمضمون اتفاقيات جنيف الرابعة لسنة 1949 والبروتوكول الإضافي لسنة 1977، حيث أكدت القرارات الدولية مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية لمرتكبي تلك الأفعال، وكذلك نصت المادة 4 من اتفاقية منع جريمة الإبادة للجنس البشري والمعاقبة عليها لسنة 1948 على أنه «يعاقب الأشخاص الذين يرتكبون جريمة إبادة الجنس أو أي من الأفعال المنصوص عليها في المادة 3 سواء أكانوا حكاماً مسؤولين أم موظفين عموميين أم أفراداً عاديين».
رغم هذه النصوص كلها التي لا يمكن حصرها، إلا أننا أمام عدوّ لا يبالي بالأعراف والقوانين والأخلاقيات كلّها، وأمام مجتمع دولي ينظر بعين واحدة إلى الجرائم المرتكبة. فوسط الصمت الدولي عن الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها الفلسطينيون منذ عقود، لن نتأمّل اتّخاذ أي إجراءات تجاه الاعتداءات والتهديدات التي تطال الإعلاميين في لبنان، ولا سيما أننا سبق أن اختبرنا عدالة العالم في قضية الشهيدة شيرين أبو عاقلة. فرغم أنّ التحقيقات أثبتت اغتيالها عن طريق قناص بصورة متعمّدة، لم يُحاسب أحد.

تهديدات الـ«شاباك»
الاستخبارات الإسرائيلية تتّصل بالصحافيين في غزة وتهدّدهم بالقتل إذا لم يتوقّفوا عن نقل صورة ما يحدث. حدث ذلك مع الصحافي الفلسطيني معتزّ عزايزة الذي اتصل به ضابط من الـ«شاباك» مهدداً بقتله إذا لم يكفّ عن نقل الأخبار من قطاع غزة. عزايزة لم يرضخ للتهديد، فقصف جيش العدو الإسرائيلي منزل عائلته. كما اتصل ضباط الـ«شاباك» بالصحافي علي جاد الله وهدّدوا بقتله إذا لم يتوقّف عن نقل الصورة والأخبار من قطاع غزة. لم يستجب جاد الله للطلب، فقصف جيش العدو الإسرائيلي منزل عائلته واستشهد والده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى