لبنان

الأخبار: تراجع الاحتياط 630 مليون دولار في آخر أيام سلامة: من أين نأتي بالدولارات؟

كتبت الأخبار: 

ما هي دواعي اقتراض الحكومة من مصرف لبنان بالعملة الأجنبية، بدلاً من أن يطبّق مصرف لبنان المادة 85 من قانون النقد والتسليف التي تفرض عليه أن يكون المصرف الوحيد للقطاع العام؟ المسألة سياسية أو تقنية أو قانونية؟ الطريق نحو الإجابة يمرّ حكماً بالإرث اللعين من الحاكم السابق المشتبه فيه بالاختلاس رياض سلامة. فالسلطة فوّضته إدارة السياسات النقدية، ومن خلالها هيمن على السياستين المالية والاقتصادية، إنما لم تكن نتائج هذه الإدارة تثير تساؤلات من نوع الاقتراض من الحكومة، إلى أن وقع الإفلاس، إذ تصدّرت هذه التساؤلات جدول الأعمال بمجرّد نهاية ولاية سلامة وحلول نائبه الأول وسيم منصوري محلّه لأن الأخير رفض الإنفاق من الاحتياطات بالدولار بلا تشريع في مجلس النواب. هذا الإرث هو الآتي: خسر مصرف لبنان أكثر من ثلثي مخزونه بالعملات الأجنبية، وهو مخزون غير متجدّد، يقابله طلب كبير من القطاع العام على العملة الأجنبية لتغطية الحاجات التشغيلية بشكل أساسي (القطاع الخاص يحصل على العملة الأجنبية من السوق الحرّة). لكن لم يعد الأمر يقتصر على الحاجات التشغيلية، مثل المحروقات والصيانةوالتجهيزات واستجرار الانترنت، لأن السلطة امتنعت عن تصحيح فعلي لأجور العاملين في القطاع العام، بل لجأت إلى دعم رواتبهم من خلال تسديدها بالدولار من مخزون مصرف لبنان. وبمعزل عن حجم الدعم «البخس»، إلا أن الإنفاق من هذا المخزون تحوّل إلى مشكلة لأن أطراف السلطة ربطته بحقوق المودعين. هكذا، لم يعد بإمكان منصوري التصرّف بالاحتياطات على مسؤوليته كما كان يفعل سلامة، بل بات يحتاج إلى تشريع ينقل المسؤولية إلى موقعها السياسي في مجلسي النواب والوزراء.

إذاً، مسؤولية الإنفاق من الاحتياط هي جوهر النقاش السائد اليوم. أما النقاش الحقيقي، فهو ينقسم إلى شقين: إدارة المرحلة الانتقالية، التخطيط للتعافي والنهوض. الآن، نحن عالقون في المرحلة الانتقالية والأسئلة المتصلة بها: من أين نأتي بالدولارات لتغطية كل حاجات الدولة هذه؟ هل الرواتب والنفقات التشغيلية هي كل حاجات الدولة بالعملة الأجنبية؟ إلى متى يكفي هذا المخزون؟ هل لدى الدولة إيرادات بالدولار تستعملها بدلاً من المخزون؟
يقول المسؤولون في وزارة المال إن معدل الإيرادات الشهرية بالدولار من المرفأ والمطار يصل إلى 14 مليون دولار، وهناك إيرادات أقلّ لدى وزارة الاتصالات من الرومينغ، أي بما لا يتجاوز 200 مليون دولار سنوياً. الباقي كلّه تجبيه الدولة بالليرة في مقابل غالبية النفقات التشغيلية بالدولار. تاريخياً، كانت تُجبى إيرادات بالدولار بحكم دولرة الاقتصاد. يقول المدير العام السابق للمالية العامة ألان بيفاني: «أساساً الدولة لا تتعاطى بالعملة الأجنبية رغم أن لديها بعض الإيرادات التي تجبيها بحكم دولرة الاقتصاد السائدة، لكن المبدأ العام أنها تجبي بالليرة، وعندما تحتاج إلى النقد الأجنبي تلجأ إلى مصرف لبنان، أي مصرف القطاع العام، للحصول على حاجاتها. لكن المشكلة اليوم أن المصرف المركزي مفلس وهناك رفض للإقرار بهذا الإفلاس. المؤسسة معطّلة والدولة لبّيسة، وهذا ما أتاح لمصرف لبنان تحميل الخزينة ديوناً بالعملة الأجنبية بقيمة تفوق 16 مليار دولار، كان يفترض أنها تحويلات نفذت سابقاً من ليرة إلى دولار لحساب الكهرباء. أصلاً لا يحقّ للدولة أن يكون لديها حساب بالدولار، وحتى إصدارات الديون بالعملة الأجنبية لتغطية الفوائد كان مصرف لبنان ينفذها عن الدولة. الخزينة ليس لديها دولارات إلا عبر مصرف لبنان». في الواقع، هذا ما نصّت عليه المادة 85 من قانون النقد والتسليف، إذ أشارت إلى أن «المصرف المركزي هو مصرف القطاع العام, وبهذه الصفة: تودع لديه دون سواه أموال القطاع العام، ويدفع المبالغ التي يأمر بصرفها القطاع العام حتى قيمة موجودات هذا الأخير لديه، ويجري تحويل الأموال التي يطلبها منه القطاع العام حتى قيمة موجودات هذا الأخير لديه، (…) ويمكنه في الحالات المنصوص عليها بالمواد 88 و91 و92 إعطاء قروض للقطاع العام».

أياً يكن الحال، فإن كان مصرف لبنان سيحوّل للخزينة دولارات، أو سيمنحها قرضاً بالدولار، ثمة مشكلة أساسية تتعلق بمخزونه من العملات الأجنبية التي لم يعد المركزي قادراً على تجديده أو تعزيزه. ولا يعبّر حساب المخزون الاحتياطات بالعملة الأجنبية، بل يجب أن يتضمن أيضاً الالتزامات المترتبة عليه. فالمخزون هو أموال سائلة مودعة في الخارج أو موظّفة في سندات مالية تصنيفها مرتفع وقابلة للتسييل سريعاً، وبالتالي فإن المخزون منتج للفوائد التي ارتفعت إلى أكثر من 5% في الخارج. وضمن هذه الأموال هناك حقوق السحب الخاصة. أما في المقابل، قد يكون مصرف لبنان قد اقترض من الخارج أموالاً بضمانة هذه الأموال، وعليه أيضاً استحقاقات ودائع خارجية وفوائدها، ومبالغ يتوجب عليه دفعها تطبيقاً للتعميم 158… الصافي بين الموجودات والالتزامات، هو الاحتياط القابل للاستعمال. رياض سلامة كان يظهر الموجودات فقط والتي تبلغ قيمتها اليوم في الميزانية 8.7 مليار دولار فقط. في الأيام الـ15 الأخيرة التي سبقت انتهاء ولاية سلامة، تدنّت الاحتياطات بمبلغ 630 مليون دولار.
في مقابل المخزون غير المتجدّد، هناك حاجات للخزينة بالعملة الأجنبية. تقدّر هذه الحاجات بمبلغ 150 مليون دولار شهرياً، من ضمنها 80 مليون للرواتب و35 مليون دولار للأدوية و35 مليون آخر ما بين كلفة الإنترنت وسواها من النفقات. الإشكالية الأساسية الدائرة الآن، بين المصرف المركزي وقوى السلطة، تتعلق بتأمين تسديد الرواتب بالدولار رغم أن هذا العنصر هو الوحيد الذي لا يوجد مبرّر لتسديده بالدولار سوى تقاعس السلطة عن تصحيح الأجور. لذا، إذا كان منصوري يرفض الدفع بلا قانون يغطّيه، وإذا كان المخزون شحيحاً بدرجة كبيرة، فهذا يعني أن المشكلة ستصبح أكبر حتى لو تم اجتراح حلول مؤقتّة لشهر أو لشهرين كأن تدفع رواتب موظفي القطاع العام بالدولار من فوائد أموال الاحتياطات الموظّفة في الخارج، أو من حقوق السحب الخاصة التي لم يبقَ منها الكثير. فضلاً عن أن حاجات الدولة بالعملة الأجنبية لا تقتصر على الرواتب والنفقات التشغيلية بل هناك كلفة الكهرباء التي لم تدرج بعد ضمن الحسابات. فالاتفاق مع وزير الطاقة أن يتم تحويل نحو 300 مليون دولار لحساب المؤسّسة، لكن لم يُحوّل أكثر من 6 ملايين دولار لغاية الآن.

هناك سؤال إضافي: ما الداعي أن تُدفع الرواتب بالدولار طالما أن سعر الصرف ثابت؟ المشكلة هي مشكلة حكومية تتعلق بتصحيح الأجور ولا يجب أن يتدخل مصرف لبنان إلا في ما يخصّه بوصفه مستشاراً للحكومة أو قيّماً على السياسة النقدية. في ما عدا ذلك، المشكلة قائمة: من أين ستأتي الدولة بالدولارات؟
بالنسبة للحكومة، هناك ثلاثة مصادر للعملة الأجنبية:
– أن تعدّل الحكومة آلية عمل الإدارات والوزارات بما يتيح لها النزول إلى السوق لشراء الدولارات، وبالتالي ستنافس القطاع الخاص عليها. عندها ستجمع الحكومة دولارات لكن الطلب على الدولار لن يعود ممسوكاً كالسابق بسبب الاختلالات التي ستنتج من انعدام التوازن بين الكتل النقدية بالدولار وبالليرة. وستحتاج الحكومة إلى سياسة مالية أكثر تشدداً في تعقيم السيولة من خلال الضريبة، أي زيادة الضريبة لجمع كمية أكبر من الكتلة النقدية لتجفيف السيولة بالليرة وتقليص الطلب على الدولار. كذلك، سيكون على الحكومة أن تنخرط في آليات السوق بما يتضمن ذلك من تعاملات مع الصرافين وسمسرات وعمولات وربما اختلاسات.

– أن تضع الحكومة ليراتها لدى مصرف لبنان وهو عليه أن يوفّر الدولارات، سواء من مخزونه أو من خلال النزول إلى السوق كما يفعل عادة من خلال مديرية العمليات النقدية. وهذا أمر لا يختلف عما ستقوم به الحكومة في شراء الدولارات مباشرة من السوق، أي أن الطلب على الدولار سيزداد.
– في ظل تدنّي مخزون مصرف لبنان بالعملة الأجنبية وارتفاع الالتزامات المترتّبة عليه، وفي ظل شحّ التدفقات بالعملة الأجنبية الآتية إلى لبنان من مصادر مختلفة (الآن تأتي التدفقات من تحويلات المغتربين بشكل أساسي، ومن تحويلات الأمم المتحدة إلى النازحين السوريين، ومن الأموال التي تأتي إلى الأحزاب اللبنانية والقوى السياسية ومنظمات المجتمع من الخارج) أو عدم كفايتها لتمويل حاجات القطاع الخاص والاستيراد، فإن الحّل المتاح عندما يجفّ المخزون هو بيع الذهب، لنكون قد وصلنا إلى السطر الأخير من القدرة على الاستمرار. ما عدا ذلك، فعلى قوى الحكم أن تتعامل بخطوات متتالية على النحو الآتي: الإقرار بالخسائر وتوزيعها، تقرير كيف ستنفق ما تبقى من هذا المخزون سواء السائل منه المسمى احتياطات، أو الذهب، على الاستثمارات الاجتماعية والتنموية أو لتمويل الإنفاق الجاري والتشغيلي.
حالياً، قوى السلطة تعمل بالعكس، إذ إنها تبحث في كيفية إنفاق الأموال على التشغيل، من دون أي مقاربة لموضوع الخسائر. أي تعافٍ وأي نهوض سيأتيان بعد ذلك؟

سلامة يهدي قاضياً 5 ملايين دولار
أول من أمس، نقل تحالف متحدون عن حاكم مصرف لبنان الوكيل وسيم منصوري، أن الأخير تحدّث عن قيام رياض سلامة بـ«تهريب 350 مليون دولار في الـ 15 يوماً قبل انتهاء ولايته فقط». وهذا الأمر لو صحّ، فإنه يرتّب على منصوري الكشف عن أسماء الذين طاولتهم عملية التهريب، والكشف عما سبقها من عمليات مماثلة، ولا سيما أن منصوري ردد في أكثر من مناسبة أن عمليات تهريب الودائع لم تتوقف. وهذا الأمر بات يردّده الآن، مصرفيون عدّة، إذ يقولون في مجالسهم إن سلامة أوعز إليهم على فترات متنوّعة إجراء تحويلات من حسابات الودائع في لبنان إلى حسابات خارجية. تقول المعلومات، إنه قد استفاد من هذه العمليات بعض النافذين وأبرزهم قاضٍ معروف يشغل أكثر من موقع وظيفي نُفذت لحسابه عملية بقيمة 5 ملايين دولار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى