انحسار الكوميديا عن المائدة الرمضانية… غياب للنص أم توجه لشركات الإنتاج
لطالما كانت الكوميديا التلفزيونية السورية الطبق الأهم على المائدة الرمضانية في الشاشات العربية، وكانت تسجل الحضور الأكبر عند الجمهور السوري والعربي والذي يفضل في شهر الصيام هذه الأعمال عما سواها، من خلال نجوم كبار وكتاب مبدعين حملوا هذه الكوميديا إلى الذرا مع أعمال خالدة من صح النوم إلى سلسلة مرايا وبقعة ضوء وغيرها.
ولكن اللافت أن أعمال الكوميديا السورية يشهد حضورها في الموسم الرمضاني تراجعاً متزايداً كل عام، ما شكل فراغاً لدى المشاهدين متسائلين ما هو سبب غيابها، هل هو قلة الكتاب وبالنتيجة غياب النص، أم ابتعاد نجوم الكوميديا الكبار، أم هو توجه شركات الإنتاج إلى أعمال (الأكشن) التي تعتبر الاكثر مشاهدة.
ولتحديد أسباب هذا الغياب استطلعت سانا مجموعة من آراء المعنيين بالموضوع ومن الجمهور، حيث أعاد أمين سر لجنة صناعة السينما والتلفزيون محمد رضا الحلبي، هذا الغياب لقلة كتاب النص الكوميدي بالدرجة الأولى، باعتباره يتطلب كتاباً من نوعية وذائقة خاصة، فالكتابة للكوميديا من أصعب أنواع الكتابة الدرامية، وتحتاج إلى كتاب متمرسين في هذا المجال، متأملاً أن يكون حضورها في المواسم القادمة أفضل.
الناقد نضال قوشحة الذي وصف الكوميديا بأحد أهم معالم الدراما السورية، رأى أن الاهتمام بها يكاد يختفي، حيث إن هذا هو الموسم الثالث الذي لم تظهر به الكوميديا بالشكل الذي كانت عليه سابقاً، مشيراً إلى أن غياب النص الكوميدي وكتابه أمر حقيقي، وأصبح هناك استسهال من البعض لكتابة هذه الأعمال، فيأتي ما يقدمونه “أقرب الى التفاهة” وهذا أمر غير مرغوب به أبداً.
وأعرب قوشحة عن أسفه لاستغناء الدراما السورية جزئياً عن الكوميديا، باعتبارها سمة أساسية من سماتها الرئيسية، وقدمت فيها نجوماً لامعة إن كان على صعيد الكتابة أو التمثيل والإخراج، متمنياً عودة النشاط إلى هذا القالب الفني لأن الناس بحاجة إليه.
ورأى قوشحة أن الأزمات تخلق الكوميديا ويمكن استثمارها بصياغة أعمال تهم الجمهور وتستقطب اهتماماتهم، ما يشكل حافزاً للكتاب لأن يغرفوا أفكارهم من الواقع ويقدموا أعمالاً تجذب الناس.
الكاتب والسيناريست قاسم الويس الذي قدم العديد من اللوحات الكوميدية، أعاد غياب الأعمال الكوميدية هذا العام لعدم رغبة شركات الإنتاج بها، بسبب التخوف من عدم تسويقها، لافتاً إلى أنه عندما تطلب هذه الشركات الكوميديا سوف نجد عشرات الأعمال ومن كتاب مهمين.
وتساءل الويس عن سبب ربط الكوميديا دائماً بالنقد، في حين أنها يمكن أن تتطرق للكثير من القضايا، وتجلب البسمة للمواطن مثل كوميديا الموقف، ولا سيما أننا نملك كتاباً كوميديين مهمين جداً، ولدينا في أرشيفنا الكثير من الأعمال الكوميدية التي ما زالت تشاهد حتى الآن، لافتاً إلى أن لديه عملين كوميديين جاهزين للتنفيذ، ولكن لم تتبانهما أي شركة إنتاج، لأن السائد حالياً والمطلوب أكثر هو الأعمال الاجتماعية التي تجلب مشاهدة أكبر.
الإعلامية المتخصصة بالشأن الفني آمنة الملحم وجدت أن الكوميديا من أخطر وأصعب أنواع الدراما، وليس من السهل جذب المشاهد وزرع البسمة على وجهه، وهي سلاح ذو حدين، فإما أن تنجح وإما أن تفشل وتمر دون أي التفات.
وتعيد الملحم غياب الكوميديا عن الدراما السورية لقلة عدد الكتاب الناجحين، وعدم وجود نص قوي تتكئ عليه في كثير من الأحيان، وخضوع العملية الإنتاجية للسوق والذي تهيمن عليه حالياً دراما البيئة الشامية وأعمال (الأكشن)، فأصبح الخوض في أعمال كوميدية برأيها مغامرة بالنسبة لشركات الإنتاج.
وتؤكد الملحم أن الكوميديا بحاجة لأن تكون مشروعاً حقيقياً يؤمن به كل صناعه من الإنتاج والإخراج والكاتب والفنان، كي يستطيع العبور للشاشات وقلب المشاهد، وبغياب حالة التبني الحقيقية فلا يمكن أن نشهد كوميديا ناجحة على الشاشات.
ومن الجمهور أبدى عيسى حسين وهو طالب دكتوراه عن حزنه لغياب الكوميديا عن أعمال هذه السنة، لأن الدراما الاجتماعية والبيئة الشامية لا يمكن أن تكون أبداً برأيه بديلاً عن إسعاد الناس وإضحاكهم.
وتمنت حنين الطالب طالبة سنة أخيرة في كلية الإعلام ألا تتحكم شركات الإنتاج لوحدها بقرار وجود الكوميديا عن عدمه، لأنها فن سوري عريق وكان لها الفضل الأكبر في التعريف بالإبداع السوري عربياً.