لبنان

العقوبات تصلُ إلى “الأمن”… عباس إبراهيم ليسَ وحيداً!

ليسَ تفصيلاً عاديّاً في عالم السياسة والأمن والعلاقات الدولية أن يطفو على السطح الحديث عن فرض عقوباتٍ على اللواء عباس إبراهيم، ويصبحُ مادةً دسمة تَستسهل تناولها الصحافة العالمية والمحلية.

ويتمتّع اللواء عباس إبراهيم بنفوذٍ داخلي وعلاقات إقليمية تمتدّ من قطر وسوريا والإمارات وتصل الى إيران وتركيا، ويلعب دور حلقة الوصل بين العديد من أجهزة تلك الدول والأجهزة الغربية وبخاصة في ملفات الجماعات “الإرهابية” وإطلاق الأسرى والمخطوفين حتى لُقّب “عرّاب رؤساء الاجهزة الأمنية اللبنانية”.

وسواء أقرّ الكونغرس قانون “منع غسل أموال حزب الله لعام 2020” الذي يستهدف اللواء إبراهيم بالاسم أو لم يقرّه، وسواء صدرت عقوبات أميركية بحق إبراهيم وهي مرجّحة، أو لم تصدر، فالأمر الأكيد هو رسالة حازمة قد وصلت اليه والى من يعنيهم الأمر من زملائه من قادة الاجهزة الأمنية مفادها: “أنتم في مرمى العقوبات ولا خيمة فوق رأس أي منكم ولا غطاء مهما توسّعت وتشعّبت علاقاتكم الإقليمية والدولية”.

وفرضت الخزانة الاميركية في وقتٍ سابقٍ عقوبات على مسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا الذي تربطه علاقات وثيقة مع قادة الأجهزة اللبنانية الرسمية ويُنسّق معهم في العديد من الملفات وبشكل دوريّ منتظم.

وعلى الرغمِ من التحوّلات الكبيرة التي يشهدها لبنان في الآونة الأخيرة، لا تزال هذه الأجهزة تُمارس دوراً خطيراً اعتادت على ممارسته سابقاً من خلال استخدام الوسائل نفسها بهدف التغطية على ارتكابات الطبقة السياسية وإشاحة النظر عن مسؤولية حزب الله وذراعه العسكري – الأمني في العديد من الملفات الداخلية الحسّاسة.

وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة “الأخبار” الشديدة الالتصاق بحزب الله تفاصيل من مضمون التقرير الذي أعدّته فرع المعلومات حول تفجير المرفأ والذي تسلّمه المحقق العدلي القاضي فادي صوان وفيه ما فيه من تطاولٍ على دور القضاء وتجاوزٍ لكل معايير التخاطب بين السلطة القضائية والضابطة العدلية التي تخضع لها، والاهم أن تقرير المعلومات سخّف الجريمة التي دمرت نصف العاصمة وأزهقت أرواح بريئة واضعاً الأسباب في إطار الإهمال الوظيفي، مُهملاً المسؤوليات السياسية التي تترتّب على الوزراء والرؤساء ومبرّئاً حزب الله دون الإشارة الى دوره الأمني واللوجستي في مرفأ بيروت مُغفلاً المعلومات عن سرقة نيترات الامونيوم التي وردت في اكثر من تقرير.

والأدهى، ان فرع المعلومات الذي يتحمل مسؤولية كبيرة تُوجب استقالة قيادته في أقل تقدير نظراً لفشله في حمايته بيروت، يقوم بتوزيع المسؤوليات على الآخرين منصّباً نفسه مكان السلطة القضائية، فهل من المنطق ان يُسخِر هذا الجهاز ولأهداف سياسية إمكاناته البشرية واللوجستية والمادية لما يفوق الـ 6 أشهر للاستعلام عن الهدايا التي وصلت الى القضاة وتناسى الـ 2700 طن من نيترات الأمونيوم التي كان يعلم بوجودها في مرفأ بيروت؟

وتكمن خطورة تقرير المعلومات في النظرة الأميركية إليه لناحية استمرار التعاون بين الاجهزة الأمنية اللبنانية وحزب الله بشكل وثيق من خلال التغطية على نشاطات الأخير التي تعتبرها اميركا عاملاً أساسياً في زعزعة الاستقرار في لبنان ما يُسرّع وضع قيادتها على لوائح العقوبات.

ولم يمضِ أيامٍ على تسلمِ القاضي صوان تقرير فرع المعلومات حتى انطلقت موجة تسريبات لمضمون التقرير في محاولة للضغط على القاضي صوان لإجباره على الخضوع لخارطة الطريق التي رسمها فرع المعلومات في تقريره، ما حدا بنقابة المحامين الى تقديم شكوى امام القاضي صوان في وجه كل من تظهره التحقيقات مسرّباً كون ذلك يشكّل جرماً جزائياً يعاقب عليه القانون.

وفي العادة، تستخدم التسريبات لِحَرف التحقيق وللتأثير في مجراهِ، ولوضع ضغوط على المحقق تحول دون مقاربته لمواضيع يُراد عدم الغوص بها.

وليست الضغوطات هي العامل الوحيد الذي يعترض سبيل القاضي صوان في الوصول الى الحقيقة لا بل تكاد مهمته تكون محاصرة في ظل رفض معظم الدول التي سطَّر اليها استنابة قضائية التجاوب معه وتزويده بالمعطيات والمعلومات التي طلبها ومنها الصور الجوية.

ويبرز وسط هذا المشهد، تحييد مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد طوني منصور من الحديث عن فرض عقوبات بعدما أجاد التموضع تحت سقف المؤسسة العسكرية وقائد الجيش العماد جوزاف عون وليس لدى التيار الوطني الحر او الرئيس ميشال عون، علماً ان الجيش اللبناني هو ضمن الجيوش الاربعة في المنطقة الذين يحصلون على مساعدات أميركية.

وإزاء هذه العرقلة والتدخل في مسار التحقيق وفي ظل اجماع تاريخي غير مسبوق بين الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي وإسرائيل وحزب الله على انه انفجار المرفأ هو حادث واستبعاد فرضية العمل الأمني، فلم يعد امام القاضي صوان سوى اصدار القرار الاتهامي وبخاصة ان شركات التأمين ترفض دفع اية تعويضات قبل صدور قرار رسمي يحدد طبيعة الحادث.

أيام مفصليّة وتاريخيّة يمرُّ بها لبنان تُشبه الى حدٍّ كبير ما مرَّ به لبنان عام 2005 عندما انهارت منظومة سياسية أمنية لبنانية سورية، فهل نحن اليوم أمام قرار خارجي أميركي جديد بتدمير المنظومة السياسية الأمنية اللبنانية الإيرانية؟ هل تملك هذه المنظومة مقوّمات الصمود؟ وما هي تداعيات سقوطها؟ ومن سيملأ الفراغ الذي ستُخلفه؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى