“ذي غارديان”: فرنسا تنقلب على ماكرون.. هل تمهد أوروبا الطريق أمام رئاسة لوبان؟
صحيفة “الغارديان” البريطانية تنشر مقال رأي للكاتب بول تايلور، وهو باحث في مركز السياسة الأوروبية البحثي، يتحدث فيه عن حظوظ الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية المقبلة في ظل تراجع شعبيته في مقابل حظوظ منافسته مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني.
وأدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في أحدث خطاباته حول مستقبل أوروبا، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاتحاد الأوروبي إلى تحويل نفسه إلى قوة عسكرية أو مواجهة “الموت”. ومع ذلك، فإن رئاسته لفرنسا ربما تكون على وشك أن تدخل في منطقة شفق طويلة ما لم يتمكن من عكس اتجاه الركود العميق الذي شهده حزبه في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران.
إنّ عدم شعبية ماكرون هو السبب الرئيسي وراء تراجع حزب النهضة الوسطي المؤيد لأوروبا بفارق كبير في استطلاعات الرأي أمام حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد بزعامة مارين لوبان.
تراجعت شعبية حزب النهضة الذي ترأس قائمته عضو البرلمان الأوروبي غير المعروف فاليري هاير إلى 17.5% في الاستطلاع الأخير، فيما حصل حزب التجمع الوطني على 31%، علماً أنّ الحزبين كانا متقاربين في الانتخابات الأوروبية الأخيرة قبل 5 سنوات.
ويُنظر إلى انتخابات الاتحاد الأوروبي على أنّها اختبار، إذ ستكون آخر انتخابات وطنية مقررة في فرنسا قبل الانتخابات الرئاسية عام 2027، التي من المتوقع أن تقدم فيها لوبان محاولتها الرابعة للوصول إلى السلطة.
لم يمر سوى عامين على ولاية ماكرون الثانية في قصر الإليزيه. ومع ذلك، فهو يفتقر إلى الأغلبية البرلمانية في الداخل. ومع تعرض حكومته للتهديد الدائم المتمثل في اقتراح حجب الثقة، فإنّه يخاطر بالتحول إلى بطة عرجاء قبل الأوان.
وأصبح نفوذ ماكرون الأوروبي على المحك، لأن المجموعة الليبرالية (تجديد أوروبا) التي يجلس معها حزبه في البرلمان الأوروبي من المتوقع أن تخسر مقاعدها، كما أنّ عدد الزعماء الليبراليين يتقلص أيضاً مع تحوّل الناخبين الأوروبيين إلى اليمين.
علاوة على ذلك، تضاءلت مكانة فرنسا في نظر كثيرين بسبب العجز المزمن المرتفع في الميزانية والديون المتصاعدة. ومن المقرر أن تخضع لإجراءات تأديبية من جانب الاتحاد الأوروبي بعد الانتخابات.
ويتحمل الرئيس البالغ 46 عاماً المسؤولية عن مأزقه السياسي. لقد حرص على تخصيص أسلوبه في الحكم إلى الحد الذي جعل الناخبين يلومونه على كل شيء، بدءاً من تكاليف المعيشة إلى ارتفاع معدلات العنف بين الشباب وخطر الإرهاب أثناء دورة الألعاب الأولمبية في باريس هذا الصيف.
ولم يتفق الحزب بعد على من سيكون على قائمة مرشحيه المقرر الإعلان عنها في 7 أيار/مايو. وتستمر الصراعات العنيفة خلف الكواليس بين أعضاء البرلمان الأوروبي الحاليين المتشبّثين بمقاعدهم وأحزاب الوسط الأربعة المتحالفة التي تسعى إلى تعيين مرشحيها، في حين أنّ الحاجة إلى التوازن بين الجنسين والضغط لتقديم بعض الوجوه الجديدة تزيد تعقيد المهمة. ومن بين مقاعد الوسطيين الفرنسيين الـ23 في البرلمان المنتهية ولايته، تعتقد مؤسسات استطلاع الرأي أنّ 13 فقط منها آمنة في التصنيف الحالي.
ويواجه حزب النهضة منافسة متزايدة على ناخبي يسار الوسط من النجم المفاجئ الآخر للحملة حتى الآن، وهو رافائيل غلوكسمان، زعيم حزب “بلايس بابليك” الصغير، الذي يرأس القائمة الاشتراكية وينسب إليه الفضل في الحصول على 13% في أحدث استطلاعات الرأي، فالابن الفكري للفيلسوف أندريه غلوكسمان، الذي يقوم بحملته الانتخابية على أساس برنامج دعم هائل لأوكرانيا وتحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية، يجمع أنصار ماكرون الساخطين واليساريين الذين يشعرون بالاستياء بسبب الخطاب الحاد المؤيد للفلسطينيين الذي يتبناه زعيم اليسار المتشدد جان لوك ميلينشون.
مسيرة ميلينشون السياسية قد تكون ضحية أخرى لهذه الانتخابات. وإذا حصل حزبه، كما تشير استطلاعات الرأي، على المركز السادس بفارق كبير في التصويت، متخلفاً عن الاشتراكيين، وأيضاً عن حزب أنصار البيئة، فإن طموح الزعيم البالغ 72 عاماً لقيادة اليسار الفرنسي إلى الانتخابات الرئاسية في عام 2027 سيكون رثاً.
وفي الطرف الآخر من الطيف، قد يكون الحزب المحافظ السائد، الجمهوريون، ضحية أخرى للانتخابات أيضاً. يبدو أنّ الحركة الديغولية التي كانت قوية ذات يوم، والتي مزقها الاقتتال الداخلي والانقسامات السياسية، تبدو كأنها تتضاءل مرة أخرى أمام حزب الجبهة الوطنية بزعامة لوبان الذي يعزز مكانته كقوة رائدة في اليمين الفرنسي، وهو الوحيد الذي لم يكن له حتى الآن أي نفوذ وفرصة في السلطة.
ورأى عالم السياسة وخبير استطلاعات الرأي كلوي موران أنّ لوبان يمكن أن تفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة لأن الناخبين الفرنسيين يشعرون بأن الرؤساء المتعاقبين من اليمين واليسار والوسط فشلوا في حل المشكلات.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الطريق لا يزال طويلاً أمام ماكرون حتّى عام 2027، ولا يزال لديه خيارات لاستعادة الزخم، حتى لو لم يكن أي منها سهلاً. وبوسعه أن يعيد تشكيل حكومته مرة أخرى، لكنه فعل ذلك مؤخراً من دون أن يكون له تأثير يذكر. ويمكنه حل البرلمان وفرض انتخابات تشريعية جديدة إذا تم إقرار اقتراح بحجب الثقة، لكن ذلك قد يمنح حزب الجبهة الوطنية النصر. ويمكنه أيضاً الدعوة إلى إجراء استفتاء حول بعض القضايا الشعبية، لكن الناخبين قد يستخدمون ذلك لمعاقبة رئيس لا يحظى بشعبية.
ولعل أفضل أمل له في الهروب من مأزقه الداخلي يتلخص في الاستيلاء على القيادة الشاغرة لأوروبا ودفع الأجندة التي حددها في خطابه الذي ألقاه في جامعة السوربون إلى الأمام. وكان قد دعا إلى تعزيز دفاعي ممول من خلال الاقتراض المشترك وانتهاج سياسة اقتصادية أكثر توجهاً وحمائية للتنافس مع الولايات المتحدة والصين، لكنّه سيواجه مهمة صعبة في إقناع الدول الأوروبية بها.