لبنان

الشيخ الخطيب: نؤيد التواصل المباشر بين الحكومتين اللبنانية والسورية في ملف النازحين وندعو للضغط على الغرب لفتح طريق البحر أمامهم

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة، في مقر المجلس، بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي جاء فيها:

“قال تعالى: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ). فما هو المقصود بالحق؟ وما هو المقصود بالباطل؟ وهل استخدما في الآية في غير معناها اللغوي؟ بمعنى هل أن لهما مدلولين شرعيين واصطلاحاً شرعياً غير المعنى اللغوي اللذان وضعا لهما؟.

من الواضح أنه لا اصطلاح شرعياً لهما وأن الشارع قصد بهما نفس المدلول اللغوي وأن الحقّ هو الامر الثابت وأن الباطل هو المعنى المقابل له، أي انه لا واقعَ ثابتاً له وفي الآية المباركة لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ أي ليظهره بالبراهين والدلائل.

فبالدليل نكتشف ما هو الحقّ وما هو الباطل، والصراع ما بين الحق والباطل في حقيقته يعود الى الصراع ما بين فئتين تدّعي كل منهما أنها تمتلك ما يُثبت أحقّيتها وصدقيتها فيما تتنازعه مع الآخر خصماً كان أم عدواً مع تسليمها بأن هناك حقاً وباطلاً، وأن الذي يفصل في هذا النزاع اللجوء إلى قواعد منطقية هي مُسلّمات لدى اطراف النزاع، وقد يكابر من يفتقر الى الدليل والبرهان ويجد نفسه خاسراً فيستند إلى القوة المادية ويعمد إلى فرض ما يُسمّى بالأمر الواقع على الطرف الأضعف، ولكن الغلبة وفرض الامر الواقع وخضوع الطرف الأضعف بحكم الغلبة والقوة لا يجعل من الباطل حقاً ولا من الحقّ باطلاً في منطق القيم المعنوية التي تعتمد حقاً أن لها واقعيةً في عالم الثبوت، وأنها ليست أموراً نسبية تتبدّل بتبدّل الوقائع، وهنا نشأ الجدل مع المذهب الآخر الذي تبنّى الرأي آلآخر، وأن القيم المعنوية ليس لها ثبوتاً وأن الواقعية تستدعي التعامل مع الأمر الواقع والتسليم بنتائج الصراع والخضوع لمنطق الغلبة، وبالتالي فالحقّ والباطل هو ما يحسمه الصراع في نهاية المطاف، فهو أمر نسبي، وحيث أن نتائج الصراع متحوّلةٌ وأن الغالب في ظرفٍ معينٍ قد يكون مغلوباً في ظرف آخر، فما يكون حقاً في وقت ما يكون باطلاً في وقت آخر، وهو في حقيقته نفيٌ لمفهوم الحقّ والباطل وانكار لوجودهما، فليس عند من يتبنى نسبية الحق والباطل معياراً علمياً يحكم تصرفاته فيُقْدِمُ أو يمتنع بناء عليه وإنما الذي يحتكم اليه هو ما يمتلكه من قدرات فيُقدِم على كل ما يرى أنه قادر على فعله ويحجم عن فعل ما لا قدرة له على تحقيقه، والفارق بين المذهبين أن من يتبنى الاول لن يُسلّم لنتيجة الصراع ويدفعه اعتقاده بحقّه المسلوب إلى السعي الدائم لاسترداده والى الحكم الأخلاقي على الآخر أنه ظالمٌ تجب مواجهته يحرم الاقرار له على ظلمه”.

اضاف: “وهذا الصراع بين هذين الاتجاهين يعود في حقيقته ليس إلى الصراع بين اتجاهين فكريين بل بين اتجاه يعتمد الفكر والمنطق أساساً له وبين اتجاه يعتمد المنطق الغرائزي الحيواني اذا صح التعبير، مرجعيته كما قلنا أكثر من مرة ما يحصل في الحياة الطبيعية وانه لا وظيفة متميزة للمجتمعات البشرية عن الحياة الحيوانية التي همّها علفها كما يقول أمير المؤمنين (ع) والتي تهين الإنسان وتُحقّره وتنزل به من المقام العالي الذي وضعه الله فيه وهو مقام الخلافة لله، فهو مستخلف على هذا الكون وما فيه بما فيه من مخلوقات بهيمية وجدت لخدمة أشرف المخلوقات وهو الانسان ليقوم بالقسط ويتصرّف وفق موازين العدل ويواجه الانحراف والفساد ويحقّقَ الاصلاحَ ويُعمّر الأرض”.

واعتبر انه ” في الواقع صراعٌ مع المنطق الحيواني الذي دفعه الشعور بالقوة ليُبرّر عدوانيته بالفلسفة التي أسماها بالواقعية، فعلى مستوى الحُجّية ليس لهذا المنطق من حُجّة ولا برهان سوى الاستناد إلى موازين القوة، فهو محجوج ومغلوب على مستوى الدليل والبرهان وهو ما أشار اليه تعالى بقوله: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)، وقوله فَيَدْمَغُهُ لأنه يعتمد الدليل والبرهان، أما المنطق الآخر فَجُلّ ما يقوم عليه هو اعتماده المنطق الحيواني الغريزي وليس الدليل والبرهان، فالباطل يبقى باطلاً والحق يبقى حقاً ولو اختلفت الوقائعُ على  المستوى العملي. ولكن هل حقاً أن للباطل الانتصارَ على الحق حينما يختل التوازنُ في القوى المادية بينهما وكيف نفسر انتصار الباطل أحياناً؟في المنطق القرآني إن نتائجَ الصراع بين الحق والباطل ليست مرهونةً بموازين القوة المادية قال تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ). وذكرُ العدد ليس للحصر وإنما باعتباره العنصر الأهم في الاعتبار المادي في احتساب توازن القوى، ولكن العنصر الماديَّ أيضاً ليس خارجاً عن هذه المعادلة، فلا بدّ من الاهتمام بها وإعدادها بحدود المستطاع، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) كعامل في الهزيمة النفسية لأن العدو يعتبرها عاملاً من عوامل النصر الحاسم، أما في الحسابات الالهية فلم يهتم بها او يعتبرها كعامل حاسم من عوامل النصر، فما هي عوامل النصر؟؟ قال تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).

وقال سبحانه: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ).وقال سبحانه تعالى: (إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)، (بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)”.

وقال: “أيها الأخوة، لقد حدّد الله تعالى عواملَ النصر للحقّ بعدة عوامل:

أولها: في الأهداف وأن تكون محقةً منطلقُها الإيمان، أيّ أن يكون المنطلقُ للحق وأن تكون المواجهةُ للباطل كمسار اعتقادي وليس بنفس منطلقات الباطل، أي الصراع على القوة والهيمنة والنفوذ.

الثاني: الصبر والتقوى والاستعداد للتضحية في سبيل الله الذي هو عنوانُ الحق.

الثالث: الاعدادُ للمعركة بالتهيئة وتوفيرُ ما تستلزمه المعركة مادياً ومعنوياً.

ولم يقتصر القرآنُ الكريمُ على ذكر شروط النصر بالتنظير، وإنما قدّم نماذجَ عمليةً من الحالات التي تحقّقُ فيها النصر عند توفر هذه الشروط مُذّكراً بها المسلمين. قال تعالى: (وَٱذْكُرُوٓاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى ٱلْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)”.

واشار الى ان “انتصارُ المسلمين في مواجهات خاضوها مع قوىً عالمية أخرى مع افتقاد بعض هذه الشروط لا يعني أن هذه الشروط غير لازمة لتحقيق النصر كما حصل في الحروب التي خيضت من أجل التوسع والنفوذ، وإنما كان الانتصار خاضعاً لشروط أخرى ولموازين القوى المادية ولأن الطرف الاخر كان يفتقدها، ولذلك تحقّقت هزيمة الطرف الآخر، نعم حين لا تكون المعركة بهدف الانتصار للحقّ وإنّما لأجل التوسع والنفوذ وبقصد توسعة الملك والسلطان فالذي يحسم المعركة ويحكمها موازين القوى المادية كما حصل في الصراع الذي قادته الانظمة مع الغرب وفي مواجهة العدو الصهيوني واحتلاله لفلسطين حين أخضعت المعركة لموازيين القوى المادية”.

وقال: “أما اليوم حين اختلفت الحسابات فقد اختلفت النتائج مع فقدان التوازن في القوى المادية مع العالم الغربي والعدو الصهيوني واستطاعت قوى المقاومة أن تقوم بالمواجهة وتُسجّل الانتصارات بأحقّية القضية والايمان والصبر والتضحية التي تُقدّمها قوى المقاومة وشعوبُنا على أرض غزة وفي الجنوب اللبناني، واستطاعت المقاومة في لبنان أن تُسجّل النموذج المتقدّم في هذه المواجهة مع الظروف الصعبة ومحاولات التشويه والحصار والتآمر الداخلي والتواطؤ العربي حتى أُتّهمت بشتى التهم الباطلة وسُخّرت في مواجهتها كلّ الامكانيات الاعلامية والطائفية، ولكن بسلامة الاهداف والاعتماد على الله وبالايمان والاعتماد على شعبها استطاعت أن تتجاوز كل ذلك، وأن تكونَ اليوم الى جانب الشعب الفلسطيني تُسطّر معه ومع مقاومته معركة تاريخية كُتِبَ لها النصر من اليوم الذي بدأت المقاومة الفلسطينية الشجاعة طوفان الاقصى ليُحدِث طوفاناً عالمياً يرفع شعار تحرير كل فلسطين متجاوزاً ما يطرحه العرب أنفسهم ويَقلِب الرأي العام العالمي من مؤيد للصهيونية العالمية والعدو الاسرائيلي الى مطالب بتحرير كل فلسطين ويتحوّل الاسرائيلي الى وحشٍ قاتلٍ للأطفال والنساء ويفرض القضية الفلسطينية أن تكون أولويةً في القمة العربية الاسلامية بالأمس والقمة العربية اليوم، بعد أن كانت الاولوية لدى البعض التطبيع مع العدو وإنهاء القضية الفلسطينية إلى الأبد، وهذا دليل ساطع على أن الحقّ كما هو منتصر على الصعيد الأخلاقي والقيمي والمباني فهو منتصرٌ في نهاية المطاف على الصعيد العملي. وليس مهماً وغير ذي أثر ان يُعاندَ الذين ربطوا قرارهم وثقافتهم بالغرب وتحولوا إلى أدواتٍ يواجهون شعوبهم وقضاياهم لمصلحة أعدائهم”.

وأكد الخطيب “انّ التحوّلَ الهائل والكبير الذي أحدثته قوى المقاومة سواءً على الصعيد الداخلي العربي والإسلامي  والعالمي أحبط السردية التي رَوَّج لها أولئك المنهزمون نفسياً أمام الغرب وادعاءاته وشعاراته، وآنَ لهؤلاء وخصوصاً الذين أسهموا في الانقسامات الداخلية الطائفية والمذهبية أن يسارعوا إلى تصحيح مواقفهم، وأن يتخلّوا عن النهج الذي سلكوه في إيجاد الانقسامات الداخلية والفتن الداخلية وإضعاف المواقف الوطنية والقومية أن يعودوا إلى أمّتهم بعد الفشل الذريع الذي مُنِيَ به المشروعُ الغربيُّ، وبعد سقوط الرهانات المتتالية التي بنوا عليها آمالَهم الخائبةَ وخصوصاً في لبنان لا سيما بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية والتحوّل في موقف الجامعة لصالح القضية الفلسطينية وإن كان غيرُ كافٍ ولكنه يُشكّلُ بدايةً لانعطافة جديدة يمكن أن يُبنى عليها”.

وقال: “أيها الأخوة، لقد شَكّل طوفانُ الاقصى والدعمُ المساندُ لقوى المقاومة القاعدة التي أستند اليها هذا التحوّلُ أن تعيَ القوى التي حاولت أن تُشكّل تياراً معادياً وصدّاً أمام إنجازاتها أن تستفيد مما حصل وتعيد النظر في مواقفها الآن قبل أن ترى نفسها بعد ذلك مضطرة سياسياً الى هذا التحول كما هو حاصلٌ الآن في موضوع النزوح السوري، وتُغيّر موقفها بهذا الشكل الفاضح وتقلب للنازحين ظهر المجن وتتعاطى معهم بالطريقة العنصرية والمهينة التي حدثت، مع تأييدنا لموقف المجلس النيابي لمعالجة الموقف من قبل الحكومة اللبنانية عبر التواصل المباشر مع الحكومة السورية، وقد دعونا سابقاً ونُكرّر أن المشكلة هي مع الغرب الذي يجب الضغط عليه بفتح الطريق لمن يرغب من الأخوة النازحين إلى ركوب البحر والتوجّه أينما يريدون طالما أن الغرب يمنعهم من العودة إلى بلادهم الذي يبدو أنه الحل الوحيد أمام النازحين وأمام اللبنانيين الذين عليهم دعم هذا الخيار، لأن لبنان لم يعد يتمكّن حمل هذا العبء فيكفيه ما يعانيه من الازمات الاخرى التي يرزح تحت أعبائها وتحتاج الى حلول سريعة”.

وطالب الخطيب “الدولة اللبنانية بتحمّل مسؤولياتها في دعم النازحين من قراهم وتوفير مقوّمات الصمود لأهلنا في القرى والبلدات المواجهة لمواقع الاحتلال، فلقد آن الاوان لتثبت الدولة انها الراعية والحاضنة لابنائها الذين يدافعون عن لبنان في ثبوتهم وصمودهم، ونطالب وزارة التربية والتعليم العالي أن تراعي الظروف الصعبة التي يعيشها طلاب المناطق الحدودية النازحين منهم والصامدين ولا سيما الذين يخضعون الى الامتحانات الرسمية هذا العام”.

كما دعا “الحكومة إلى التعاطي بعدالة مع متقاعدي المصالح المستقلة أسوة بغيرهم من الموظفين، فلا يجوز أن يُترك هؤلاء لمصيرهم دون رعاية الدولة لهم بعد أن أفنوا سنوات طويلة في خدمة مؤسسات الدولة.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى