الأخبار: حرب الاستنزاف تثير تخبّطاً إسرائيلياً..
كتبت الأخبار:
يبدو العدو الإسرائيلي في سباق مع الزمن لإعادة سكان المستوطنات الشمالية إليها قبل الأول من أيلول المقبل، موعد افتتاح الموسم الدراسي، وهو تاريخ فرضته المزايدات السياسية بين معسكرَي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومعارضيه، ما حوّله إلى عامل ضغط على الحكومة والمستوطنين معاً. ومع انعدام الحلول، أو محاولات فرضها على لبنان بما يضمن أمن المنطقة الشمالية وفصل جبهة الجنوب عن جبهة غزة، دخل نتنياهو إلى مربع التهديدات، رغم أن وقائع الأشهر السبعة الماضية فرضت على حكومته الخضوع لحرب استنزاف وفق قواعد محددة، لم تكن المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية لتلتزم بها لو كانت الخيارات العسكرية متاحة أمامها.ففي زيارته لمقر القيادة الشمالية لجيش الاحتلال، أمس، هدّد نتنياهو، بحضور قائد القيادة الشمالية وقادة الفرق 91 و36 و146، بأن لدى إسرائيل «خططاً مفصّلة ومهمة، وحتى مفاجئة» للتعامل مع حزب الله، مشيراً إلى أن لهذه الخطط هدفين هما استعادة الأمن في الشمال، والسماح للمدنيين بالعودة إلى منازلهم، مؤكداً «التصميم على تحقيق الهدفين معاً».
وفي إطار المزايدات مع نتنياهو، كان عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس أكثر «دقة» عندما حدّد موعداً نهائياً لإخماد الجبهة الشمالية «بالقوة أو بالتسوية»، وقال أثناء لقائه أجهزة المخابرات في الشمال للاطّلاع على التطورات العملياتية في الساحة الشمالية «على رئيس الوزراء أن يطرح خطة تعزيز الشمال للموافقة عليها اليوم، وليس تأجيلها ليوم إضافي. وفي الوقت نفسه للاستعداد من اليوم لنعيد السكان إلى منازلهم سالمين حتى الأول من أيلول بالقوة أو بالتسوية. يجب ألا نسمح بعام ضائع آخر في الشمال».
ويعكس التصريحان التخبّط الإسرائيلي على صعيد الخيارات المتاحة اللازمة للتعامل مع الواقع الذي فرضه حزب الله في الشمال. ومع تصاعد العمليات النوعية وبروز قوة سلاح المُسيّرات وفعاليته من جهة، وتسليم الأطراف العاملين على خط ترهيب بيروت لفصل جبهة جنوب لبنان عن جبهة غزة باستحالة الأمر، واقتناع الأميركيين ومعهم الفرنسيون بأن مقدّمة الهدوء في الشمال هو الهدوء في غزة، فإن الضغوط تتزايد على نتنياهو مع اقتراب الأول من أيلول من دون أن يكون قد نجح في تهيئة الظروف الأمنية المناسبة لإعادة المستوطنين الذين بات جزء منهم يعيش في مخيمات لجوء، لما من ذلك من تأثير سلبي عميق على مستوى الوعي الجماعي للإسرائيليين يتصل بتكوين قناعات مختلفة ومناقضة لتلك التي نشأت على الاعتقاد بالقدرة المطلقة للجيش والحكومة في إسرائيل على توفير الأمن والحماية للأفراد والجماعات داخل «الوطن الإسرائيلي».
غير أن نتنياهو، ومعه كثر في المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، يعلمون أن استمرار الحرب على غزة يعني استمرار التصعيد على الجبهة الشمالية، لذا فهم يراهنون على أنه في حال تمّ التوصل إلى اتفاق (يمكن لحكومة نتنياهو القبول به) من شأنه وقف التصعيد في الشمال، سيكون من السهل بموجبه الوصول إلى اتفاق سياسي يسمح بعودة مستوطني الشمال. أما السيناريو الآخر، والذي لا بد منه كما تجمع عليه القيادة السياسية والأمنية، ولمّح إليه نتنياهو في تصريحه الأخير من الشمال، فيتمثل في اللجوء إلى توسيع رقعة المواجهة مع حزب الله لإبعاده إلى عمق أكثر من 20 كيلومتراً ليتمكّن المستوطنون من العودة وحتى لا يتكرر كابوس السابع من تشرين الأول 2023، وهو شرط معظمهم للعودة. إلا أن دون تحقيقه الكثير من الوقائع التي سجّلتها المواجهات الدائرة في غزة وفي الجبهة الشمالية على السواء، والتي دفعت رئيس لجنة الخارجية والأمن السابق في الكنيست تسفي هاوزر إلى القول إن «من المهم والمؤلم التأكيد على أن عملية الجيش الإسرائيلي الواسعة النطاق في غزة ولبنان لن تعيد الردع الإسرائيلي، ولا السيف الإيراني إلى غمده»، مؤكداً أن «مهاجمة كتائب حماس في رفح ليست بديلاً عن احتواء سحق حزب الله للشمال، فانهيار الردع هناك سيستمر في مرافقنا ولن يتعافى». فيما لخّص محلل الشؤون العسكرية في موقع «والاه» العبري أمير بوحبوط، استنتاجات وقراءات العديد من المراقبين والمسؤولين العسكريين الإسرائيلين، إذ أكّد أن «سلاح الجو الإسرائيلي غير مستعد لقضية المُسيّرات وهذا واقع، لدى حزب الله آلاف المُسيّرات، وهذا يعني أننا إذا وسّعنا الهجمات إلى أكثر من مدى 40 كلم أو 100 كلم بحسب الردّ، وشعر حزب الله أنه في وضع حربي، فسيرسل إلى هنا أسراباً (من المُسيّرات)، وحينها القصة ستكون مختلفة تماماً».
ميدانياً، واصل حزب الله الردَّ على الاعتداءات الإسرائيلية على القرى الجنوبية، ومساندة المقاومة في غزة، فاستهدف التجهيزات التجسسية في موقعَي المطلة والراهب، وموقع المرج وثكنة زبدين. وبعد رصد ومتابعة لقوات العدو في حرج شتولا ورصد دبابة ميركافا، استهدفها مقاتلو الحزب بصاروخ موجّه و«تم تدميرها وإيقاع طاقمها بين قتيل وجريح».
وفي إطار الرد على الاغتيال الذي قامَ به العدو في كفردجّال وأدى إلى استشهاد المقاوم محمد علي ناصر فران (ناصر) من مدينة النبطية، وإصابة أطفال أثناء توجههم إلى مدرستهم، قصف حزب الله مقر قيادة الفرقة 91 المُستحدث في قاعدة إيليت بعشرات صواريخ الكاتيوشا، ومقر قيادة كتيبة السهل التابعة للواء 769 في قاعدة بيت هيلل بعشرات صواريخ الكاتيوشا و«فلق»، كما شنّ هجوماً جوياً بمُسيّرات انقضاضية على مقر قيادة اللواء 769 في ثكنة كريات شمونة، استهدفت مكاتب ضباطها ومبنى سرية الاتصالات فيها و«أصابت أهدافها بدقّة». كما استهدف ثلاثة مبانٍ يستخدمها جنود العدو في مستعمرة إيفن مناحم أصيبت «إصابةً مباشرة».