أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مسجد الإمام الصادق– شاتيلا بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي جاء فيها: “العدالة والحق وسائر المفاهيم والقيم المعنوية ليس لها معنى ولا محلَّ إذا لم يظلله الإيمان بالله تعالى، ولذلك فإنّ الذين أنكروا الالوهية أو الذين فصلوا ما بين الإيمان وبين النظام الاجتماعي اضطروا إلى الاستعاضة عنها واستبدالها بما عَبَّروا عنها بالقيم الانسانية إرضاءً للشعور الفطري البشري العام، فكان اللجوء إليها للتمويه والتضليل لتحقيق غاياتهم ومصالحهم إذ لم يُحقّقوا منها شيئاً على أرض الواقع وإنما كانت الممارسة على النقيض من هذه الإدعاءات.
وكان سبب هذا التطرّف في التفكير هو الخلط بين الممارسة للدين الذي هو فعل بشري وبين الدين، وتقييم الدين من خلال الممارسة والتطبيق وهذا خطأ منهجي فادح، فالدين إلهي المنشأ غير قابل للخطأ، والممارسة فعل إنساني يُخطئ ويُصيب، وبالتالي لا يمكن الحكم على الدين من خلال الممارسة وهذا الخطأ المنهجي للحكم بالصواب والخطأ تعدى العالم الغربي إلى العالم الإسلامي لكن هذا التعدى كان بحكم الهيمنة الغربية، فهي ثقافة المستعمر الذي أراد تعميم خطئه في نظرته للدين إلى بلادنا بقصد تعميم هذه الثقافة الذي حمَّل تخلّف العالم الإسلامي بفعل السياسات المتبعة للاسلام، على أن تعميم الثقافة الغربية لبلاد العرب والمسلمين لم يكن بقصد الاصلاح والتطوير وإنما بقصد الإلحاق والتبعية والهيمنة والسيطرة على هذه المنطقة حيث يفتقر الى ما فيها من ثروات وإلى الموقع الاستراتيجي الذي يتحكّم بالممرات وبقصد الإنتقام من الماضي حيث ألحقَ المسلمون به الهزائم المنكرة في عقر داره”.
وقال: “على أن واقع الحال في المنطقة العربية والإسلامية وإن اُبتليت بما ابتليت به الشعوب الغربية من ظلم ارتكبته الانظمة المتعاقبة في عصور متمادية اتخذت الإسلام غطاءً وستاراً لها، غير أن الحروب أُريد لها أن تتخذ طابعاً مذهبياً سنيّاً شيعياً، كان الجميع ضحيةً لها افتعلها النظام واستطاع لأسباب مختلفة أن يعمّي فيها على المسلمين حقيقة الامر، فالمسلمون الشيعة لم يَحدُث أن اتخذوا الاختلاف المذهبي سبباً للخلاف، فهم في الاجتماع السياسي يرون وحدة الأمة وأنهم جزء لا يتجزأ منها ولا يحملون مشروعاً سياسياً خاصاً بهم، ولكن معارضتهم كانت للنظام السياسي وجعله نظاما وراثياً وعدم تطبيقه للعدالة الاجتماعية والممارسات الخاطئة والظلم الذي مارسه بحق الناس، فالمسلمون الشيعة هم في الموضوع الاجتماعي السياسي يتعاطون كمسلمين ولم يكن للعامل المذهبي أي تأثير فيه، ولذلك لم يعتبروا أنفسهم غير معنيين بقضايا المسلمين الذين لا ينتمون لهم مذهبياً، وإنما كانوا على الدوام يعتبرونها قضيّتهم ويبذلون الدماء في سبيلها أسوة بسائر إخوانهم من المسلمين الآخرين والامثلة كثيرة من التاريخ سواءً في الحروب الصليبية حيث تجنّدوا تحت قيادة الايوبيين وكانوا شركاء في تحرير القدس، وكذلك في الزمن المعاصر في ما خصَّ القضية الفلسطينية فآووا ونصروا وتحمَّلوا في سبيلها ما لم يتحمّله أحد من العدو الصهيوني ودفعوا أثماناً غالية من التآمر عليهم داخلياً وخارجياً، وهم اليوم على نفس الطريق حيث يقفون إلى جانب إخوانهم في حرب غزة لا يعتبرون ذلك مِنّة وإنما تأدية لواجب الأخوة الاسلامية والعربية والانسانية، ولا نريد أن نتحدث عن الاثمان الباهظة التي دُفعت سابقاً ولاحقاً، وما زالت مع حرب تشويهٍ وتلفيقٍ إعلاميةٍ داخليةٍ وخارجية مدفوعة الثمن ومن الاقربين للأسف الشديد.”
وتابع: “ومع اتضاح حقيقة العدو الصهيوني الهمجية والوحشية وأطماعه في أرضنا ومياهنا ومع التهديدات التي يُطلقها قادته السياسيين والعسكريين بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، أليس ذلك كافياً لأن يدعونا للوقوف صفاً واحداً حمايةً لبلدنا وشعبنا من هذا الوحش الكاسر، وأن نقف خلف مقاومتنا التي تقف بكل جرأةٍ وصلابةٍ تدافع عن لبنان وتحمي شعبه من هذا الوحش الفاجر، فاغِراً فاهُ تعطشاً للدماء.
أليس هذا كافياً للقيام بالمسؤولية الوطنية لنجلس على طاولة الحوار لانتخاب رئيس للجمهورية للابقاء على لبنان ليتمكَّن من مواجهة تبعات العدوان الاسرائيلي ولتعليق ما نختلف عليه موقتاً حمايةً لبلدنا”.
واكد انه “مهما كانت الخلافات بيننا فنحن مجبرون على العيش معاً، وأن نتعاطى مع بعضنا بروح الوحدة والاخوّة، فليس أحد منا بغنى عن أخيه في الوطن مهما بلغ الاختلاف في وجهات النظر، ولا يصحّ على الإطلاق ونحن ندفع الشهداء ودماؤهم ما زالت طرية بل ما زالوا يرتقون على مذبح الوطن إلا أن نُحيّي أرواحهم ونبلهم ونُقدّر لهم عطاءاتهم”.