الأخبار: الحرب الصامتة تستحيل معلَنة: العدوّ ينقل التوحّش إلى الضفة
الأخبار: رام الله |
بعد 22 عاماً على عملية «السور الواقي»، حين اجتاح جيش العدو مدن الضفة الغربية ومخيماتها، وأعاد احتلالها، مرتكباً جرائم ومجازر مروّعة، كان أبرزها في مخيم جنين، ها هو يعود مرّة أخرى إلى شنّ عملية في شمال الضفة، هي الأوسع منذ ذلك الحين. وبدأ الاحتلال، فجر أمس، عمليته العسكرية الواسعة وغير المحدّدة بسقف زمني، والهادفة، على ما يبدو، إلى تصفية خلايا المقاومة في شمالي الضفة، وتحديداً في مدن جنين وطولكرم وطوباس ومخيماتها، والتي اجتاحها من محاور عدّة. ودفع جيش العدو إلى تلك المدن والمخيمات بالآلاف من جنود وحداته، إلى جانب مجموعات من «الشاباك» ووحدات من المظليين، والطائرات المروحية والمسيّرة، في عملية أطلق عليها اسم «مخيمات الصيف»، واستشهد، في يومها الأول، 10 مقاومين، خمسة منهم في جنين وأربعة في طوباس، جرّاء استهدافهم بالطائرات المسيّرة. ومن جهتها، أَطلقت «سرايا القدس» على المعركة التي تخوضها المقاومة اسم «رعب المخيمات»، مؤكدةً أن مقاتليها «سيذيقون العدو رعب المخيمات وسيعلم جنوده ما ينتظرهم من جحيم».وفي حين ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن العملية الجارية في الضفة، هي الأوسع منذ عملية «السور الواقي» في عام 2002، وتشارك فيها أيضاً قوات «المستعربين»، لفت مسؤولون عسكريون إلى أن الهجوم أُطلق بعدما بات «الوضع في الضفة الغربية يشكّل مصدر قلق جدّي لإسرائيل». ومن جهتهم، يخشى الفلسطينيون في شمالي الضفة، وتحديداً في المخيمات، من أن يعمد العدو إلى تطبيق نموذج غزة في مناطقهم، وخصوصاً في ظلّ ضوء أخضر أميركي ممنوح للإسرائيليين، وتواطؤ العالم مع جرائم الاحتلال. والواقع أن ثمة أساساً واضحاً لخشيتهم تلك، إذ سارعت قوات العدو إلى عملية تجريف وتدمير غير مسبوقة للشوارع والطرق والأبنية، في جنين وطوباس وطولكرم، حيث دمّرت ممتلكات المواطنين، وحاصرت المستشفيات في المدن ومنعت عمل الطواقم الطبية، وأبلغت جهات فلسطينية نيّتها اقتحام بعض المستشفيات، وتحديداً «جنين الحكومي»، بينما طوّقت المحافظات الثلاث وفرضت حصاراً عليها.
وفي هذا السياق أيضاً، أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أنه من المحتمل أن «يتم تنفيذ إخلاء منظّم للسكان الفلسطينيين المدنيين وفقاً لمراكز القتال المتوقعة»، فيما قالت «القناة الـ14» إن جيش الاحتلال سيُبقي على حصاره للمستشفيات، وسيقوم «بتفتيش المرضى الفلسطينيين الذين سيدخلون إليها في طولكرم وجنين». ووفقاً لـ«يديعوت أحرونوت»، فإن «العملية العسكرية في الضفة الغربية ستستمر لأيام عدة، وستتركّز في المنطقة التي انطلق منها الهجوم على تل أبيب، وسيكون هدفها اعتقال المطلوبين وتدمير البنية التحتية في مخيمَي جنين ونور الشمس للاجئين قرب طولكرم وفي مدينة طوباس القريبة». وفيما شهدت عدة بلدات اقتحامات واسعة، منها بيت ريما وعارورة وقراوة بني زيد في رام الله، اقتحمت قوات الاحتلال أيضاً كفر دان (جنين) عصراً، حيث دارت اشتباكات مسلحة، استشهد على إثرها أسير محرّر.
وتزامن الهجوم مع موجة تحريض تكفّل بها وزراء الاحتلال، وأبرزهم وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، الذي توعّد أمس بتنفيذ عمليات «إجلاء مؤقت» للفلسطينيين من مدينتَي جنين وطولكرم، كما حصل في قطاع غزة. وكتب كاتس، عبر منصة «إكس»: «الجيش الإسرائيلي يعمل بقوّة اعتباراً من الليلة الماضية في جنين وطولكرم لإحباط وتدمير بنى تحتية معادية تعمل بإيحاء من إيران»، مضيفاً: «علينا أن نعالج هذا التهديد كما قمنا بمعالجته في غزة، بما في ذلك إجلاء مؤقت لسكان تلك المناطق وكل إجراء ضروري آخر. هذه حرب بكل معنى الكلمة ويجب الانتصار فيها». ومن جهته، دعا رئيس المجلس الاستيطاني شمالي الضفة، يسرائيل غانتس، إلى تطبيق نموذج غزة في الضفة، قائلاً: «إذا لم نفعل في نور شمس ما فعلناه في النصيرات، فسيفعلون في بات حيفر ما فعلوه في بئيري».
وكانت الضفة شهدت، في الأعوام الثلاثة الماضية، عمليات عسكرية عدة، بالتزامن مع تصاعد المقاومة فيها، لكن تلك العمليات لم تحقّق أهدافها الكاملة. أما الهجوم الحالي، فمن الملاحظ أنه يستهدف، أولاً، فرض الحصار المشدّد على محافظات جنين وطولكرم وطوباس، وعزْلها بعضها عن بعض، في ما يمكن عدّه تطبيقاً لنموذج غزة في شمال الضفة، وخصوصاً بعدما قامت قوات الاحتلال بمحاصرة المستشفيات في المدن. أيضاً، ثمة احتمال لأن تلجأ إسرائيل إلى خيار التهجير، حيث بدأت تعمل لإخلاء عدد من المناطق تمهيداً لهدمها، ثم تدمير البنية التحتية وإخلاء السكان إلى «مناطق آمنة» قبل أن يُصار إلى تهجيرهم، مع جعل أماكن سكنهم الأصلية غير صالحة للحياة، وهذا ما ظهر في الساعات الأولى مع تدمير خطوط المياه وشبكات الكهرباء والطرق الرئيسة.