الأخبار: تباين بين جيش العدو ونتنياهو: أولوية الترميم أم التصعيد؟
كتب علي حيدر في الأخبار:
كشفت التسريبات عما دار في جلسة حكومة العدو الأحد الماضي عن تقديرات وخيارات مطروحة داخل أروقة التقدير والقرار السياسي والأمني في كيان العدوّ إزاء جبهة لبنان. ومع أن هذه الآراء والمواقف تتقاطع مع ما يُعلن على ألسنة مسؤولين وبأقلام محلّلين، إلا أن ورودها ضمن جلسة للحكومة شارك فيها نائب رئيس الأركان اللواء أمير برعام، يساهم في تشكيل صورة وضع أدقّ لما هو متشكّل في وعي الجهات المختصة في الكيان، يمكن الاستناد إليها في استشراف الخيارات الإسرائيلية.حسم برعام، خلال عرضه لتقدير المؤسسة العسكرية أمام وزراء الحكومة، فشل الرهانات الإسرائيلية حتى الآن على دفع حزب الله الى فصل الجبهات، مؤكداً أن جبهة لبنان لن تتوقف ما دامت الحرب في غزة مستمرة. وفي الموازاة، أكد أن الحزب غير معنيٍّ بحرب واسعة مع إسرائيل. والأمران يؤكدهما الحزب بأدائه ومواقفه. لكنّ الأهم هو حضور هذه المفاهيم الى جانب بعضها البعض ضمن دائرة اعتبارات المنظومة الأمنية وفي حسابات المؤسسة العسكرية والاستخبارية. يعني ذلك أيضاً
تفرض هذه المعادلة المركبة (عدم وقف العمليات على جبهة لبنان ما دامت الحرب مستمرة في غزة، وحرص حزب الله على مواصلة عملياته تحت سقف الحرب)، على مؤسسة القرار الإسرائيلي، مروحة تحدّيات تتّصل بالخيار المضادّ والناجع، مع تقدير المخاطر والفرص لأيّ خيار.
فما أورده الجيش في جلسة الحكومة يعني أن إسرائيل أمام خيارين: وقف الحرب على غزة، أو التكيّف مع استمرار جبهات الإسناد ومن ضمنها لبنان، مع إدراكه لمخاطر كلّ من هذين السيناريوَين، وأيضاً لأيّ بديل منهما. من ضمن هذه المخاطر أن الجبهة مفتوحة على سيناريوات متعددة السقوف، ما يعني ضمناً أن حزب الله مستعد لمواجهة أيّ تصعيد إسرائيلي مهما كانت سقوفه وهو سيناريو يدرك العدو مخاطره وقيوده السياسية والميدانية.
في هذه النقطة بالذات، تفترق القيادة العسكرية الإسرائيلية عن المستوى السياسي الإسرائيلي. فمن جهة الجيش، أعرب اللواء برعام، عن أمله بـ«أن تأتي الحرب بعد فترة من الاستعداد من جانبنا… وبأن تراكم القدرات وجهوزية أعلى للعناصر والوسائل القتالية بعد فترة زمنية معينة سيصلان بالجيش الى نقطة جهوزية أعلى». وهي دعوة ضمنية (وربما تكون صريحة خلال جلسة الحكومة، لكنها لم تُنشَر اعلامياً) الى تهدئة الجبهات بدءاً من غزة لإعادة ترميم نفسه ورفع مستوى الجهوزية في ضوء نتائج الحرب والعبر التي استخلصها منها.
ومع أن برعام كرر أن الجيش سيلتزم بتوجيهات المستوى السياسي، وهو أمر يفرضه القانون الإسرائيلي، إلا أن ما فهمه الوزراء أيضاً خلال الجلسة، كما عبَّر بعضهم عن ذلك، أن «الخطة العسكرية» التي قدّمها برعام «تعتمد على ربط نصر الله بين الحرب في غزة واستمرار النيران في الشمال»، وهو أمر يتعارض مع الفرضية التي يتبنّاها آخرون بأن يكون الهدوء على جبهة غزة مقدمة لنقل قوات الجيش الى الحدود مع لبنان.
في مواجهة تقديرات الجيش للمخاطر والأولويات وترجمة ذلك في توصياته، يأتي موقف نتنياهو المعارض لما تقدم، بالتأكيد على عدم وجود احتمال باستمرار الوضع الحالي على الجبهة اللبنانية، وضرورة إعادة جميع سكان الشمال الى منازلهم بأمان. لكن في الوقت نفسه عدم القبول بمعادلة وقف الحرب في غزة كمدخل لتهدئة جبهة لبنان. يعني ذلك أن نتنياهو يحاول اجتراح خيار بديل لم يتم تناول معالمه التفصيلية، لكنه يقع بالإجمال بين عدم التسليم بالواقع الميداني القائم في الشمال، وبين عدم الذهاب الى الحرب حتى الآن. ولا يخفى أن ما بين الحدّين توجد سقوف ميدانية متعددة، تنطوي على درجات تصعيد متفاوتة ومحكومة بقيود وضوابط ناتجة من إدراك قيادة العدوّ لإرادة وقدرة ردّ حزب الله الذي يمكن أن يتدحرج الى مستويات غير مسبوقة بحسب طبيعة وحجم ونتائج الاعتداءات الإسرائيلية ونطاقها الجغرافي.
تكشف هذه المحطة المفصلية أن عدم نشوب حرب كبرى بين حزب الله وكيان العدوّ لم يكن أمراً مسلّماً به، خلال أكثر من 11 شهراً. وإنما كان بفعل المعادلات الحاكمة لحركة الميدان، والمتغيّرات الميدانية والسياسية التي كانت تؤثر على قرارات وخيارات الطرفين.
بالموازاة، لم يكن استمرار الحرب حتى الآن خياراً ابتدائياً لأيٍّ من الأطراف. وإنما هو نتيجة تعقيدات المشهدَين الميداني والسياسي وضيق الخيارات التي تبلورت أمام مؤسسة القرار في تل أبيب، بفعل عدم تحقيق الأهداف المنشودة حتى الآن ومخاوفها من تداعيات التسليم بالنتائج التي تحققت. لكن الذي ساهم في تعميق المعضلة أمام قيادة العدوّ أيضاً هو تداخل العوامل السياسية الداخلية والأيديولوجية والشخصية مع الظروف الموضوعية وضيق الخيارات ومخاطرها.