لبنان

الشيخ الخطيب: ليس من الوطنية في شيء استغلال البعض العدوان الإسرائيلي كفرصة لفرض وقائع جديدة أو مكاسب سياسية فيدفع بالبلد إلى ما لا تحمد عقباه

وجه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب “رسالة الجمعة”، واستهلها:

قال تعالى في كتابه العزيز : (فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ  وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ).
هذه الآية خطاب من الله سبحانه وتعالى لنبيه المصطفى ورسوله المجتبى صلوات ربي وسلامه عليه بالصبر على تشكيك المشككين وتكذيب المكذبين لوعد الله له بالنصر ومحاولة التأثير على نفوس ومعنويات المؤمنين ومحاولة احباطهم وهي طريقة يستخدمها هؤلاء لابتلائهم بعقدة نفسية وهي الانغلاق على الذات وانحباسهم في دائرتها مما يفقدهم البصيرة ويحجبهم عن نور الحقيقة التي تحتاج الى التحرر من أسر ظلمة الذات لرؤية الافق الابعد والواقع الاسمى فتدفعهم لعدم الاعتراف للحق والخضوع له عناداً ومكابرةً هذا أولاً، وثانياً ولأنه منطوٍ على ذاته فهو لا يستطيع أن يرى الأمور إلا من خلالها ومن منظارها فهو دائم التسرع للخطو مُتعجّلاً النتائج  كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها، لافتقاده الحكمة المعقودة بالمعرفة لغاية الايجاد المقرونة بالاعتراف لله تعالى بحكمة الخلق لغاية الاختبار ولا يرجى من التائه في صحراء الضلال أن يهتدي طريق الصواب فلا هو عرف أين يضع أقدامه ولا الى أين هو القصد.
كرماد اشتدت به الريح، (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ) ولأنه كذلك فهو أعمى عن رؤية النصر (خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ  وَعَلَىٰٓ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَٰوَةٌ  وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
النصر الذي هو وعد الله للصابرين الموقنين وهو صبحهم القادم أليس الصبح بقريب .هي سنة الله، هنا فريقان أحدهما سقط في الامتحان وخسر الرهان على الوهم بالخسران الذين (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ)  جبناً وخوفاً يتبعه التسليم للعدو وانقياد الذل له والتخذيل لأهل الكرامة خدمةً لتحقيق أهدافه، خسة الانذال،  والآخر الذي ربح الرهان على يقين الإيمان بنصر الله الطالع كطلوع شمس يسطع نورها على أفق الغيب يرونه عين اليقين يقشع نورها أوهام حجب المتوهمين يتلو آية من كتاب الله: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)، تُقرع عندها اذان الصمِّ وتُفتَحُ أعينُ العمي وتُطلَق السنةُ البُكم ويحق القول على الكافرين ويتضح لمن الفلج يومئذ ولن ينفعهم كثرة ضجيجهم وصياحهم ان تكون لهم اليد العليا  فهي لله وحده، (فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ  وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا  وَاللَّهُ عَزِيزٌ حكيم).
(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ  وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ  وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ).
إنّ النصر بيد الله تعالى ولكن بعد أن  يمتحن قلوب المؤمنين  ليرى صدق ايمانهم كما امتحن أهل أُحد فخالف الرماة أمر رسول الله لهم الذين طمع بعضهم بالغنائم الا تفوته، وامتحن الله المسلمين بعد ما حلَّ بالمسلمين في هذه الواقعة وظنوا ان رسول الله قد قتل وفي واقعة حنين بكثرتهم، (إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزال شديداَ)”.

أضاف :”واذا كان  المؤمنون بالمقاومة اليوم قد امتحنوا بما تعرضت له من ضربات سددها العدو لها فقد امتحن اللبنانيون ايضاً في وطنيتهم واذ ظنَّ الأعداء انها قد أصيبت بمقتل أنهى أمرها، فبنى البعض عليها آمال شيطانية عراض، وبدا البعض من الداخل والخارج يفصل المشاريع ويعد الخطط، فقد خيَّبت المقاومة وبيئتها هذه الآمال ونجحت في هذا الامتحان الصعب وخصوصاً باستشهاد الامين العام وقائد المقاومة سماحة السيد الشهيد حسن نصرالله (أعلى الله مقامه) مع ثلة من رفاقه الابرار، وتجاوزت بفضل الله تعالى هذا المنعطف الخطير الذي ينوء عن حمل ثقله الجبال، فقد خيَّبت آمال المتآمرين والطامعين لتعود أقوى واصلب مما كانت عليه وتستمر في القيام بوظيفة الدفاع عن لبنان وشعبه الأبي، وها هي اليوم تُسدد ضرباتها القوية إلى العدو مِثلاً بمثل، وتثبت انها لم تتزحزح ولم تضعف ولم تهن وكذلك بيئتها التي آلمها المصاب وعزَّ عليها الفقد ولكنها لم تفقد توازنها ولم تتراجع عن احتضانها ولم تبخل في عطاء الدم الغالي صيانة للوطن وحرمته لتقول لكل المنتهزين فرص الهزيمة أن خسئتم أن نعطيكم بأيدينا عطاء الذليل أو نقر لكم إقرار العبيد ، فهيهات منا الذلة شعارنا مدى التاريخ ورثناه من كربلاء وأُعطيناه من سبط الرسول سيد الشهداء والايام والليالي والميدان ساحة الاختبار وقد باء المتآمرون بعارها وشنارها.

(وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا *مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلٗا * لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا * وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا * وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا * وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِيَٰرَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُمۡ وَأَرۡضٗا لَّمۡ تَطَـُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا)”.

وتابع :”كما أثبت الشعب اللبناني أصالته كما هو على الدوام في ساعات العسرة الذين احتضنوا إخوانهم ممن أُجبروا على ترك ديارهم التي يبذلون من أجلها الدماء الغالية رخيصة فلا يظُنّنَ احد جنوناً انهم يستبدلونها الا بجنان الخلد، فمهلاً مهلاً ايها الحمقى فإذا كانت أنفسكم وبلادكم قد هانت عليكم ووقفتم خلف الباب تسترقون السمع لانتهاك سيادتها فنحن الشعب اللبناني لسنا كذلك، الذي وقف إلى جانب مقاومته نعم الشعب اللبناني الذي يرى التفريط بالأرض والسيادة أعظم من التفريط بالعرض خيانة تأباها كرامته الوطنية والدينية والانسانية.
وللعدو الصهيوني الذي خيَّب الشعب اللبناني ايضا مراده في إثارة الفتنة بين أبنائه وتحريض بعضه على بعض ليكسب على الجميع والذي بلغ الصلف والعتو به درجة ان يتجاوز باعتداءاته إلى مدينة بيروت مرتكباً المجازر الآثمة ويفتك بالمدنيين الامنين العزل كما فعل في النويري متعلّلاً بوجود قيادات للمقاومة في هذه الأماكن ويوحي عبر بعض قنواته التلفزيونية بالقتل لعلماء الدين وعلى رأسهم اعلى مرجعية اسلامية شيعية للمسلمين الشيعة في العالم سماحة اية الله السيد علي الحسيني السيستاني وفتح باب الاغتيالات كما يفعل، فإنّنا نحذر من فتح هذا الباب الخطير ونُحمّل تبعات هذه الاعمال الارهابية الشريرة الى مجلس الامن والمنظمات الدولية التي تتحمل مسؤولية ايقاف هذا العدو عند حدّه وردعه عن العبث بالسلم والامن الدوليين، ونقول لهذا العدو: لن يزيدنا القتل والتهجير والدمار الا يقيناً بصحة موقفنا منك انك السرطان الذي يجب استئصاله من الجذور يا قتلة الأنبياء ايها السفاحون المتعطشون لسفك الدماء والشر المطلق الذي يحرم التطبيع معه ويجب القضاء عليه، فقد استعليت في الارض علواً كبيراً وإن الله لا يخلف وعده الذي توعَّدكم به في سورة الاسراء حيث قال تعالى: (وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا * فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا * ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا * إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا)”.

وتوجه الى اللبنانيين: “إنّ العدوان الاسرائيلي الذي لا يزال مستمراً في أعماله العدوانية وإبادة الشعبين اللبناني والفلسطيني ولذلك فلا يجوز الحديث عن أي استحقاق قبل إجباره على وقف اطلاق النار ووقف أعمال القتل والابادة والتجاوز للسيادة اللبنانية، كما انه ليس من الوطنية في شيء أن يستغل البعض العدوان الاسرائيلي على لبنان كفرصة لفرض وقائع جديدة أو مكاسب سياسية فيدفع بالبلد إلى ما لا تحمد عقباه ظنّاً أن المقاومة قد ضعفت وان الفرصة قد حانت، فالمقاومة قوية بما فيه الكفاية أو أكثر لتحقيق الانتصار الحتمي بإذن الله، ولسنا في وضع مشابه لغزو ٨٢ والعدو ومن خلفه لن يكونوا في موقع  من يفرض الشروط.. واذا عاود البعض الحنين إلى تجاربه السابقة بالاستعانة بالعدو الاسرائيلي ولم يتعظ بما حصل نتيجة ذلك فهو يغامر ويقامر مرة أخرى بلبنان وشعبه ويحلم حلم ابليس بالجنة “.

وقال الخطيب :”إنّ بعض الانفلات الاعلامي الحاصل على الساحة يخدم العدو الصهيوني الغاشم سواءً كان عن قصد او غير قصد. ولذلك نأمل من المراجع الاعلامية والقضائية التدخل لضبط هذه الحالة بحزم قبل ان تذر الفتنة قرنها وتؤدي الى ما لا يحمد عقباه.
إنّ الحوار بين اللبنانيين اكثر من ضروري في هذه المرحلة الدقيقة للتفاهم على سبل الخروج من هذه الحالة بموقف تضامني ومواجهة الازمة والولوج الى انتظام المؤسسات لكن المكان الطبيعي لهذا الحوار هو مجلس النواب وليس اي مكان آخر.
وقد لفت نظرنا في الايام الماضية العدوان الصهيوني المباشر على قوات الطوارئ الدولية من قبل العدو الصهيوني مترافقاً مع ضغوط سياسية ودبلوماسية لتعديل مهام وانتشار هذه القوات والتلويح باستبدالها بقوات متعددة الجنسيات، ما يستدعي من الدول المشاركة فيها ومن الأمم المتحدة مواقف حازمة لادانة هذه الممارسات الصهيونية الغاشمة”.

وختم الخطيب :”تحية لصانعي مجد لبنان شهداء التحدي الوجودي ومقاوميه الاشاوس وشعبه الأبي العزيز مُذلّ الطامعين ومُحطّم جيش الاسطورة الورقي الأوهن من بيت العنكبوت الذي سيبقى أوهن من بيت العنكبوت الذي كتب الله عليه وعلى كيانه الذلة والمسكنة ولو ملك ما ملك من الأسلحة الفتاكة وأباد ما أباد وسفك ما سفك من دماء الأبرياء  ستظل رغم ذلك أوهن من بيت العنكبوت ومكتوب عليك الذلة والمسكنة تبوء بغضب من الله ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق ذلك بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى