الأخبار: في جولة بلينكن غاب لبنان وحضرت إيران!
كتبت هيام القصيفي في الأخبار:
أما وقد التُقطت الصورة التذكارية لمؤتمر باريس، فإن العبرة تبقى في مرحلة ما بعد المؤتمر، بعدما استنفدت باريس أفكارها لإعطاء صورة مبهرة عن تدخلها لمساندة لبنان، من دون أي إيجابيات تُذكر. الضجة التي أحاطت فرنسا بها المؤتمر الذي استضافته، لم تحجب أصوات القصف الإسرائيلي من جهة، ولا الدبلوماسية الأميركية التي تتحرك في المنطقة من دون أن تأتي على ذكر لبنان وما يدور فيه. ففي مقابل مشهدية باريس، كان وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن في قطر يتحدث عن وقف النار في غزة وإطلاق الرهائن، فيما تولّت الدوحة الكلام عن لبنان ووقف النار فيه.
غاب لبنان وحضرت إيران في الجولة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي في المنطقة قبل الانتخابات الأميركية. وهي ليست جولة وداعية بالمعنى التقليدي، لكنها تحمل معايير ذات دلالات تتعلق في شقّ منها بالانتخابات الرئاسية. فكما جرت العادة في الأيام الأخيرة التي تسبق الخامس من تشرين الثاني، تكرّس عرف «مفاجأة تشرين الأول الانتخابية» التي تشكّل تحولاً في مسار المرشحين الديمقراطي والجمهوري للوصول إلى البيت الأبيض. وتؤشر جولة بلينكن والكلام عن احتمالات التوصل إلى صفقة، إلى رهان على ترتيب ولو جزئي بإطلاق الرهائن الأميركيين لدى حماس، كمفاجأة تشرين لتقوية حظوظ المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس. وفي انتظار بلورة نتائج الجولة الأميركية في ما يخص صفقة الرهائن، فإن اللافت الذي تكرّس مرة تلو أخرى، أن لبنان غاب عن الجولة الأميركية، لجهة طرح احتمالات وقف النار والاقتراحات التي يمكن البناء عليها لفرملة الانهيار المتسارع.
من يطّلع على مداولات دوائر الإدارة الحالية، يتحدث عن ترحيل حكمي لملف لبنان إلى أشهر مقبلة. والسبب لا يتعلق فحسب بالانتخابات الرئاسية وتداول السلطة، وتأليف الفريق الجديد، بل كذلك في التعامل مع لبنان من زاوية إيران وليس فقط من الزاوية اللبنانية الخالصة. فالتعامل مع حماس تدخل فيه أطراف أخرى، في مقدمها قطر كلاعب أساسي ومفاوض رئيسي مع قيادات الحركة، ومن ثم مصر. والنقاش الأميركي معهما، عبر بلينكن أو دبلوماسيين، يتخطى النفوذ الإيراني في ما يخص وقف النار والرهائن في ظل ما يمكن للدوحة والقاهرة أن تؤثرا فيها وفي قرارات بعض قياديّي حماس في الداخل والخارج.
أما وضع لبنان فيختلف جذرياً لجهة النفوذ الإيراني الوحيد والمباشر مع حزب الله. وبلينكن الآتي بهدف محدد، يعرف إيران جيداً، وهو الذي خبر الملف النووي معها وتفاصيله في مرحلة سبقت توقيعه عام 2015، في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما ومن ثم متابعة التفاوض لإحيائه كوزير للخارجية في عهد الرئيس الحالي جو بايدن، ويدرك كذلك عمق الملاحظات الإسرائيلية على إدارة أوباما حول الاتفاق وتبعاته. وهو أيضاً يتحدث مع من رافق مرحلة أوباما، بحسب دوائر أميركية، عن أخطاء ارتكبتها إيران في مسار عدم الالتزام بالاتفاق في شقه السياسي، في ما يتعلق بتقليص نفوذها مع حلفائها في المنطقة، ومنهم حزب الله، بخلاف ما وُعدت به إدارة أوباما. حتى إن ثمة كلاماً يُنقل عن هذه الدوائر عن أن المنطقة تدفع ثمن توقيع الاتفاق بذاته وليس نقضه أو تخلي واشنطن عنه. وهنا يتضاعف فهم «الالتصاق» مجدداً مع إسرائيل بعد 7 تشرين الأول، والأهم بعد الثامن منه، أي في حرب الإسناد التي دخل فيها حزب الله، كما جولات بلينكن التي ينهيها بعدم طرح أي تصور لواقع لبنان. لا بل إن ما يقال إسرائيلياً للإدارة الأميركية الحالية هو استمرار سياسة الانتقاد للانفتاح الذي قادته أولاً إدارة أوباما ومن ثم غضّ النظر من إدارة بايدن تجاه إيران، الأمر الذي أدى إلى ما وصلت إليه المنطقة. والتماهي الذي أبداه بلينكن مع نتنياهو منذ 7 تشرين وحتى جولته الأخيرة أكّد الانطباع بأن التحضير لترتيب حول غزة، لا صلة له بلبنان مطلقاً. ملف لبنان له خصوصيته المتعلقة بدور إيران وما سيترتب على أي تصعيد إسرائيلي معها، وردّها المتوقّع. وما يقلق الفريق الأميركي المهتم بلبنان أن هناك تجاهلاً للتحذيرات التي لا بد من الأخذ بها للمرحلة المقبلة، ما دام لبنان الرسمي وحزب الله لم يأخذا بجدية كل ما كان يُنقل إليهما بواسطة القنوات الأميركية المعتمدة منذ 7 تشرين الأول عام 2023، ولم يناقشا بواقعية العروض المتعلقة بالترتيبات التي عرضتها واشنطن بما يتعدى تفعيل القرار 1701، إلى أن حصلت الاستهدافات والقصف المستمر على كل المستويات. أما اليوم، وفي مقابل شكوك بأن تقبل إسرائيل أصلاً بوقف مسار الحرب قبل تحقيق كامل أهدافها، فـ«النصائح» الأميركية تظل إلى اللحظات الأخيرة بقبول المعروض حالياً حتى لا يضطر لبنان إلى القبول بشروط أقسى لاحقاً. والفرص تضيق للقبول بما يمكن أن يوقف المد الإسرائيلي في الأشهر التي تنشغل فيها الإدارة الأميركية الجديدة بترتيب أوضاعها.