الخيام العصيّة على العدوّ تلملم شهداءها..
كتبت آمال الخليل في الأخبار:
عند مدخل الخيام الشمالي، يتحلق عدد من الرجال حول «حاضور» جرافة تزيل ركام مبنى مدمر. يتأنّى سائق الجرافة عند تحريك أسنانها، فيما عيون المنتظرين شاخصة إلى ما سيرفعه من تحت الركام، حيث أبلغ أحد المقاومين أن رفيقه قد استشهد جراء غارة قبل أسابيع. صعوداً نحو حيّ جبلي وحيّ الجلاحية في القسم الشمالي من المدينة، حلقة أخرى من دون جرافات. قوات العدو الإسرائيلي لا تزال موجودة في الأطراف الشرقية والجنوبية من الخيام وتمنع بالنار أيّ محاولة لفتح الطرقات أو رفع الركام. في حيّ الجلاحية، ينبّهنا أحد الشبان من الدوس على كومة ركام كانت منزلاً من ثلاث طبقات. إذ «يوجد مقاوم هنا». قبل اشتداد معركة حصار الخيام بعد بدء عملية التوغل البري بداية تشرين الأول الماضي، بقي شهيدان في العراء وسط شارع الجلاحية بعد منع إسرائيل فرق الإسعاف من الدخول إليها، وتم انتشالهما عندما دخل فريق لإجلاء مواطن يحمل جنسية غربية.
حتى فجر أمس، كانت الخيام «ستالينغراد» التي حاصرتها قوات الاحتلال براً وجواً طوال أشهر، من دون أن تتمكن من السيطرة عليها. أما بعد وقف إطلاق النار، فقد تحولت إلى روضة كبيرة، لم يتم إحصاء شهدائها بعد. اختفى أثر المقاومين الذين اشتبكوا حتى اللحظات الأخيرة قبل سريان الهدنة. ولم تستعد الخيام عافيتها لتروي حكايا أسطورتها الثانية بعد مواجهات عدوان تموز 2006. في المقابل، تقدمت قوافل العائدين. ركنوا سياراتهم عند مداخل الأحياء وأكملوا سيراً على الأقدام بين الركام. عباس عطوي اصطحب معه ابنتَي شقيقته، وقال: «لم أنتظر دقيقة بعد سريان وقف إطلاق النار، مع علمي أن منزلي ومنازل عائلتي دمرت. لكن جئنا لنشمّ رائحة الخيام». أما صفاء سعيد، فقد لاحقت هدير دبابة الـ«ميركافا» التي اختبأت خلف الأشجار قبالة منزل خالها الذي تحول الى دشمة. اقتربت من الزاوية التي تحصّنت بها، فتراجعت الـ«ميركافا» إلى الخلف. تقدمت جرافة معادية، يحرسها جندي وقف على شرفة «فيلا»، وجرفت حديقة أحد المنازل وقطعت الطريق بركامها عند المستديرة المؤدية الى وسط البلدة. من خلفها، وقف خال صفاء وشقيقتها وشبان آخرون يتفرجون على الجرافة في ظل محلّقة معادية حامت فوق رؤوسهم. لم يتفرّقوا حتى بعد إطلاق الرشقات النارية باتجاههم. في المقابل، استبق العدو احتشاد المتفرجين فأطلق رشقات نارية وقذائف مدفعية لتفريقهم، ما أدى إلى إصابة مصور وكالة «أسوشيتد برس» الزميل محمد الزعتري برصاصة في قدمه، استدعت خضوعه لعملية جراحية. القذائف والرشقات سبقت العائدين في كفركلا والعديسة ومركبا وميس الجبل وعيتا الشعب. وجود العدوّ في أطراف بعض البلدات دفع البلديات إلى الطلب من الأهالي تأجيل عودتهم كما حصل في كفركلا والعديسة. وفي الوزاني، طلب الجيش من أهالي البلدة ومزارعي سهولها عدم التوجه إليها إلا بمواكبته.
الطقس العاصف والدمار، وكذلك التخريب نغّص على أهل الحدود عودتهم وقصّر أمد زيارتهم. لكن العودة وإن كانت قصيرة، تأثيرها كبير في عيتا الشعب. أول ما فعله أبناء البلدة إنزال علم العدوّ من فوق خزان مياه البلدة الواقع في أطرافها وإحراقه. أغلب منازل عيتا لم تعد صالحة للسكن. قضت المرحلة الثانية على ما كان قد تبقّى منها خلال عام من الغارات اليومية. تفهّم الأهالي طلب البلدية والدفاع المدني تأجيل عودتهم. ففي الأساس، أجّلت عيتا حزنها ريثما يتمّ انتشال جثامين الشهداء من تحت الركام والأحراج.