نواب يخشون عودة الصور الإرهابية ويطلبون إقفال المعابر: الجيش يعزّز انتشاره على الحدود ومراقبة النازحين
كتبت الأخبار:
في خضمّ انهيار المدن الكبرى، ودخول الفصائل المسلحة في سوريا إلى حماة بعدَ حلب، تتركّز الأنظار على حمص، ويسود انطباع في بيروت بأن مصير لبنان لن يكون معزولاً عن المتغيّرات في سوريا بارتداداتها الأكيدة على الواقع اللبناني ومسار وقف النار جنوباً. وقد فرضَ عامل التوقيت ضغطاً كبيراً على المشهد الداخلي، إذ أتَت هذه الأحداث في موازاة مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار وتفعيل عمل لجنة المراقبة لقرار يبدو قابلاً للانفراط في أي لحظة وبداية استعداد الجيش اللبناني الدخول إلى جنوب الليطاني، إضافة إلى إعادة تحريك ملف الانتخابات وسطَ كباش سياسي يسبق إنجاز الاستحقاق في جلسة 9 كانون الثاني.
أمام المشهد السوري، يبدو لبنان بمختلف مستوياته متهيّباً اللحظة وهو يبدو غير قادر على تحييد نفسه، رغمَ النداءات بضرورة الابتعاد عن كرة النار، من خلال القيام بإجراءات احترازية تمنع تكرار السيناريو الذي شهده لبنان بعد عام 2011، ولا سيما لجهة النزوح. أما على الصعيد السياسي ورغمَ أن أعداء محور المقاومة في لبنان يعتبرون أن ما يحصل في سوريا هو فرصة لاستعادة التوازن الداخلي بضغط سياسي دولي – إقليمي يتبع الحرب العسكرية على حزب الله، فإن هؤلاء أنفسهم يشعرون في قرارة أنفسهم بأنهم لن يكونوا بمنأى على الخطر الذي يطل برأسه من الحدود الشمالية. وعليه بدأت الأسئلة تتوالى حول قدرة لبنان على التعامل مع هذه التطورات وهل بإمكان الجيش وحده التصدي لها في حال تقدّمت الفصائل المسلحة باتجاه الحدود مع لبنان ودخولها إلى مناطق لبنانية يُمكن أن تجِد فيها بيئة حاضنة لها، وكيف سيتعاطى حزب الله في حال عدم قدرة الجيش على الصمود.
على الأرض يبدو الجيش مترقّباً لما سيحصل خلال الساعات المقبلة للتأكد من وُجهة المسلحين، على اعتبار أنّ «الخطر عليه سيزداد في حال تقدّمت هذه الفصائل باتّجاه الساحل السوري لتُسيطر على مناطق متاخمة للحدود اللبنانيّة». وإزاء هذه التطوّرات، قام الجيش برفع إجراءاته على طول المعابر غير الشرعيّة عند السلسلة الشرقيّة، كما تمّ تعزيز الأفواج البريّة المنتشرة على طول الحدود مع سوريا، عبر زيادة العناصر وتزويدهم بالمزيد من الأسلحة. ولفتت مصادر أمنيّة إلى أنّ هذا التعزيز ركّز على منطقتي الهرمل وعكّار، خصوصاً أنّ الجيش يعتبر أن القلمون والنبك ومحيطهما هي من أشد المناطق خطورة لناحية تسرّب المسلّحين، خصوصاً أنّه سبق للمسلحين أن دخلوا منها بعد عام 2011. كما عمد الجيش إلى تشديد إجراءاته في المراكز الأمنية الحدودية، وتمّ استقدام تعزيزات من فوج المجوقل ومغاوير البحر إلى ثكنة شدرا مقابل تكثيف الدوريات التي يقوم بها فوج الحدود البري الأول على طول المنطقة الحدودية.
ويؤكد العميد المتقاعد فادي داوود الذي قاد معركة «فجر الجرود» في جرود بعلبك، أنّه «علينا انتظار ما تحمله الساعات المقبلة لناحية تقدّم المسلحين ووجهتهم، إن كان باتّجاه السّاحل السوري للانقضاض على رأس النظام السوري، وحيث إن القطع البحريّة تقع تحت حماية القوّات الروسيّة والاشتباك معها أم سيتم تحييد الروس ليتّجهوا باتجاه القصير، حيث ستتم مواجهة حزب الله والحشد الشعبي».
ويعتقد داوود بأنّ سقوط حمص يعني قطع طريق تموين الأسلحة الآتي من العراق إلى سوريا ومنها إلى لبنان. وهو يستبعد انتقال الفصائل السوريّة إلى الدّاخل اللبناني باعتبار أنّ هذا الأمر «يحتاج إلى توازنات وتفاهمات إقليمية وغربية»، ودخولها يعني أن يتصدّى لها حزب الله أو الجيش اللبناني الذي سيكون عليه نقل الألوية التي تتضمن نحو 10 آلاف عنصر من الجنوب لحماية الحدود مع فلسطين المحتلة، نحو الحدود السوريّة.
الحدود وعرسال
من جانبه، قال محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر لـ«الأخبار» إن المنطقة «لم تشهد حتى الساعة أي حركة عبور من سوريا باتجاه لبنان، والجيش اللبناني موجود في المنطقة وعلى الحدود. وبالتالي لن يكون سهلاً على أي فصيل مسلّح التحرك. أما في عرسال، فالوضع تبدّل منذ معركة فجر الجرود، لأن الجيش انتشر بشكل حازم، كما جرى التخلص من المجموعات الإرهابية هناك. لذلك لا يزال الوضع مضبوطاً اليوم».
وفي عرسال، التي شهدت منذ سنواتٍ دخول التنظيمات الإرهابيّة إلى جرود المنطقة، وسيطرتها على أحياء داخلية فيها، تبدو المنطقة هادئة، على حد تعبير المصادر الأمنيّة التي تُشير إلى أنّها تُراقب كل الأمور، بما فيها ما يتم تناقله على وسائل التّواصل الاجتماعي، إضافةً إلى خُطب الجمعة في مساجد عرسال وسائر المناطق اللبنانيّة. ويؤكّد نائب المنطقة ملحم الحجيري أنّ «الوضع الأمني فيها مستتبّ، ولم نلحظ أي تحرّك مُريب خلال الفترة الأخيرة»، مشدّداً على أن «نوّاب المنطقة يُتابعون التطوّرات في سوريا، وينسّقون مع الأجهزة الأمنيّة للتأكيد على ضرورة بسط سيطرتها على المناطق الحدوديّة، ونحن تحت هذا السقف».
أمّا عن أوضاع النّازحين السوريين، فيشير الحجيري إلى وجود نحو 90 ألف نازح في مخيّمات عرسال، لافتاً إلى أنّ هذا الرقم ازداد نتيجة الاعتداءات الإسرائيليّة خلال الشهرين الماضيين، ونزوح أكثر من ألف و200 عائلة سوريّة إلى عرسال في الفترة الأخيرة. ومع ذلك، يؤكّد أنّ وضع المخيمات حتّى الساعة «مريح، والأجهزة الأمنية تراقبها عن كثب».
نواب التيار: الهواجس قائمة
من جهتها قالت نائبة رئيس التيار الوطني الحر للشؤون السياسية مارتين نجم إن «ما يعنينا هو السرعة التي تتدهور فيها الأمور والتي توحي بأن ثمة مشروعاً تقسيمياً يهدف إلى تغيير وجه سوريا. وهنا يفترض الحرص على ألا تنتقل هذه العدوى إلى لبنان، لذلك ما نفعله اليوم هو الانفتاح على كل الأطراف من أجل بناء دولة يسود فيها التوافق ونتمكّن عبرها من أن نحمي أنفسنا ووحدتنا خلافاً لما يمكن أن يحصل إن قرّر فريق معين استخدام ورقة النازحين والخلايا النائمة في الداخل اللبناني بالتوازي مع الأحداث السورية».
وأضافت أن «مسؤولية ضبط الحدود هي عند الجيش والقوى الأمنية والموضوع ليس صعباً. ويجب العمل لإحباط كل محاولة لفتح الحدود وإدخال الإرهابيين، خصوصاً أننا لم نتعافَ من الإرهاب الإسرائيلي بعد ولا نزال نتعرّض للاعتداءات بشكل يومي».
وقال نائب التيار عن دائرة بعلبك- الهرمل سامر التوم: «نحن انكوينا من الجماعات التكفيرية كداعش ونصرة وعايشنا الممارسات الإرهابية ضد الجيش اللبناني حتى إن الحركات التكفيرية وصلت إلى القاع، عندما قام 8 انتحاريين بتفجير أنفسهم. وهذا ما يدفعنا إلى القلق عندما نسمع عن تلك الجماعات، حيث تعود المشاهد تلقائياً إلينا».
وأضاف التوم أن الناس «يتكلون أولاً على الجيش ليكون السدّ المنيع، علماً أنه في فترة 2011-2017 كان ثمة تصدٍّ من الجيش وشباب حزب الله لهم فضلاً عن قيام شباب القرى الحدودية بمناوبات دائمة خوفاً من أي تسلل أو هجوم. أما اليوم، فما زال الوضع ضبابياً ونتمنى أن يكون الجيش ضابطاً للحدود، إنما في حال تطور الوضع ولم يكن ثمة وجود للجيش بقوة، فسنعود حكماً إلى التجربة السابقة بتولي الشباب عملية الرصد والدفاع عن بلداتهم. ويهمّني التشديد هنا على أهمية الوحدة الوطنية وألّا ينجرّ بعض اللبنانيين وراء أفكار بعيدة عن ثقافتنا بما يتسبب بتأجيج النعرات المذهبية، ما سيرتد علينا بالسوء».
أما نائب التيار عن دائرة عكار جيمي جبور فقال إن «الرهان هو على الجيش والدولة، ولن ندخل في رهانات حول من يحمي من، لأن كل التجارب أثبتت أن التعويل يجب أن يكون على جيشنا فقط الذي يفترض أن ينفّذ انتشاراً على طول الحدود. وكنائب عن الشمال نسعى إلى التنسيق مع الجيش والقوى الأمنية لتمتين الحدود وتشديد الرقابة».
من جهته قال النائب في الحزب الاشتراكي بلال عبدالله إنه «يوجد تسليم شامل للجيش اللبناني، ولسنا مستعدّين لأن نكرر التجارب والسيناريوات السابقة التي كانت مكلفة للجميع، علماً أن الاتفاق حول تطبيق القرار 1701 يشمل الحدود اللبنانية – السورية، والأمر لا يتعلق بالسلاح فقط، بل بعمليات تهريب البضائع والأشخاص»، وأضاف: «ما يمكن فعله هو تحصين أنفسنا بالدولة والجيش مع الحرص على عدم تقديم أي خدمات مجانية لأي طرف».