سقوط الرئيس الأسد يسهّل انتخاب الرئيس أم يعقّده؟
كتب عماد مرمل في الجمهورية:
بعثر التحول الكبير في الواقع السوري أوراقاً كثيرة في المنطقة، فيما ليس معروفاً بعد طبيعة او حجم انعكاساته المباشرة وغير المباشرة على الوضع اللبناني.
لعلّ الفرصة الأولى لقياس تأثيرات التغيير الجذري في سوريا على لبنان إنما تكمن في تبيان المسار الذي ستتخذه جلسة 9 كانون الثاني النيابية المخصّصة لانتخاب رئيس الجمهورية، وسط تساؤلات عمّا إذا كان عصف سقوط النظام في دمشق سيبدّل مواصفات الرئيس المقبل للجمهورية والتوازنات التي ستأتي به إلى قصر بعبدا.
من الواضح، انّ قوى المعارضة التي تعتبر نفسها منتصرة بسقوط بشار الأسد، ستتصرّف على أساس انّ رحيله عن السلطة استكمل تعديل موازين القوى الداخلية لمصلحتها، امتداداً لمفاعيل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على «حزب الله». وبالتالي فإنّ هذا الفريق يعتبر انّ حلفاء الأسد وفي طليعتهم الحزب، ضعفوا كثيراً على وقع الضربات التي تعرّض لها محور المقاومة اخيراً، خصوصاً بعد اغتيال السيد حسن نصرالله وسقوط بشار الأسد، ولا بدّ في رأيهم من استغلال «الفرصة التاريخية» لتغيير قواعد الاشتباك الداخلي والإتيان برئيس جديد وفق معايير المعارضة، ترجمة للواقع المستجد في لبنان والإقليم.
وهذه المقاربة تقود إلى الاستنتاج بأنّ خصوم «حزب الله» سيصبحون تلقائياً أكثر تشدّداً في اي نقاش يرمي إلى التوافق على اسم مقبول، على قاعدة انّه لم يعد هناك من مبرّر للتنازلات والتسويات، وانّ ما كان قابلاً للبحث قبل انهيار النظام السوري لم يعد له أي مسوغ الآن.
في المقابل، يتصرف الفريق الآخر في البلد على أساس انّ هناك توازنات داخلية راسخة لا يستطيع أحد زعزعتها او زحزحتها، وذلك ربطاً بقواعد الصيغة اللبنانية التي تستند إلى الشراكة والتوافق في كل ما يتصل بالاستحقاقات الاستراتيجية والحيوية، بمعزل عن أي تحولات خارجية تحصل هنا أو هناك.
ولدى «الثنائي الشيعي» وحلفائه اقتناع بأنّه لا يمكن صرف الحرب الإسرائيلية او انهيار نظام الاسد في صندوق الانتخابات الرئاسية، واستطراداً لا يمكن كسر توازنات المجلس النيابي الحالي لفرض رئيس بمعايير أحادية الجانب، وإذا حصل أن فُرض مثل هذا الرئيس فهو لن يستطيع بالتأكيد أن يحكم.
وإضافة إلى ذلك، يتصرّف «الثنائي» على أساس انّ قوته مستمدة من داخله بالدرجة الأولى، انطلاقاً مما يمثل في بيئته، وانّ من الخطأ الافتراض بأنّ سقوط السلطة الحليفة له في دمشق، سيعني إمكان «تطويعه» والتعامل معه على أساس انّه مهزوم.
بناءً عليه، من المرجح أنّ محاولة التفاهم على مرشح بمقدوره نيل 86 صوتاً وما فوق، ستغدو اكثر صعوبة وتعقيداً عقب «الزلزال» الجيو ـ سياسي الذي ضرب سوريا، علماً انّ المبشرين بخيار التوافق يفترضون انّ ما حصل من تحوّل جذري في سوريا وقبله من عدوان واسع على لبنان، يجب أن يكون حافزاً لانتخاب رئيس توافقي، ليس فقط في 9 كانون الثاني بل حتى قبل هذا التاريخ، بغية تحصين البيت الداخلي في مرحلة إعادة تشكيل الشرق الاوسط التي يرافقها هبوب للرياح قي اتجاهات مختلفة.
ويدعو هؤلاء إلى التعاطي بأكبر مقدار ممكن من الواقعية السياسية مع الملف الرئاسي بعيداً من فرضية انّ هناك فرصة لاستثمار التطورات السورية ومفاعيل الحرب الإسرائيلية في تغليب خيار على آخر.
ويكشف العارفون انّ الرئيس نبيه بري سيظلّ حتى اللحظة الأخيرة يدفع في اتجاه التوافق الرئاسي، وهو يريد ان تكون «القوات اللبنانية» شريكة في تفاهم وطني واسع على اسم الرئيس المقبل لضمان انطلاقة قوية له داخلياً وخارجياً، بحيث يحظى بدعم المكونات الأساسية في الداخل إلى جانب الجهات الإقليمية والدولية التي تملك نفوذاً على الساحة المحلية، خصوصاً انّ لبنان يحتاج إلى مساعدة تلك الجهات لإعادة النهوض، خصوصاً من الناحية الاقتصادية.
اما إذا تعذّر التفاهم على قاسم رئاسي مشترك، فإنّ الخيار الثاني المحتمل هو السعي إلى تأمين تقاطع بين «الثنائي» و»التيار الوطني الحر» وكتل نيابية أخرى حول خيار مقبول ينال الأكثرية المطلوبة للفوز.