لبنان

واشنطن “تبتز” السلطة السورية الجديدة: لمرحلة انتقالية بشروطنا

كتبت الأخبار: 

كما كان متوقعاً، وضعت واشنطن حداً للتكهنات عمّا إذا كانت ستقيم علاقات مع الحكومة الجديدة في دمشق، مطلقةً العنان لحراك ديبلوماسي تجاه المنطقة وسوريا نفسها، لتحديد معالم مستقبل البلاد، وضمان دور فاعل فيه، بذريعة «احترام الأقليات وتأمين انتقال ديموقراطي» للسلطة، ومحاولةً حتى «ابتزاز» السلطات السورية الجديدة للتماشي مع ما سمتها مطالب «المجتمع الدولي». وفي إطار الحراك المشار إليه، أثارت الولايات المتحدة قضية المفقودين الأميركيين في سوريا، وضرورة ضمان «سلامتهم والإفراج عنهم»، لا سيما في خضمّ العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي السورية.
ووصل ثلاثة ديبلوماسيين أميركيين رفيعي المستوى إلى دمشق أمس، للقاء مسؤولين في الحكومة السورية الجديدة، بمن فيهم زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، في أول زيارة لمسؤولين أميركيين منذ قطع العلاقات الديبلوماسية بين دمشق وواشنطن عام 2012. وحول تفاصيل الزيارة، أشار بيان صادر عن الخارجية الأميركية إلى أنّ الوفد الأميركي «سيتواصل مباشرة مع الشعب السوري» بشأن «رؤيته لمستقبل بلاده، وكيف يمكن للولايات المتحدة المساعدة في دعمه»، كما سيناقش مع ممثلين عن «الهيئة» «المبادئ الانتقالية التي أقرتها الولايات المتحدة والشركاء الإقليميون في الأردن»، جنباً إلى جنب قضية المفقودين الأميركيين في سوريا، من مثل الصحافي أوستن تايس.
وبالحديث عن الأخير، كانت إدارة جو بايدن قد أكدت، في وقت سابق، أنّها تفترض أن تايس على قيد الحياة، وأنه محتجز من قبل نظام بشار الأسد في أحد سجون البلاد.
وفي خضمّ الغزو الإسرائيلي للأراضي السورية وعملية القصف المكثفة التي تشنها قوات الاحتلال على مواقع عدة فيها، أفاد موقع «أكسيوس» الأميركي بأنّ رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بعث برسالة إلى والدة تايس، في الأيام الماضية، «مطمئناً إياها» إلى أنّ «إسرائيل ووكالات استخباراتها تنسق بشكل كامل مع السلطات الأميركية المعنية بقضيته»، مشيراً إلى أنّ «الجيش الإسرائيلي لا ينفذ عمليات في المنطقة التي قد يكون المختطف متواجداً فيها». على أنّ نزار زكا، مؤسس ورئيس منظمة «Hostage Aid Worldwide»، والمقرب جداً من كبار مسؤولي إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، قال للموقع، بعد أيام من وصوله إلى سوريا لـ«البحث عن تايس»، إنّه سبق لنتنياهو أن قدم ادعاءات مماثلة لعائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، قبل أن يُقتلوا بغارات إسرائيلية، مؤكداً أنّ «القصف الإسرائيلي يعقّد جهود فريقه وأطراف أخرى لتحديد مكان تايس»، لا سيما أنّ الجيش الإسرائيلي «قصف عدداً من الأماكن التي زارها الفريق» بعد يوم من مزاعم نتنياهو.

وبالعودة إلى الزيارة، يضم الوفد الذي يقوم بها ثلاثة مسؤولين أميركيين، وهم باربرا ليف، كبيرة الديبلوماسيين في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، والمبعوث الرئاسي لشؤون الرهائن روجر كارستينز، والمستشار المُعين حديثاً دانيال روبنشتاين، الذي كُلف بقيادة جهود الخارجية الأميركية في سوريا، علماً أنّ روينشتاين، الذي عمل سابقاً في هذا البلد، كان قد استدعي في وقت سابق للخدمة في السفارة الأميركية في بغداد، قبل أن يُطلب منه الذهاب إلى سوريا في أعقاب انهيار نظام الأسد، باعتبار أنّه يتمتع بـ«خبرة على الأرض هناك». ووصلت قافلة سيارات المسؤولين رباعية الدفع، والتي تحمل لوحات أردنية وترفع العلم الأميركي، إلى فندق في سوريا أمس، فيما وُضع على الزجاج الأمامي لكل سيارة ورقة كُتب عليها بالعربية والإنجليزية: «هذه قافلة رسمية للولايات المتحدة الأميركية».
ورغم أنّ الزيارة المشار إليها هي الأولى لمسؤولين أميركيين منذ سقوط الحكومة السابقة في سوريا، فإنّ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، كان قد أكد، في وقت سابق، أنّ واشنطن تتواصل مع ممثلين عن «هيئة تحرير الشام». وفي مقابلة مع وكالة «بلومبرغ» أخيراً، تحدث بلينكن عن «توقعاته» لمستقبل سوريا، وآلية «حكم (الهيئة)»، مشيراً إلى أنّ اجتماعاته مع مسؤولين من «كل دول المنطقة»، بما في ذلك الأردن، في الأيام الأخيرة، قد أسفرت عن بعض النقاط الأساسية التي «ستحدد» آلية تعاطي واشنطن «والمجتمع الدولي» مع السلطة الجديدة في سوريا. ويشترط بلينكن، في حديثه، أن تكون الحكومة الجديدة «شاملة وغير طائفية»، وتحترم «الأقليات والنساء»، ولا تتحالف مع تنظيم «الدولة»، أو أيٍّ من «الجماعات الإرهابية الموجودة في سوريا»، لافتاً إلى أنّ الاعتراف الذي تسعى إليه «الهيئة» من المجتمع الدولي يأتي مع «توقعات معينة» من جهة الأخير، لا سيما في ما يتعلق بإدارة مرحلة «انتقالية تشمل الجميع»، ومواجهة جملة من «الاختبارات الأخرى»، والتي قد تسفر عن رؤية «شيء إيجابي جداً» في سوريا. ولدى سؤاله عن إمكانية رفع العقوبات عن سوريا، قال بلينكن إنّه رغم أن واشنطن والأمم المتحدة تفرضان عقوبات على «الهيئة» وزعيمها، إلا أنه في حال نجحت الأخيرة في بناء حكومة «غير طوعية وشاملة وانتقالية»، وصولاً إلى «إجراء انتخابات»، فإنّ الولايات المتحدة، وغيرها من الأطراف، «ستتفاعل مع هذه المسألة»، في إشارة إلى إمكانية رفع العقوبات.
بالتوازي، بدا لافتاً إعلان وزارة الدفاع الأميركية، الخميس، أنّ لديها 2000 جندي أميركي في سوريا، وهو عدد يفوق بكثير عدد الـ900 جندي، والذي كان قد أعلن عنه سابقاً، زاعمةً أنّ القوات الإضافية أٌرسلت «مؤقتاً» لدعم مهمة «محاربة (داعش)». وقال المتحدث باسم «البنتاغون»، بات رايدر، إنّه «لا يعرف كم من الوقت مضى على وجود ذلك العدد في سوريا»، مرجحاً أن تكون القوات متواجدة هناك منذ «أشهر»، أي ما قبل سقوط الأسد. وفي وقت سابق، كانت مصادر أميركية قد أكدت أنّ الجنود الأميركيين سيبقون في سوريا، نظراً إلى «المهمة» المنوطة بهم، زاعمةً أنّ الحفاظ على وجودهم ليس لـ«أسباب تفاوضية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى