لبنان

رئيس الجمهورية قلق والرئيس المكلّف يبدأ اتصالاته مع الثنائي: خديعة سعودية أطاحت التفاهم الرئاسي!

كتبت الأخبار: 

التأزُّم في الواقع السياسي بلغ أمس حدوداً تنذر بخضّات كبيرة قد تشهدها البلاد، إذ إن الانقلاب السعودي على التفاهم الذي أمّن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً بأكثرية ما فوق الثلثين جاء ضربة من خارج التوقعات. ومع اختيار القاضي نواف سلام لتشكيل الحكومة الأولى للعهد، بدا أن الخطوة ليست سوى رأس جبلِ صراعٍ كبير ستتكشّف فصوله، خصوصاً أن بعض القوى الداخلية أرادت هذا الاستحقاق كحصاد سياسي للحرب الإسرائيلية على المقاومة وبيئتها وجمهورها. ولم يكُن ما حصل سوى خديعة تعرّض لها كل من الثنائي حزب الله وحركة أمل، بعدما ركنا إلى تفاهم سبقَ جلسة 9 كانون الثاني، وباركته المملكة العربية السعودية كإطار لا يكسر التوازن في البلد وينأى به عن التورط في حرائق المنطقة، وهو الأمر الذي حدث عكسه.

ولأن الأمور أصبحَت واضحة، يجدر القول إن الفريق السياسي الذي يعمَل بإمرة الأميركيين قرّر أمس استغلال الفرصة للإطباق الكامل على مكوّن بكامله، في لحظة جنون لا يبدو أنه سينتهي عند هذا السقف، إذ ما يُفكّر به هؤلاء أيضاً هو إقصاء الممثلين الشرعيين للشيعة (بدليل نتائج الانتخابات النيابية) عن الحكومة المقبلة والاستعاضة عنهم بوزراء «شيعة» مستقلّين من جماعة السفارة الأميركية والادّعاء بأنهم تكنوقراط.
وعلى ما يبدو، فإن الخديعة لم تكن للثنائي فقط، إذ دلّت إشارات كثيرة أمس على أن الرئيس عون نفسه أصيب بالصدمة، وعبّر في أكثر من لقاء تشاوري مع النواب عن قلقه مما يحصل، وقال لكتلة نيابية: «وجدت نفسي أمام فرصة دولية وعربية للقيام بعملية إنقاذ كبيرة، وكان التفاهم سبيلاً إلى تسهيل الأمور، ولا أعرف كيف ستكون عليه الأمور، ولو أنني سأبذل جهدي مع الرئيس المكلف كي لا تُشكّل الحكومة بطريقة تهدد استقرار البلاد».

المشهد في الاستشارات لم يكُن صادماً لمن يعرِف حقيقة عدد غير قليل من النواب وارتهانهم المطلق للرياض وواشنطن، حتى إنهم أصبحوا يجاهرون بذلك، ويتحدثون علناً عن انتظار كلمة السر الخارجية. حتّى من كانوا يدعمون «تفاهم 9 كانون الثاني»، وقرروا تسمية الرئيس نجيب ميقاتي، عادوا والتحقوا بالركب السعودي، بعدما وصلت فجر الثلاثاء كلمة السر السعودية. عندها بدأ التفاهم ينهار، عندما التزمت المعارضة بمسرحية النائبين فؤاد مخزومي وإبراهيم منيمنة، ثم توالت الاجتماعات للانسحاب والتوحّد خلفَ اسم نواف سلام. وفي الموازاة كانت العصا السعودية الخفية تفعل فعلها، محرّكة الكتل النيابية من جهة، ومتنصّلة من التفاهم الذي أُبرم مع الرئيس نبيه بري، وكان آخر ما قاله الجانب السعودي مساء الإثنين للنائب علي حسن خليل: «إن تكليف رئيس جديد للحكومة لعبة داخلية خرجت من يدنا وبالتالي لن نتدخّل».

«الحياد» الذي حاولت السعودية تلبّسه، تحوّل إلى عنصر قلق عند الثنائي. فعادت الاتصالات الداخلية للملمة الوضع لئلا تذهب الأمور إلى الانفجار، وتولى الرئيس بري محاولة إقناع الرئيس السابق للحزب الاشتراكي وليد جنبلاط بعدم المغامرة بالتفاهم، فيما كان النائب رعد يتابع الأمر مع رئيس الجمهورية الذي أكّد أمام من سأله أن «هناك تفاهمات حصلت»، غير أن الكتل التي كان من المفترض أن تصوّت لميقاتي «فرطت» وفضّلت الالتزام بالرسالة السعودية المبطّنة تحت عنوان «مصلحة لبنان». وقد تبيّن لمصادر الثنائي كما لمصادر القصر الجمهوري، أن الرياض أرسلت السفير وليد البخاري إلى منزل مخزومي بعدَ منتصف الليل وطلب منه الانسحاب من السباق.
وبعد انتهاء الاستشارات وفوز القاضي سلام بأكثرية 84 صوتاً، اتجهت الأنظار إلى الثنائي حزب الله وحركة أمل، وكيف سيتصرفان مع الخديعة، علماً أن بري قال رأيه للرئيس عون في خلوة جمعتهما بعد الاستشارات، بينما كان رعد يصرّح علناً في بعبدا معرباً عن «أسفنا لمن يريد أن يخدش إطلالة العهد التوافقية، وأن من حقّنا أن نُطالب بحكومة ميثاقية ونحن سنُراقب الخطوات ونترقّب بكل حكمة وسنرى أفعالهم لإخراج إسرائيل وإعادة الأسرى»، من باب طمأنة جمهوره في لحظة اشتداد المواجهة لا أكثر. ويعتقد هؤلاء أيضاً بأن خيارات الحزب ستكون بالغة الحساسية، وسطَ تقديرات بأن أي محاولة «للتمرد» ستُواجه بضغط دولي وإجراءات عقابية تتصل بموضوع الإعمار الذي يُعدّ «الخاصرة الرخوة» للمقاومة في هذه المرحلة.

في كل الأحوال، لن يكون الانتظار طويلاً لمعرفة مسار عهد الرئيس جوزيف عون الذي «كانَ قلقاً من تسمية سلام ولا يزال، ولم يكن متحمّساً له» بحسب ما تقول مصادر بارزة. فالمشكلة التي يحاول حصرها البعض بأنها مع الشيعة فقط، خلفها أعواد ثقاب ستكون قابلة للاشتعال في أي لحظة بين عون وسلام على موضوع الصلاحيات. وتعمّد البعض «تكبير» صورة الانتصار السياسي لفريقه، تحت تأثير الوهم بإمكانية سحق حزب الله وبيئته، لن يتأخر ذلك كثيراً حتى تتبيّن تفاصيله التي تشير إلى أن كل طرف سيعود إلى زواريبه الضيقة في مقاربة حصته ودوره وموقعه في العهد الجديد الذي انطلقَ متعثّراً ومناقضاً لميثاق العيش المشترك.
وعلمت «الأخبار» أن بعض النواب الذين عملوا لمصلحة سلام، والذين سبق لهم أن عارضوا انتخاب عون، عبّروا هم أيضاً عن قلقهم من «محاولة البعض جرّ البلاد إلى مواجهة أهلية، وقد بادروا كما الرئيس المكلّف إلى فتح قنوات الاتصال مع الثنائي من أجل الدفع نحو تفاهم على تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على إدارة البلاد في المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة». كما تلقّى سلام نصائح بضرورة العمل «على منع استخدامه أداة مواجهة مع الشيعة أو مع المقاومة، وأن يبادر إلى وضع آلية تسمح بتوسيع دائرة الثقة بأي حكومة يشكّلها».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى