مفاوضات سلام و”الثنائي”: من سقف الحكومة إلى “الأثاث”؟
أمّا وأنّه قد تمّ تجاوز إشكاليات التكليف ومَدّ كل من الطرفَين يده إلى الآخر، فإنّ البحث انتقل إلى المربّع الأدق والمتصل بحضور «الثنائي» في الحكومة الجديدة وتوازناتها وسياساتها الكبرى.
ويبدو أنّ «الثنائي» مهتم بأن يتفاهم مع سلام على السقف السياسي للحكومة الجديدة، قبل البحث في توزيع «أثاثها الوزاري»، وما هو معروض منه على التحالف الشيعي.
وبمعنى أوضح، فإنّ سلام و«الثنائي» سيكونان معنيَّين بتوحيد القراءة لاتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، وسط تعدّد التفسيرات لهما وإصرار بعض الأطراف على الترويج لاجتهادات خلافية.
وبالتالي سيكون على الرئيس المكلّف وحركة «أمل» و«حزب الله» حسم مسائل حيوية لا تتحمّل التأويل ومنها: هل ستكون حكومة سلام هي حكومة القرار 1701 حصراً أم ضمناً القرار 1559 الذي يستهدف بنحو أساسي نزع سلاح المقاومة؟ وهل مفاعيل اتفاق وقف إطلاق النار محصورة في جنوب الليطاني وفق تفسير «حزب الله»؟ أم تشمل شماله أيضاً تبعاً لرأي قوى أخرى مرشحة للانخراط في الحكومة الجديدة؟
واستطراداً كيف سيتمّ التعامل الرسمي مع مسألة المقاومة في المرحلة المقبلة؟ وهل سيكون لها حيّزاً صريحاً في البيان الوزاري ضمن معادلة محدّدة؟ أم أنّ الظروف المستجدة لم تعد تسمح بأدبيات من هذا النوع، خصوصاً في ظل الرعاية الدولية والإقليمية المعروفة للحكم الجديد؟
وهناك من يعتبر أنّه لا بُدّ لـ«الثنائي» والرئيس المكلّف من توضيح المقاربة لهذه القضايا والتفاهم المسبق عليها، منعاً لأي إشكاليات مستقبلية، وحتى لا تبقى هناك أي «عبوات» سياسية مزروعة تحت طاولة مجلس الوزراء، مع ما تمثله من تهديد كامن.
أمّا على مستوى تفاصيل المشاركة الشيعية في الحكومة، خصوصاً لجهة الحقائب والأسماء، فإنّ «الحزب» والحركة يريدان لـ»الهندسة الوزارية» أن تكون مستندة إلى معايير واضحة وواحدة، تسمح بإنصافهما ومنحهما الوزن اللذين يستحقانه، تبعاً لحجمهما التمثيلي وموقعهما في التوازنات الداخلية.
وهنا، سيكون على الرئيس المكلّف التوفيق بين ما يستطيع أن يقدّمه من ضمن الحسابات الأوسع التي سيبني عليها حكومته، وبين ما يريده «الثنائي» الذي قد يصرّ على التمسّك بمواصفات أو بمعايير معيّنة لتمثيله الوزاري، في اعتبار أنّ مكامن الخلل التي رافقت التكليف وأوحت بأنّ هناك استهدافاً مباشراً له، لا تسمح له بهامش واسع من المرونة والليونة لئلا يُفهم أي تنازل جوهري في سياق التشكيل، وكأنّه استكمال لمسار استضعافه ومحاصرته.
وبناءً عليه، سيحاول سلام على الأرجح تدوير الزوايا قدر الإمكان خلال مفاوضاته مع «حزب الله» وحركة «أمل»، لإرضائهما من دون إغضاب خصومهما سواء في الداخل أم في الخارج.
ويؤكّد القريبون من عين التينة، أنّ الرئيس نبيه بري سيكون إيجابياً ومتجاوباً مع أي مسعى لتشكيل حكومة منصفة ومنتجة، توحي بالثقة والفعالية، ويجري رسم معادلاتها على أساس مسطرة مستقيمة، أمّا أي محاولة لتشييد البناء الحكومي من خارج هذه القاعدة فسيكون مؤداها العودة إلى المقولة الشهيرة التي يستعين بها بري عندما تستعصي الحلول المنهجية: «عالسكين يا بطيخ»
والمهمّ، وفق شخصية صديقة لـ«الثنائي» أن يتفادى الرئيس المكلّف التأثر بما يمكن أن يهمسه في أذنَيه، بعض الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب الفضل في إيصاله، ناصحة إياه بأن يهمل أي «وشوشات» قد ترمي إلى تحريضه على عدم التفاعل الإيجابي مع «الثنائي» ربطاً بفرضية أنّه أصبح ضعيفاً ولم يعد يصح الركون إلى طلباته.