الجمعيات النسوية غبّ الطلب: العنف الإسرائيلي ضد الجنوبيات ليس عنفاً؟
كتبت زينب حمود في الأخبار:
تمثّل المرأة الجنوبية في زحفها إلى القرى المحتلة في وجه المحتل «النسوية» بأبهى أشكالها وأفكارها وحركاتها التحررية، مع تاريخ حافل بمقارعة الاحتلال، وصور لا تزال محفورة في الذاكرة لنساء في المعتقلات، أو يرمين المحتل بالزيت المغلي، ولأيقونات كسهى بشارة وسناء محيدلي ولولا عبود وغيرهن.
منذ صبيحة الأحد الماضي، تتصدّر المرأة الجنوبية مشهد التحرير بحضورها اللافت وتقدّمها مواكب العائدين مع نصيب وافر من الشهادة (6 شهيدات من بين 24 أولَ أمس، إضافة إلى عدد كبير من الجرحى النساء).
مواجهة دبابات المحتل ورصاصه لأن «هذه أرضنا» كما صرخت تلك السيدة في «مواجهة» مارون الرأس، وعشرات الأمهات اللواتي اندفعن إلى قرى الشريط بحثاً عن أثر لأبنائهن الشهداء، لم تهزّ شعرة في الجمعيات «النسوية» غبّ الطلب التي انشغلت بالمشاركة في مؤتمر «لمناهضة العنف السياسي والطائفي»، داعية إلى أن تضمن الحكومة العتيدة «أوسع تمثيل للنساء». وعلى أهمية الخطوة لضمان الحقوق السياسية للنساء، إلا أن السؤال هو ما إذا كانت هذه الجمعيات معنية بالعنف التي تمارسه السلطة الذكورية الأبوية حصراً، ولا يعنيها العنف الإسرائيلي في وجه النساء العائدات إلى قراهن بعد انتهاء مهلة الـ 60 يوماً المُتفق عليها للانسحاب؟
يبدو أن الجواب نعم، إذ إن هذه الجمعيات نفسها لم تخرج ولو ببيان تدين فيه همجية العدو ضد النساء طيلة فترة الحرب. وتسخر الناشطة النسوية ثريا هاشم كيف «تتحرك الجمعيات إذا صفع رجل زوجته ولا يستوقفها كل الإجرام الذي يمارسه العدو بحق النساء، من دون التقليل من شأن العنف ضدّ المرأة بكل أشكاله».
انشغلت جمعية «كفى عنف واستغلال»، مثلاً، بالحديث عن التحديات التي تواجهها النساء خلال الحروب، من دون أن تذكر مرة واحدة أن العدو الإسرائيلي هو من يتسبب بكل هذه الأزمات، ويقود أبشع أنواع العنف ضد المرأة. وعندما طلبت «الأخبار» مقابلة مع «كفى» لتناقش معها أوضاع النساء خلال الحرب، رفضت الحديث من دون أن تبرر ذلك. ثم «أبدعت» الجمعية في حملتها الأخيرة لحماية النساء بعد تسجيل 17 ضحية قتل عام 2024، فقلّدت الناطق باسم جيش العدو أفيخاي أدرعي في إنذار اللبنانيين بإخلاء المباني أثناء الحرب من دون احترام مشاعر من كانت هذه الإنذارات تستهدفهم.
وكان لهذا لأداء المخزي للجمعيات تجاه النازحات والعائدات صدى لدى كثيرات، من بينهن الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية تمارا الزين التي كتبت في صفحتها على «فايسبوك»: «نساء الجنوب يقارعن الاحتلال ولم نسمع صوتاً واحداً من نسويات الصدفة اللواتي لا يرفعن الصوت إلا على هوى الجهات المموّلة أو للمطالبة بالتوزير»، لافتة إلى أن «بعض المنصات النسوية التي فرّخت كنبتة الرزّين افتخرت منذ مدة بامرأة تعرّت في شوارع طهران، لكنها لم تجد في الأخبار الآتية من الجنوب ما يستدعي الصراخ في وجه المحتل».
خلال الحرب والفترة التي تلتها، أيقنت هاشم بـ«انسلاخ الجمعيات النسوية عن الواقع»، وتوصّلت بعد مسيرة نضالية طويلة إلى «أننا أخطأنا عندما تعاطينا مع المرأة ككيان خاص لها قضايا خاصة خارج الإطار العام، لأننا بذلك خسرنا مشاركتها في القضايا العامة، فالمرأة يجب أن تحمل أيضاً الهم الوطني ومسؤولية المقاومة، كما يجب أن تنخرط في الحياة السياسية والاقتصادية». وتلفت إلى أنه «خلافاً لما يظنه كثيرون بأن المرأة كائن عاطفي ضعيف ويجب متابعة شؤونها وتقديم الدعم النفسي الاجتماعي لها، أثبتت المرأة في الحرب قدرتها على التحمل والإدارة، فحوالي 90% ممن أداروا مراكز النزوح وتوزيع المساعدات كنّ نساء». كما أن المرأة اليوم في الجنوب تلغي سردية أنها كائن ضعيف، وتكشف زيف الجمعيات النسوية التي تدّعي مناهضة العنف والتمييز ضد المرأة ثم تغطّي قضايا لا تهمّ حتى المرأة نفسها في وقت يغلي بالأحداث التي تمسّها، وتطلق حملات لإيصال المرأة إلى المناصب السياسية قبل أن تصل الجنوبيات إلى أرضهن.