لبنان

“إسرائيل” تراهن على موافقة واشنطن على تمديد المهلة: العدو يضغط لفرض قيود فعّالة على حزب الله!

كتب علي حيدر في الأخبار: 

تتعدّد المؤشرات في تل أبيب وواشنطن إزاء مستقبل الاحتلال لجزء من الأراضي اللبنانية المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة. فقد طلب بنيامين نتنياهو من واشنطن تمديد بقاء قواته في لبنان أسابيع إضافية، بذريعة أن الجيش اللبناني «لا يفرض قيوداً فعّالة على تحركات حزب الله»، ما قد يسمح بعودة مقاتليه إلى المناطق الحدودية بسرعة، بحسب القناة 12 العبرية.

ويشير ذلك إلى أن العدو يطمح إلى ما هو أبعد مما ورد في الاتفاق بخصوص جنوب الليطاني، ويراهن على ابتزاز الحكومة اللبنانية بورقة الاحتلال للضغط من أجل المضي في خطوات جادّة في مواجهة المقاومة. ويشكّل مثل هذا السيناريو جوهر الرهان الإسرائيلي إزاء مستقبل الوضع في لبنان.

ومما يحفّز العدو في هذا السياق، عدم تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحرب بالتدمير التام لقدرات حزب الله أو إلى المستوى الذي يمنعه من القدرة على مواصلة القتال.

وفي المقابل، لفتت تقارير إسرائيلية إلى أن الإدارة الأميركية أبلغت تل أبيب بضرورة استكمال انسحاب جيشها من جنوب لبنان بحلول 18 شباط الجاري. ويبدو أن هذا الموقف ينطلق، حتى الآن، من إدراك الإدارة الأميركية للمفاعيل السلبية لبقاء قوات الاحتلال في أكثر من عنوان، منها المسار السياسي المرسوم أميركياً للواقع اللبناني، وإبقاء التهديد الإسرائيلي ماثلاً أمام الرأي العام، ما يتعارض مع الأولويات التي تريد واشنطن فرضها، إضافة إلى إمكانية أن تتدحرج التطورات على خلاف التقديرات الإسرائيلية.

مع ذلك، لا تزال إسرائيل تراهن على أن تؤدي الاتصالات مع واشنطن إلى تفاهمات تلبّي مطلبها، ويبدو أن هناك آمالاً في تل أبيب في تحقيق ذلك. وهو ما يفتح باب التساؤل عما إذا كان الانسحاب سيشمل كل القرى والنقاط العسكرية التي يتمسّك بها العدو، أم سيبقى في ما تبقّى منها أو الانسحاب من القرى والبقاء في التلال.

تشي المواقف والمساعي الإسرائيلية بأن اليوم الذي يلي سيكون زاخراً بالرسائل والدلالات أياً كان السيناريو الذي سيتحقق. فالانسحاب يشكل إنجازاً للمقاومة وأهلها ويفتح الطريق أمام عودة السكان إلى قراهم والبدء في إعادة إعمارها.

والبقاء في عدد من القرى المتبقية و/ أو في عدد من التلال ينطوي على تداعيات ومخاطر، كونه يُظهر أن الدولة اللبنانية فشلت في هذا التحدي. ولتجنّب هذا السيناريو، ينبغي عليها التحرك بشكل جدّي في واشنطن في وجه المساعي الإسرائيلية، وشرح الموقف من زاوية المخاطر التي يمكن أن يرتّبها تمديد بقاء قوات الاحتلال على اتفاق وقف إطلاق النار بما يربك عملية بناء الدولة.

وفي الموازاة، يعني ذلك أيضاً أن الحراك الشعبي سيبقى قائماً في حال عدم الانسحاب، ويمكن أن يتطور إلى خيارات تساهم في تعزيز الضغوط على كل الأطراف. وفي حال فشل هذه الخيارات فإن الواقع سيكون مفتوحاً على أكثر من خيار.

الجدير بالذكر أن إصرار العدو على البقاء في عدد من القرى المتاخمة للحدود، و/ أو عدد من التلال ذات المزايا الجغرافية، يؤشر أيضاً إلى المخاوف الأمنية التي لا تزال راسخة في وعي العدو، جمهوراً وقيادة، بعد طوفان الأقصى، وحاجته الملحّة إلى ترسيخ الشعور بالأمن لدى مستوطنيه من خلال بقاء جزء من قواته، فضلاً عن أنه خيار مطلوب من الناحية العسكرية في ظل قرار العدو بمواصلة اعتداءاته في الساحة اللبنانية بالتفاهم مع واشنطن. وهو خيار يتلاءم مع متطلبات الاستراتيجيتين الإسرائيلية والأميركية.

فالعدو يرى أن حزب الله يواصل مسار تعافيه وترميم قدراته، وينطوي على مخاطر متصاعدة، ويقوّض بنسبة أو بأخرى جزءاً مهماً من إنجازات العدو العسكرية خلال الحرب.

ولذلك يصرّ، بموافقة واشنطن، على مواصلة توجيه ضربات نقطوية مدروسة، مستغلاً تقديره لأولويات حزب الله في هذه المرحلة وما تفرضه من ضوابط حتى الآن، وعدم توقع أي خطوات جدية من الدولة اللبنانية لكبح هذا المسار العدواني. لكنّ المتغير الأكثر حضوراً في خلفية الخيار العدواني هو فقدان المقاومة خط إمدادها عبر سوريا بعد التحولات التي شهدتها أخيراً، إلى جانب تحولات الداخل اللبناني وآفاقه، وهو واقع عزّز من اندفاع العدو وجرأته ورهانه على فعالية خياراته، انطلاقاً من تقديره بأن ليس من مصلحة حزب الله الرد بما قد يؤدي إلى التدحرج.

يبقى التأكيد على عدم إغفال حقيقة أن العوامل التي يمكن أن تساهم أيضاً في رسم المشهد اللبناني تتجاوز الحدود مع فلسطين المحتلة. فلبنان لن يكون معزولاً عن نتائج المتغيرات التي قد تشهدها المنطقة، إذ إن أياً كان ما ستسلكه التطورات على المسار الإيراني – الإسرائيلي – الأميركي، وتحديداً بعد مواقف ترامب والرد الإيراني برفض المفاوضات، ستكون لذلك انعكاساته على مجمل الوضع الإقليمي بما فيه لبنان. والتقدير نفسه ينسحب أيضاً على مستقبل الوضع في غزة والضفة وانعكاسه على الواقع العربي، من دون إغفال سيناريوهات مستقبل الوضع في سوريا وامتداداته في الساحتين اللبنانية والإقليمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى