لبنان

الحريري يعود بالعقلانيّة: لملاقاة حزب الله بيدٍ ممدودة

كتبت لينا فخر الدين في الأخبار: 

يُسيطر الهدوء على الرئيس سعد الحريري؛ التّعب الذي أصابَ قلبه يزيده ودّاً، تماماً كما «المظلوميّة السياسيّة» التي ألمّت به. خبرة العشرين عاماً بين قريطم وبيت الوسط، ثم «المهجر» الذي تغيّر بحسب العلاقات العربيّة، لم تذهب سدىً، بل زادته خبرةً، والأهم أنّها بدّلت أحوال رجل الأعمال، الشاب والمغامر، إلى أكثر الأطراف عقلانيّة. ربّما كان لرؤيته للأمور عن بُعد دور في الاحتراز الذي يتّبعه منذ وصوله إلى بيروت، بعدما ولّى «زمن الارتجال»، وانتهت معه عهود «الآباء بالتبنّي».

صحيح أن انعتاقه من هؤلاء أطلقت يديه، إلا أنّ المحظور السعودي يحول بينه وبين حريّته الكاملة، حتّى تحوّلت فكرة عودته إلى السّاحة السياسيّة، ولو من خلف «الحجاب الإماراتي»، إلى رهانٍ دونه كثير من المحاذير. ومع ذلك، قرّر الحريري الرّجوع مع الأخذ في الاعتبار «المحرّمات» واللعب على حافتها.
الرّجل الذي عوقب بـ«النفي الطوعي» لأنّه اختار بين الفتنة والسّلم يعود كما رحل، يولي اهتمامه بالسّلم الدّاخلي على ما عداه من اعتبارات. وفي هذا السياق، أتى كلامه متّزناً في الذكرى العشرين لاغتيال والده، الرئيس رفيق الحريري، في ساحة الشهداء.

الانتقادات التي وُجّهت إليه كانت أكبر من أن يتحمّلها فريق بوضعه الإقليمي، ومع ذلك، قرّر الحريري أن يأخذها بصدره، مع ما يُمكن لحيثيّته الشعبية، التي أعادت تجديد بيعته في 14 شباط رغم الغياب والابتعاد، أن تكون درعه في الزعامة السنيّة الأقرب لتكون مُطلقة أو هكذا يصوّرها، وخصوصاً أنه لم يحِد عن ثوابته التي تجسّدت مثلاً في حصريّة السّلاح بيد الدّولة وسيادة لبنان. ولكن هذه المبادئ لم تحمِه من الهجوم اللاذع لكوْنه «اختصر اللبنانيين بحزب الله وحركة أمل وغازلهما من دون أن يسمّيهما مباشرةً، وإنّما تقصّد التوجّه بكلمته إلى أبناء الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبيّة»، على حدّ تعبير خصومه الذين يأخذون عليه «عدم ذكر حلفائه في 14 آذار عند التطرّق إلى الوضع السوري وسقوط نظام بشّار الأسد، كما تقصّده عدم وضع مسار سياسي لما حصل واكتفاؤه بطريقة التشفي الشعبويّة، أكثر من كوْنها مراجعة سياسيّة لتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، وذراعها، حزب الله».

وما يحزّ في نفوس هؤلاء أنّ «خطاب الحريري في ساحة الشهداء غابت عنه حتّى مسؤولية حزب الله عن اغتيال الحريري الأب، بل إصراره على مُخاطبة خصمه السياسي منذ ما بعد سقوط الاتفاق الرباعي، كما لو أنّه أقرب إلى دائرة الحلفاء ولعب دور النّاصح الهادئ».
ما يثير استياء خصوم الحريري يعرفه الأخير حتماً، إلا أنّه يملك مقاربة مختلفة عمّا حصل في السنوات السابقة، تماماً كمعرفته أنّ الوضع الدّاخلي لا يحتمل المزيد من «كبّ الزيت على النّار»، وهي أصلاً واحدٌ من لائحة هواجسه الأساسيّة في التّعاطي الدّاخلي.

«لا غالب ولا مغلوب مستقبليّة»

من هذا المنطلق، يرفع رئيس التيّار الأزرق «لواء الحصافة» في نظرته للوضع الدّاخلي، وتحديداً العلاقة مع حزب الله وحركة أمل، ومن خلفهما الطائفة الشيعيّة. وهو ما سيقوله أمام وفد من حزب الله يفترض أن يزوره اليوم برئاسة النائب السابق محمّد فنيش، وذلك في إطار لقاءاته مع العديد من الكتل النيابيّة (من بينها حزبا القوات اللبنانية والكتائب) خلال اليومين المقبلين، بعد أن «ميّز» النائب السابق وليد جنبلاط ونجله النائب تيمور جنبلاط اللذين زاراه في بيت الوسط الجمعة.

ما يقوله الحريري أمام زوّاره سيُعيده على الأرجح أمام وفد حزب الله، باعتبار أنّه مقتنع بأنّ منطق التشفي في مآلات الحرب الإسرائيليّة يضرّ أكثر ممّا يفيد. هو الذي ينظر إلى الطائفة الشيعيّة على أنّها «طائفة مجروحة ومكلومة، لا يجب التّعاطي معها باعتبارها طائفة مهزومة». والأهم، بنظره أنّ ما فعله حزب الله على مستوى التنازلات السياسيّة من أجل المصلحة العامّة يجب أن يُلاقى بيدٍ ممدودة وليس بمنطقٍ ثأري؛ فالحزب الذي كان يرفض وصول العماد جوزيف عون إلى رئاسة الجمهوريّة عاد وانتخبه، والحزب الذي كان يرفض تسمية الرئيس نواف سلام أو حتّى تشكيل حكومة تكون أقرب إلى حكومة تكنوقراط، جلس معه على الطّاولة الحكوميّة. وكأنّ الحريري يُريد بذلك التوقّف عن «جلد» الحزب طالما أن موقفه لم يكن أصلاً مُغايراً عن موقف «القوات» و«التيار الوطني الحر» اللذين لم يحبّذا أيضاً وصول عون إلى قصر بعبدا، ومع ذلك فعلاً، وإن كانت «فاتورة» القوات والتيّار مختلفة، وخصوصاً أن جروحه من العلاقة بالحزبين لم تندمل بعد.

في خطاب الحريري ومقاربته للعلاقة مع حزب الله، الكثير من العودة إلى التّاريخ وأزمنة المحاور، فاستشهاده بالإحباط المسيحي بعد اتفاق الطائف وما حصل بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يعني أنّ رئيس «المستقبليين» يعي أهميّة التفاهمات على قاعدةٍ ذهبيّة وضعها الرئيس صائب سلام قبل أكثر من 50 عاماً، وتحمل اسم «لا غالب ولا مغلوب». ولذلك، يُشير الحريري في لقاءاته إلى قاعدةٍ مماثلة: «إذا انهزمت طائفة، فإنّ كلّ الطوائف الأُخرى ستهزم أيضاً، وإذا انتصرت واحدة، فإنّ كلّ الطوائف الأُخرى ستنتصر معها».

نظريّة الحريري التي يُكرّرها أمام زوّاره تشي بخطابٍ جديد معتدل وبتشبثه بالتركيبة اللبنانية وأهميّة الحفاظ على توازناتها منعاً لأيّ اختلالٍ في التّوازن الدّاخلي. ومنها أيضاً ينطلق في مقاربته لقضيّة سلاح حزب الله وتطبيق الـ 1701 إلى ما بعد الليطاني، رافضاً التسرّع بالمواقف، هو المؤمن بأن التغييرات في المنطقة تبدو عاصفة من إيران، مروراً بالعراق ووصولاً إلى ما يعتبره التغيّر الأبرز في وجه المنطقة: في سوريا، التي أفرد لها جزءاً أساسياً من خطابه في ساحة الشهداء، وإن كانت «حساباته الإماراتيّة» دقيقة في كيفيّة خوضه بالمفاصل السوريّة الداخليّة، والبقاء على «طرفها»، من ناحية العلاقات اللبنانية – السوريّة وتحرّر الشعب السوري.

ومن خلف سوريا، تبدو الأمور أكثر هدوءاً بالنسبة إلى الحريري، أو على الأقل هكذا يجب أن تكون برأيه. هو الذي يرى «فرصة حقيقيّة» لنهوض لبنان بمسارٍ دقيق: إصلاحات ماليّة حقيقيّة يُرافقها فاصل من الاستقرار السياسي، على أن تكون نتيجته البدء بتنفيذ الدّول العربيّة والغربيّة لرغباتها في مُساعدة لبنان وإخراجه من أزماته.

العمّة تفتح بيت الوسط

إذا كان أنصار الرئيس سعد الحريري انشغلوا في طلب توضيحات حول ما قصده في خطاب الجمعة من أن «كل شي بوقتو حلو»، فإن الأمر بالنسبة إلى كوادر التيار كان يقف عند حدود قراره بالعمل السياسي المباشر. وما لم يقله الحريري مباشرة، تولاه مقرّبون منه، معلنين أن الحريري الذي لم تُعالج بعد كل أسباب عزوفه، سيحاول التمييز بين المشاركة الشخصية من جانبه في العمل السياسي ومشاركة تياره وكوادره. ولذلك كان القرار الأول هو الإيعاز إلى مساعديه بإعادة فتح «بيت الوسط» لتتولى النائبة السابقة بهية الحريري إدارة النشاط السياسي، خصوصاً في العاصمة، إذ يُرجّح أن تكون هي رئيسة لائحة التيار في الانتخابات النيابية المقبلة عن دائرتها الثانية، إلا في حال حصول تطور يعيد الرئيس الحريري نفسه إلى الحلبة.
الأمر الآخر، كان في إطلاق الورشة الداخلية في التيار للتحضير للانتخابات البلدية، خصوصاً في العاصمة إلى جانب مدينتي صيدا وطرابلس، حيث يريد الحريري إجراء استفتاء تمهيدي لورشة العمل الخاصة بالانتخابات النيابية. ورغم أن الحريري رفض إطلاق أي مواقف سلبية من خصومه المحليين، إلا أن برنامجه عكس موقفه من بعض الشخصيات التي «حاولت الغرف من صحنه» الشعبي، خصوصاً في بيروت والشمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى