لبنان

ما تداعيات استمرار الاحتلال للتلال الخمس؟

كتب عماد مرمل في الجمهورية: 

حصل ما كان متوقعاً، ولم يكتمل الانسحاب الإسرائيلي من كل الجنوب في 18 شباط، بعدما قرّر جيش الاحتلال البقاء في خمس تلال حاكمة تقع داخل الأراضي اللبنانية على الحدود مع فلسطين المحتلة، الأمر الذي ترك باب المستقبل موارباً على كل الاحتمالات.

أصرّت تل أبيب على مواصلة سياسة التشاطر والتحايُل على اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، واحتفظت بخمسة مواقع استراتيجية في المنطقة الحدودية، تحت ذريعة أنّ بقاء جيشها في هذه النقاط هو ضروري لحماية مستوطنات الشمال وإشعار قاطنيها بالطمأنينة، الأمر الذي دفع أحد السياسيِّين إلى التساؤل: “ما دام الإسرائيليّون يُروّجون بأنّهم انتصروا على “حزب الله”، فما هو مبرّر استمرار كل هذا القلق لديهم، ولماذا يشعر المستوطنون بالخوف من العودة إلى مستعمراتهم الأمر الذي دفع قيادتهم إلى اتخاذ قرار بالبقاء في التلال الخمس لطمأنتهم وتحفيزهم على العودة؟”.

وصار من المعروف أنّ المواقع الخمسة التي سيحتفظ بها العدو تتوزّع على تلة بالقرب من اللبونة قبالة مستوطنة شلومي، قمة جبل بلاط قبالة زرعيت، تلة مقابل أفيفيم ومالكيا، تلة مقابل مارغليوت، وتلة مقابل المطلة، الأمر الذي من شأنه أن يسمح للجيش الإسرائيلي بأن يُبقي مساحة كبيرة من الجنوب تحت سيطرته البصرية والنارية، ومن ضمنها تلك التي انسحب منها، وإن يكن الخبراء يلفتون إلى أنّ مراكزه المُحدثة على الجانب اللبناني من الحدود ليست لها قيمة وازنة ما دام أنّه يستطيع مراقبة أي مكان يُريده عبر طائراته ومسيّراته التي لا تكفّ عن التحليق وتنفيذ الاعتداءات.

أمّا بالنسبة إلى لبنان، فإنّ إطالة أمد الوجود الإسرائيلي على بعض المرتفعات تعني أنّ الاحتلال مستمر بمعزل عن مساحة انتشاره، ذلك أنّ السيادة هي كلٌ لا يتجزّأ، ولو كان هناك متر واحد تحت السيطرة الإسرائيلية فهو يعادل الـ10452 كلم2.

وبقاء قوات الاحتلال في التلال الخمس سيترك، وفق العارفين، التداعيات الآتية:

– إضعاف المنطق المنادي بوجوب الاحتكام حصراً إلى الخيار الديبلوماسي والشرعية الدولية لتحرير الأرض وحماية لبنان من المخاطر الإسرائيلية.

– “شحوب” حجج الداعين إلى سحب سلاح “حزب الله” في هذا التوقيت، على قاعدة أنّ سلاح المقاومة يكتسب تلقائياً مشروعيّته من استمرار الاحتلال لأراضٍ لبنانية، ومن الشرائع والمواثيق الدولية والإنسانية التي تكرّس الحق في مواجهة الاحتلال.

– إفساح المجال أمام احتمال ظهور أشكال وأنماط متعدّدة للمقاومة قد تتجاوز “حزب الله” إلى جهات أخرى، في استعادة لتجارب تلت الاجتياج عام 1982. وكان لافتاً في هذا السياق أنّ الفقرة الأخيرة من البيان الصادر عن اجتماع الرؤساء الثلاثة تضمّن تمسّك الدولة اللبنانية بحقوقها الوطنية كاملة وسيادتها على كل أراضيها، والتأكيد على حق لبنان باعتماد كل الوسائل لانسحاب العدو الإسرائيلي.

– إبقاء الواقع في المنطقة الحدودية غير مستقر، وترك فتيله قابلاً للاشتعال.

– تأخير تثبيت عودة النازحين إلى عدد من البلدات الجنوبية المتاخمة للمراكز التي لم ينسحب منها العدو، مع ما يُرتبه مثل هذا الأمر من تحدّيات وأعباء.

– تصدّع صدقية لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار ورئاستها الأميركية التي كان ينبغي أن تمثل ضماناً للانسحاب الكامل إنطلاقاً من أنّ واشنطن هي الوحيدة التي تستطيع الضغط على الإسرائيليِّين لإلزامهم باحترام التزاماتها، فإذا بها تتناغم مع موقفهم المخالف للاتفاق.

– زرع لغم إسرائيلي في أرضية عهد الرئيس جوزاف عون وفي مسيرة حكومة الرئيس نواف سلام، ذلك أنّ أسوأ سيناريو بالنسبة إلى هاتَين الشخصيّتَين هو أن تنطلق تجربتهما في الحُكم في ظل وجود الاحتلال الذي من شأنه خربطة أولوياتهما واستنزاف الزخم الذي أتيا به إلى السلطة.

– مضاعفة المسؤوليات الملقاة على الجيش اللبناني الذي بات في المرحلة الجديدة المعني الأول بمواجهة تحدّي استمرار الاحتلال لجزء من الأرض والانتهاكات للسيادة اللبنانية، وإلّا فإنّ الخطاب الداعي إلى حصر السلاح فيه وحده سيفتقر إلى قوة الإقناع ما لم يكن مرفقاً بمقدار من القوة الميدانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى