المضمونون محرومون من أدوية الأمراض المستعصية!
يفوق عدد المصابين بالسرطان والأمراض المستعصية المسجلين في الضمان، العشرة آلاف فرد. أغلب هؤلاء صار مهدداً بتوقف العلاج، لعدم قدرته على الحصول على الدواء. إعلان التعبئة العامة وإغلاق مكاتب الضمان الاجتماعي عطّلا آلية تقديم الفواتير ودفعها، فتعطّلت آلية شراء المرضى للأدوية من الصيدليات.
عملياً، ومع افتراض أن الأغلبية الساحقة من المرضى تقدّم الفواتير شهرياً إلى الضمان (معظم الأدوية تستهلك خلال شهر)، فإن من تلا موعد تقديم فاتورته تاريخ إعلان التعبئة العامة في ١٥ آذار، يعيش اليوم على أمل عدم حصول مضاعفات من جرّاء توقفه عن تناول الدواء. تلك المعادلة، تحتم الإسراع في إيجاد حل يسمح بمعاودة هؤلاء الحصول على العلاج.
ثمة فئة أخرى من المرضى، هم الذين قدّموا فواتيرهم إلى مراكز الضمان، ثم جاء الإقفال ليحول دون حصولهم على قيمتها. تلك الفئة، حُلّت مشكلتها، إذ شرع الضمان الاجتماعي بإنجاز المعاملات وتصفيتها، ثم تحرير الشيكات بقيمتها. وقد بدأت المراكز المعنية بإبلاغ المضمونين، أصحاب «الحالات الخاصة»، بوجوب الحضور لتسلّم شيكاتهم، مع مراعاة إجراءات وقائية، تشمل تحديد مواعيد متباعدة، والحد من الاختلاط بين المضمونين، وبينهم وبين الموظفين. يقول المدير العام للضمان محمد كركي لـ«الأخبار» إنه وفق هذه الآلية، فإن كل الفواتير التي استُلمت قبل حالة التعبئة، ستدفع لأصحابها مع نهاية الأسبوع الحالي.
تبقى مشكلة من يريد تقديم الفواتير. تلك لم تُحلّ بعد، لكن كركي يعد بأنه مع نهاية الأسبوع أيضاً ستكون قد وجدت طريقها إلى الحل، بما يسمح للمرضى بمعاودة الحصول على أدويتهم.
من الحلول المقترحة، والتي يسعى إليها الضمان هي الربط الإلكتروني مع الصيدليات، وبالتالي تحويل المعاملة من يد المريض إلى يد الصيدلية، بحيث يحصل الأول على دوائه من الصيدلية، ثم تعمد الأخيرة إلى تقديم الفاتورة إلكترونياً إلى الضمان. بحسب مسؤولي الضمان، فإن الصندوق جاهز تقنياً للمباشرة بهذه الآلية فوراً. لكن، عندما طرح الأمر على نقيب الصيادلة تبين أن المشكلة ليست تقنية، بل تتعلق بعدم ثقة الصيدليات بالضمان الاجتماعي، وبإمكانية حصولها على مستحقاتها في الوقت المحدد.
ذلك الأمر كان محور اجتماع عقده كركي مع نقيب الصيادلة غسان الأمين في نهاية الأسبوع الماضي، لكن نتيجة الاجتماع كانت سلبية. فقد عبّر الأمين عن رفض النقابة لهذه الآلية، بحجة عدم قدرة الصيدليات على تحمّل ثمن أدوية باهظة الثمن، إلى أن يحين موعد التحصيل من الضمان. يقول الأمين لـ«الأخبار» إن «المستوردين يعطون فترة سماح للصيدلي ليدفع، إلا أن هذه الفترة ليست طويلة. وبالتالي لا يمكن للصيدلية أن تتحمل دفع عشرة ملايين شهرياً، على سبيل المثال، ثم الانتظار إلى حين يدفع لها الضمان. ذلك سيضع الصيدليات الصغيرة أمام احتمالين، إما الإفلاس أو توقف المستورد عن التعامل معها، في حال تأخرت عن الدفع».
بالنسبة إلى نقيب الصيادلة، «الأمر محسوم. لا يمكن للقطاع أن يتحمل البيع بالدين». ولذلك، هو سبق أن اقترح، ليبصر هذا الاقتراح النور، أن يبرم الاتفاق بين الضمان والمستوردين مباشرة، بما يسمح للصيدلي عندها بأن يكتفي بالحصول على جعالته من المريض، فيما يتم الاتفاق على آلية يدفع عبرها الضمان المال للشركات المستوردة. أثناء اللقاء الذي جمع كركي مع الأمين، اتصل الأخير بنقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة ليسأله رأيه. كان جواب الأخير سلبياً. نظرياً، لم ينته النقاش في المسألة بعد، إذ يُتوقع أن يُستكمل عبر لقاء يجمع كركي وجبارة خلال الأيام المقبلة.
كركي: مع نهاية الأسبوع سيحصل المصابون بأمراض مزمنة على الأدوية
لكن مع ذلك، فقد أبلغ نقيب مستوردي الأدوية «الأخبار» أن الشركات، كما الصيدليات لا يمكنها أن تتحمل بيع دواء لمريض واحد أو اثنين بالدين، فإنها لا يمكن أن تتحمّل البيع بالدين لمئات الصيدليات، وبالتالي آلاف المرضى.
خلفية النقاش بالنسبة إلى المستوردين، كما الصيدليات، هي عدم الثقة بالضمان والتخوف من احتمال أن يتخلّف عن الدفع. ولذلك يقترح الأمين، على سبيل المثال، أن يعمد الضمان إلى الاتفاق مع المستوردين على دفع سلفة أو ضمان مالي، يسمح للشركات بالحصول على مستحقاتها، في حال التأخر عن الدفع. لا يمانع كركي حلاً كهذا، إذا كان ممكناً قانوناً. يقول إن الصندوق مرتاح مالياً، وقادر على تلبية كل المطالبات المالية المتوجبة عليه.
هل يمكن أن يكون هذا الاقتراح هو الحل لآلاف المرضى الذين ينتظرون حصولهم على أدويتهم؟ حتى اليوم، وبحسب الموقف المعلن من جبارة، فإن مصيره سيكون الفشل. وعليه، يبدو أن الحل لن يكون سوى من ضمن الآليات المعمول بها حالياً، أي تقديم المريض معاملته إلى الضمان، ثم انتظار حصوله على ثمن الدواء. ذلك يقطع الطريق أمام الاستفادة من الأزمة الراهنة للخروج نحو إجراءات أكثر عملية، تنهي المعاناة اليومية للمضمونين في مراكز الضمان، وتوفر عليهم الوقت والجهد للحصول على الدواء، أسوة بما حصل مع موافقات الاستشفاء التي صارت تتم من خلال المستشفيات مباشرة.
يعيد الأمين وجبارة النقاش إلى النقطة الصفر. يصرّان على أن الحل يكمن في الضمان، أي عبر إيجاد آلية تضمن تقديم مرضى الأمراض المستعصية فواتيرهم وقبضها، خلال الفترة الاستثنائية، مع اعتماد أقصى درجات الوقاية.
يقول جبارة إن القصة نشأت نتيجة خوف موظفي الضمان على أنفسهم وعلى المضمونين من عدوى كورونا. وهو إذ يؤكد أن هذا الخوف مشروع، فإنه يوضح أنه يشمل أيضاً موظفي 3000 صيدلية و3000 موظف في الشركات «يخاطرون بأنفسهم لتلبية حاجات الناس». لذلك، يقول إن «المطلوب أن نضحّي جميعنا، مع الحرص على أفضل الوسائل الممكنة للوقاية». ويسأل: هل من الصعب إيجاد ١٠٠ موظف يضحّون لتسيير معاملات مرضى السرطان والأمراض المستعصية في ١٠ مراكز للضمان؟
بالنتيجة، يبدو أنه لن يكون هنالك حل آخر، في ظل خشية الشركات والصيدليات من تخلّف الضمان عن الدفع، والتي لا تنفع معها كل التطمينات التي يحصلون عليها. ولذلك، يعلن كركي أنه في حال عدم نجاح الحلول الأخرى، لن يكون هنالك بديل عن إعادة فتح بعض مراكز الضمان لاستقبال معاملات مرضى الأمراض المستعصية.
تلك أزمة قد تنقضي خلال أيام، لكن أحداً لا يضمن تجددها مع كل مناسبة. هذه المرة كان المصابون بالأمراض المستعصية هم الضحية، وفي المرة المقبلة قد يكون آخرون الضحية. تجدد الأزمات سيكون حتمياً طالما أن الحق بالرعاية الصحية غير مصان، وطالما أن الناس مرتهنون لمؤسسات تبتغي الربح. مع كل تجربة يتضح أن الدولة لا يمكن أن تبقى مستقيلة من واجباتها في تأمين الرعاية الصحية المتساوية للجميع. أي أمر آخر، سيعني تكرار تجربة وضع فئات ضعيفة بين حدي المعاناة من المرض والمعاناة لتأمين العلاج، وذلك موت يسبق الموت.
الأخبار _ ايلي الفرزلي