عقبات تعوق التشكيلات فهل تزيلها حكومة سلام؟

كتبت مرلين وهبة في الجمهورية:
كان تعزيز دور القضاء من أبرز الأولويات التي لحظها البيان الوزاري، فيما التشكيلات القضائية كانت «الطبق الأبرز» الذي تعهّد بإنضاجه ووعد وزير العدل الجديد بإنجازه. فهل تبصر التشكيلات القضائية النور قريباً؟
بدايةً، يُفترَض تعيين مجلس القضاء الأعلى الذي من مهمّاته إعداد التشكيلات وعرضها على وزير العدل عادل نصار، الذي تعود له أيضاً صلاحية اقتراح تعيين العضوَين الشاغرَين في مجلس القضاء الأعلى، وهما مركزا مدّعي عام التمييز ورئيس التفتيش القضائي، الأول لأنّ القاضي جمال الحجار يشغل المنصب بالإنابة، والثاني بسبب شغور المركز بعد إحالة رئيسه بركان سعد إلى التقاعد، وبالتالي يرفع الوزير الإسمَين إلى مجلس الوزراء وقد تُرفَع مجموعة أسماء أخرى إلى الحكومة أيضاً. في المقابل من الممكن أيضاً تثبيت اسم القاضي جمال الحجار في مركزه كمدّعي عام لمحكمة التمييز، أمّا بالنسبة إلى رئيس مجلس القضاء الثابت في موقعه في الأصالة، لا يلغي فرضية طرح أسماء غيره لمنصب رئاسة مجلس القضاء.
هيكلية مجلس القضاء
بالعودة إلى مجلس القضاء، يُذكر أنّه يتألّف من 10 أعضاء: 3 حُكمِيّون وهم رئيس مجلس القضاء، مدّعي عام التمييز، ورئيس هيئة التفتيش القضائي، وهم ثابتون إلى حين الإحالة إلى التقاعد ويُعيَّنون في مجلس الوزراء. أمّا الأعضاء الـ7 المتبقين فمدة ولايتهم 3 سنوات، فيما 5 أعضاء من هؤلاء الـ7 يُعيَّنون بمرسوم يُعِدّه وزير العدل، وهؤلاء الأعضاء الـ 5 يُقسَّمون كالآتي: عضو من محكمة التمييز، عضوَان عن محاكم الاستئناف، عضو عن محكمة البداية، وعضو عن أي وحدة من وحدات وزارة العدل (هيئة التشريع، هيئة القضايا، وأحيانا يُستبدل هذا العضو برئيس محكمة)، ويبقى عضوَان من الأعضاء الـ7 ينتخَبهما رؤساء غرف التمييز.
العقدة!
إلّا أنّ رؤساء غرف التمييز يجب أن يكونوا أصيلِين وغير مُنتدَبين، كما هي الحال الآن، وهنا تكمن العقدة! فبحسب الأصول القضائية يُعيَّن رئيس واحد أصيل لإحدى غرف التمييز كعضو في مجلس القضاء، بالإضافة إلى رئيسَين للغرفتَين من محاكم التمييز، عبر عملية انتخابية، ممّا يتطلّب رؤساء أصيلين لغرف التمييز! وهذا الواقع ليس متوافراً في محاكم التمييز.
هناك رئيسان أصيلان فقط في محاكم التمييز، فيما رؤساء غرف التمييز المتبقين فهم جميعهم بالإنابة! وهنا تكمن العقدة، فكيف تُفكّك؟
بحسب مرجع قضائي رفيع، الاحتمالات هذه الواردة هي الآتية:
ـ الاحتمال الاول، يُعيَّن مجلس القضاء المؤلف من 3 أعضاء حُكميِّين زائد 5 أعضاء فيُصبح العدد 8 أعضاء، يُحضِّرون فقط مرسوم تشكيلات جزئية لرؤساء محاكم التمييز ويُوقِّعه وزيرا العدل والمال، رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية وبعد إصداره يصبحون رؤساء بالأصالة، وفي الوقت عينه تُعيَّن الهيئة العامة المؤلفة من مجموع رؤساء محاكم التمييز مع مستشاريهم، أي أنّ جميع هيئات محاكم التمييز عليها أن تنتخب عضوَين لمجلس القضاء الأعلى لتمثيل محاكم التمييز، فإذا ما سلك المرسوم، يُصار إلى انتخابات في محاكم التمييز لتعيين عضوين لمجلس القضاء منتخبين عن محاكم التمييز، وهكذا يكتمل عقد مجلس القضاء الأعلى ويَنكبّ عندها على درس بقية التشكيلات القضائية في محاكم الاستئناف، البداية، النيابات العامة، وغرف التحقيق…
ـ الإحتمال الثاني، ألّا يُصار إلى اتخاذ خيار التشكيلات الجزئية، ويلجأ الأعضاء الثمانية في مجلس القضاء الأعلى إلى خيار إتمام التشكيلات القضائية سلّةً كاملة واحدة، خصوصاً أنّ لديه الأكثرية ويجوز القيام بها قانوناً. أي أنّ مجلس القضاء يمكنه إتمام التعيينات ومن ضمنها تسمية رؤساء غرف التمييز ومن ضمنها محاكم التمييز، أي تشكيلات عامة، عندئذٍ وعند انتهاء كافة التشكيلات يُصار إلى انتخاب عضوَين أصيلَين لمحاكم التمييز وينضمّان لاحقاً إلى مجلس القضاء الأعلى، إنما هذه الفرضية إن لم نقل هذا الخيار، دونه إشكالية مذهبية!
فإذا نظرنا إلى تركيبة مجلس القضاء، وتحديداً المادة 2 من القانون العدلي، فهي لا تُحدِّد طوائف أعضاء مجلس القضاء، لكن وبحسب العُرف يتشكّل مجلس القضاء من رئيس مجلس ماروني ومدّعي عام تمييز سنّي ورئيس تفتيش سنّي، وهؤلاء هم الأعضاء الحُكميِّون. أمّا إذا نظرنا إلى مجمل المجلس فهو مؤلف من 5 مسلمين (من ضمنهم مدّعي عام التمييز)، 2 من الطائفة الشيعية، 2 الطائفة السنّية و2 دروز. أمّا المسيحيّون فهم أيضاً 5 أعضاء، 3 موارنة (ومن ضمنهم رئيس مجلس القضاء الأعلى)، عضو من الطائفة الكاثوليكية، وآخر من الطائفة الأورثوذكسية.
وبالتالي، فإذا ما عُيِّن 8 أعضاء لمجلس القضاء الأعلى وأراد المجلس تعيين اثنَين إضافيَّين ليكتمل المجلس ويصبح 10، وذلك من بين رؤساء غرف التمييز وبعد التشكيلات الجزئية (إذا ما اتُخِذت كخيار) وكذلك بعد أن يُنتخبوا في محاكم التمييز.
لكنّ السؤال الكبير المطروح: كيف يُمكن التكهّن بمذهب الفائزَين، أي العضوَين المطلوبَين لاكتمال الصيغة المذهبية لمجلس القضاء، اللذين من المفترض أن يتوافقا عُرفاً بالواقع المتبع لشكل مجلس القضاء الأعلى أي 5 مسلمين و5 مسيحيّين!؟
بمعنى أوضح، لا يمكن معرفة هوية ومذاهب رؤساء غرف التمييز الذين سيفوزون في عملية الانتخاب، إذ من الممكن أن يكونوا من مذاهب لا تتطابق عُرفاً مع النقص المطلوب تكملته في مجلس القضاء.
أمّا إذا لجأ المجلس إلى تعيين ما ينقصه من شواغر باعتماد المذهب للاختيار من بين الفائزين في انتخابات غرف التمييز! فإنّه بذلك يُطيح بمبدأ الانتخابات العادلة بكامله، وتُصبح العملية بكاملها شبيهة بالتعيين وليست عملية انتخاب، الأمر الذي يُعرِّضها للطعن أمام مجلس الشورى.
عقبة محاكم التمييز
بناءً على كل ما قيل، نحن اليوم أمام عقبة محاكم التمييز ووجوب إيجاد حل لإتمام التشكيلات الجزئية، وذلك لتسهيل التشكيلات القضائية المكتملة. وبالنتيجة الواقع في القضاء وفي مجلسه، فإنّ إتمام التشكيلات القضائية يكون عبر الأعراف المتبعة عموماً حتى إشعار آخر، أو يمكن القول حتى إتمام تعديلات قانون استقلالية السلطة القضائية وإقراره، علماً أنّه ومهما كان شكل القانون الجديد المنتظر ومضمونه، فإنّ الدستور يقول صراحة باحترام المناصفة في وظائف الفئة الأولى بين المسيحيِّين والمسلمين. فهل يُعدَّل الدستور؟
التشكيلات القضائية
بالعودة إلى التشكيلات القضائية، تجدر الإشارة إلى أنّ نحو 80 قاضياً دخلوا حديثاً إلى العدلية بعد تخرّجهم من معهد القضاء، وهناك الذين توفّوا، استقالوا أو تقاعدوا!
والحالات الأربع هي عوامل جديدة تطيح بالتشكيلات القضائية السابقة التي جُمِّدت منذ سنوات، بالإضافة إلى أنّ كل تغيير وتبديل لمركز قضائي يُحرِّك مركزَين اثنَين معه، أي مثلاً إذا أردنا إدخال 80 قاضياً إلى العدلية، فإنّنا بالتالي نُحرِّك 400 قاضٍ في كافة الدوائر العدلية وقصور العدل، بالإضافة إلى مراعاة توزيع الطوائف والدرجات، الأمر الذي يتطلّب عملاً جدّياً ودقيقاً ويلزمه مدة زمنية طويلة.
أمّا إذا كان العمل قد بدأ فعلاً من جانب رئيس المجلس في المرحلة الحالية على رسم خريطة تعيين قضاة في المراكز التي تُشكّل جدلاً، أي محاكم البداية والقضاة المنفردين، وليس في المراكز الحساسة التي تدخل فيها السياسة، يكون قد سرّع أو سهّل عملية التشكيل في حال نالَ موافقة مجلس القضاء عليها بكامله لاحقاً. وبذلك تصبح التشكيلات قريبة؛ ويُعنى بذلك الصيف المقبل، أي أنّه من المستبعد وفق مرجع قضائي رفيع أن تكتمل التشكيلات قبل تشرين الأول المقبل. إذ وفق قراءته، فإنّ الدعوة إلى انتخابات رؤساء غرف التمييز وحدها تستمر لشهرين، وبعد تلك الانتخابات، يسري الأمر عينه بالنسبة إلى مجلس القضاء الأعلى، إذ إنّ قَسَم اليمين في القصر الجمهوري والاجتماع الأول للمجلس وخطة العمل يلزمها شهرين أيضاً على الأقل.
يُشار أيضاً إلى احتمال الإعتراض من جهة أحد أعضاء مجلس القضاء على التشكيلات خلال التصويت، وهو أمر وارد ومن شأنه أن يؤخّر أيضاً إتمام تلك التشكيلات، خصوصاً إذا لم يُشرَك جميع الأعضاء في اختيار التشكيلات قبل إتمامها.
معضلة واردة؟
إلّا أنّ المعضلة الأساس تبقى في فرضية تبديل رئيس مجلس القضاء الأعلى، إذا ما حصل الأمر – وهو مستبعد – فإنّ الرئيس الجديد المُعيَّن لن يتمكن من فهم اللعبة القضائية مثل الرئيس سهيل عبود المحنّك قضائياً، وبالتالي فإنّ الرئيس الجديد المفترض المعيّن للمجلس سيحتاج وقتاً طويلاً جداً لإتمام التشكيلات.