لبنان

مبالغة في الرهان على المملكة: السعودية شريكة في الحصار!

كتبت ميسم رزق في الأخبار: 

بالغ رئيس الجمهورية جوزيف عون في الرهان على المملكة العربية السعودية لانتشال البلد المنكوب من أزماتِه، وفي ترقّب انعكاسات سحرية لزيارته إلى الرياض، على قاعدة أنها كانَت شريكة لواشنطن في هندسة العهد الجديد ولا بدّ أن تكون رافعة نجاحه.

ففيما سادَ بيروت ترقُّب لما ستخرج به زيارة عون الذي اختار الرياض لإطلالته الخارجية الأولى، رغبة منه في إعادة وصل ما انقطع مع المملكة ودول الخليج الأخرى، أعطت المملكة إشارات عدّة على أن التعويل على الزيارة قد لا يكون في مكانه، وأن الرضى السعودي الذي يستجديه بعض اللبنانيين لم يكتمل بعد. وقد سبقت هذه الإشارات الزيارة. فقد علمت «الأخبار» أن عون تلقّى من الجانب المصري ومن مسؤولين عرب آخرين نصيحة بعدم التسرّع في الزيارة وإرجائها إلى ما بعد القمّة العربية في القاهرة، من دون توضيح الأسباب، ومن دون معرفة ما إذا كانت «النصيحة» أتت بإيعاز سعودي.

إلا أن «من يُحيطون بعون من المستعجلين على تنفيذ الوعد الذي قطعه الرئيس بزيارة المملكة نجحوا في إقناعه بالعكس»، وفق مصادر مطّلعة. ولفتت إلى أن أولى البوادر على «شكلية» الزيارة أن رئيس الجمهورية لم يصطحب معه سوى وزير الخارجية يوسف رجّي، بعدما كان الحديث يدور عن ضرورة استعجال تأليف الحكومة، لكي يرافق وفد وزاري الرئيس في زيارته لتوقيع أكثر من 22 اتفاقية تعاون في مجالات مختلفة.

أضف إلى ذلك أن البيان المشترك الذي صدر بعد استقبال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لعون، تضمّن عناوين عامة مكررة لمواقف السعودية منذ ما قبل انتخاب الرئيس، لجهة التأكيد على «أهمية التطبيق الكامل لاتفاق الطائف وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، وبسط الدولة سيادتها على كامل أراضيها وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية»، و«أهمية تطبيق ما جاء في خطاب القسم الرئاسي الذي ألقاه عون بعد انتخابه وأعلن فيه رؤيته للبنان واستقراره، ومضامين البيان الوزاري»، إضافة إلى «اتفاق الجانبين على ضرورة تعافي الاقتصاد اللبناني وتجاوزه لأزمته الحالية، والبدء في الإصلاحات المطلوبة دولياً وفق مبادئ الشفافية وتطبيق القوانين الملزمة».

ومن دون أن تبادر إلى اتخاذ أي إجراء سريع كإشارة إلى الانفتاح، وعدت المملكة بـ«البدء في دراسة المعوقات التي تواجه استئناف التصدير من الجمهورية اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية، والإجراءات اللازمة للسماح للمواطنين السعوديين بالسفر إلى لبنان». وهي «دراسة» قد تستغرق شهوراً في مسارها التقني، أما مسارها السياسي فيرتبط بالشروط العربية والدولية المفروضة على لبنان.

وفيما تطرّق البيان إلى الاحتلال الإسرائيلي للبنان بجملة عابرة وخجولة، برزت إشارة أخرى تحمِل دلالات كبيرة في ما يتعلق بالموقف السعودي من تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان، إذ لفتت المصادر إلى «غياب تام لذكر ملف إعادة الإعمار رغم أهميته»، وهو الملف الذي يدّعي حلفاء المملكة في بيروت أنها «ستتكفّل» به، مع بعض الدول العربية، في تبريرهم للانصياع الكامل للأوامر الأميركية بعدم قبول أي أموال من إيران، فضلاً عن تورّط السلطة في عملية الحصار الذي تتعرض له بيئة المقاومة، عبر منع وصول أي أموال إلى المقاومة لإعاقة عملية إعادة الإعمار».

وقرأت المصادر في تغييب هذا الملف موقفاً سعودياً واضحاً، يُمكن إدراجه في خانة «الشراكة التامة في الحصار» ومحاولة ترجمة النتائج العسكرية للحرب على المقاومة إلى مكاسب سياسية تتصل بالتوازنات الداخلية. وبالتالي فإن «السعودية، كغيرها من الدول، تريد لعملية إعادة الإعمار أن تكون ثمناً لتنازلات من الطرف الآخر، وإلّا ستكون في حلّ من أي التزام بالمساعدة».

في كل الأحوال، وبعيداً من «التطبيل» لدور المملكة في لبنان ومحاولات تعظيم ما تقوم به، فإن عودة المملكة إلى الساحة اللبنانية ارتبطت بما يجري في سوريا أكثر من كونه «كرمى لعيون الحلفاء»، إذ تجد السعودية نفسها معنيّة بالوقائع المتحرّكة فوق الرمال السورية ومآلاتها العسكرية والدبلوماسية، نظراً إلى الانعكاسات المحتملة على المنطقة بأسرها. وبالتالي فإن أي خطوة تقوم بها ترتبط بقدرة لبنان على تلبية الشروط السعودية لا الرغبات اللبنانية، وهو ما سيتظهّر خلال الزيارة الثانية الموسّعة للرياض خلال أسابيع… إن حصلت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى