لبنان

“التشكيلات الديبلوماسيّة” أمام الإعتبارات نفسها أم بهيكلة جديدة؟!

كتبت دوللي بشعلاني في الديار: 

تحتاج انطلاقة عهد رئيس الجمهورية جوزاف عون من خلال إعادة تمتين علاقات لبنان مع الدول العربية بزيارته الرسمية الأولى الى دول الخارج وتحديداً الى السعودية، ومن ثمّ مشاركته في القمّة العربية الطارئة بشأن غزّة، وحكومة نوّاف سلام الى أن تترافق مع إعادة هيكلة القطاع العام لوقف الهدر والفساد في الدولة اللبنانية. كما الى إجراء التعيينات الإدارية والقضائية والعسكرية، والتشكيلات الديبلوماسية الملحّة لملء الشواغر اللازمة، بعيداً عن المحسوبيات والاعتبارات السياسية والطائفية، وإلّا فإنّ الدولة لا يمكن أن تسير على السكّة الصحيحة في وقت قريب.

وتنكبّ وزارة الخارجية والمغتربين، مع تولّي السفير جو رجّي الوزارة من سلفه الوزير عبد الله بو حبيب، على تحضير مسودة التشكيلات الديبلوماسية، بعدما اعتمد بو حبيب سياسة التقشّف في عهده، وترشيد الإنفاق في السفارات وتخفيض رواتب السفراء وصرف عدد من الموظّفين، لا سيما مع الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت لبنان في العام 2019، ولا تزال مستمرّة حتى يومنا هذا. فورشة العمل كبيرة وشائكة مع عدم إقرار التشكيلات بشكل شامل خلال السنوات الماضية، باستثناء عدد من المناقلات الديبلوماسية.

وتتداخل عوامل عديدة في موضوع التشكيلات الديبلوماسية التي تواجه تحديات مختلفة، على ما تقول أوساط ديبلوماسية واسعة الإطلاع، أبرزها التدخّلات السياسية من قبل القوى السياسية والطوائف، سيما أنّ التعيين يحصل على أساس طائفي في هذا البلد أو ذاك، فضلاً عن علاقة لبنان بكلّ من الدول التي يجري فيها تعيين سفير أو رئيس بعثة، الى جانب ميزانية الوزارة التي تقلّصت في السنوات الماضية من 115 مليون دولار الى نحو عشرة ملايين دولار من موازنة الدولة، بسبب انخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل ارتفاع الدولار والعملات الصعبة.

أمّا توزيع السفارات على عدد من دول الأمم المتحدة التي يصل 193 دولة، فيعود الى ثلاثة عوامل أساسية هي:

1 – أن تتمتّع الدولة بثقل سياسي مهم مثل الدول الكبرى أي الولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا، البرازيل، والصين وسواها.

2- أن يكون فيها جالية لبنانية كبيرة يتعدّى عددها 5 أو 10 آلاف نسمة.

3- أن يكون هناك علاقات تجارية وتبادل تجاري بين لبنان وبين الدولة التي يُعيّن فيها السفير أو القنصل.

هذا وقد كان للبنان 98 بعثة ديبلوماسية لبنانية في الخارج، على ما أضافت الأوساط، غير أنّ الوزير بوحبيب قام في عهده وبموافقة مجلس الوزراء بإقفال أو تعليق العمل في 17 بعثة، مع تطبيق سياسة التقشّف. كما قام منذ أكثر من سنة وسبعة أشهر بإجراء مناقلات ديبلوماسية للفئة الثالثة شملت نحو 60 ديبلوماسياً، بين بعض الذين مضى على خدمتهم في الإدارة المركزية في الوزارة نحو أربع سنوات، وبات يحقّ لهم الإلتحاق ببعثات دول الخارج، وبعض السفراء الذين أمضوا أكثر من 4 الى 7 سنوات في دول الخارج الذين استدعوا من الخارج ليحلّوا مكانهم في الخارجية. أمّا الهدف فكان حماية الوزارة والسفارات والبعثات اللبنانية وعدم تعطيل عملها. فالخارجية قد أصابها ما أصاب جميع الموظفين في لبنان جرّاء الأزمة المالية والإقتصادية، إذ تراجعت قيمة رواتب السفراء والديبلوماسيين والعاملين في السفارات، وجرى صرف عدد من الموظّفين فيها، وجرى اعتماد سياسة تخفيض إيجارات المكاتب وسكن رؤساء البعثات، من خلال نقل مقرّ بعض السفارات وسكن السفراء، بسبب خفض ميزانية وزارة الخارجية في الموازنة العامّة. كذلك توقّفت الخارجية عن تغطية سفر الوفود والبعثات الرسمية من قبل الوزارات، لعدم قدرتها على دفع التكاليف التي غالباً ما تكون مرتفعة.

وبناء عليه، فإنّ للبنان اليوم نحو 69 سفارة و3 بعثات دائمة (في كلّ من نيويورك، وجنيف، والأونيسكو) و15 قنصلية عامّة في دول الخارج، يعاني بعضها من الشغور الذي لا يُمكن سدّه من دون إنجاز التشكيلات الديبلوماسية لا سيما للفئة الثانية، والأمر يتطلّب توافقاً سياسياً بين الجهات المعنية. فهناك عدد من السفراء قد أحيل أو سيُحال الى التقاعد، ما يرفع من نسبة الشغور، فضلاً عن أنّ البعض الآخر قد أمضى وقتاً طويلاً في الخارج يفوق المدّة القانونية التي ينص عليها قانون السلك الديبلوماسي. وأبرز هذه الشواغر ويجري إدارتها اليوم من قبل القائم بالأعمال بالوكالة في انتظار تعيين سفير جديد لها، هي بعثة لبنان الدائمة في الأمم المتحدة (يديرها حالياً هادي هاشم)، فرنسا (زياد طعّان)، واشنطن (وائل هاشم بعد إحالة السفير غابي عيسى الى التقاعد)، الأردن (كان يشغل منصب السفير فيها أخيراً جو رجّي قبل تعيينه وزيراً للخارجية)، سورية (مع انتهاء مهمّة السفير سعد زخيا فيها)، والكويت (أحمد عرفة) وسواها.

وتلفت الأوساط الى أنّ عدداً من السفراء اللبنانيين يعمل في بعض السفارات في الخارج، ويتولّى في الوقت نفسه إدارة شؤون دولة مجاورة لا يوجد فيها عدد كبير من اللبنانيين. كما أنّ بعض السفراء لا يقيمون في بعض الدول المعتمدين فيها، على غرار سائر دول العالم لاعتبارات عدّة. وأشارت الاوساط الى أنّ عدداً من السفراء قد جرى تعيينهم من خارج الملاك من قبل الحكومة السابقة، وهؤلاء يُفترض أن يكونوا قد تقدّموا باستقالتهم، سيما وأنّ ولايتهم باتت بحكم المنتهية بعد مضي شهر على انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون. ومن الممكن أن يبقوا في أمكنتهم في حال أعادت الحكومة الجديدة تكليفهم المهام نفسها، وإلّا فسيتعيّن عليها تعيين سفراء جدد بدلاء عنهم من خارج الملاك أو من داخله.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل ستتحرّر حكومة سلام من الضغوطات السياسية والطائفية، التي غالباً ما تتحكّم بالتشكيلات الديبلوماسية؟ أم سيتمّ اعتماد معايير جديدة تتعلّق بالكفاءة من جهة، وبحاجة لبنان الى وجود سفير في دولة معينة أيّاً كانت الاعتبارات من جهة ثانية؟! وهل ستنعكس إعادة هيكلة القطاع العام على تحسين مستوى التمثيل الديبلوماسي للبنان في الخارج؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى