سلام يعدّ فريق التفاوض مع صندوق النقد: البساط خلفاً للشامي شرط التنسيق مع جابر

كتبت الأخبار:
مع اقتراب موعد استئناف المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي حول اتفاق على برنامج تعاون، يعود النقاش في لبنان مجدّداً حول الرؤية التي ستعتمدها الحكومة في مقاربة الأزمة، بشقّيها المالي والنقدي، علماً أن الجميع يعترف بصعوبة إقرار رؤية موحّدة تعيد النظر في شكل الاقتصاد اللبناني عموماً، مع سيطرة هاجس إقناع الدول الغنية بتقديم معونات للبنان مقابل خطوات تقوم بها الحكومة، تحت عنوان «الإصلاحات»، فيما جوهر ما يريده الغرب والخليج يتعلق بالجانب السياسي. وتصبح الأمور أكثر تعقيداً مع الضغط الأميركي المتزايد على لبنان للسير في مفاوضات سياسية مع إسرائيل بشأن النقاط العالقة في اتفاق وقف إطلاق النار ومسألة الحدود.
بقاء الخطاب السياسي الرسمي حول مستقبل المفاوضات ضبابياً، لا يعكس نية أهل الحكم رفض الطلبات الأميركية، لكنه محاولة لعدم الوقوع في فخ نزاع داخلي حتمي، في حال قرّر طرف في لبنان السير في مسار تطبيعي مع العدو.
ولذلك، هناك محاولات حثيثة لنقل النقاش إلى الجانب الاقتصادي والمالي، من خلال التركيز مجدّداً على مشروع الإصلاحات، علماً أن ما رافق تشكيل الحكومة الجديدة، والتعيينات التي أجرتها في المواقع الأمنية والعسكرية، وما هو متوقّع في التعيينات المالية والقضائية، يشير إلى استمرار منطق المحاصصة بمعناه التقليدي. لكنّ الفرق أن الرئيس جوزيف عون يستفيد من دعم أميركي – سعودي غير مسبوق ليفرض وجهة نظره على الآخرين، من دون اشتباك مع رئيس الحكومة أو مع القوى البارزة في البلاد.
لكن، يبدو أن الأمور تتجه نحو لحظة مفصلية، لأن النقاش حول الإصلاحات المالية يقترب من التحوّل إلى بند رئيسي على جدول الأعمال، خصوصاً بعدما لمس الرئيسان عون وسلام أن كل الحديث عن مساعدات خارجية، عربية أو غربية، ليس سوى كلام عام، وأن لا وجود لخطة دعم خارج التفاهم مع «المجتمع العربي والدولي»، فيما يركّز الأميركيون على دور محوري للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وليس عبر المنظمات التابعة للأمم المتحدة كما رغب كثيرون، وهو ما يعزّز التيار المحلي الراغب في وضع استراتيجية خاصة للتفاوض مع هذه المؤسسات.
وفي هذا السياق، يستمر البحث حول اسم الحاكم الجديد لمصرف لبنان، إذ لم يتضح بعد ما إذا كان المرشّح الرئاسي السابق سمير عساف قد وافق على طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس سلام القبول بتعيينه حاكماً، بعدما اعتبر الفرنسيون أنهم لا يحتاجون إلى دور خاص للوزير السابق جهاد أزعور الذي لا يحظى بدعم رئيس الجمهورية، علماً أن المقرّبين من سلام يقولون أيضاً إنه ليس في رأس قائمة مرشحيه لمنصب الحاكم.
تعيين الحاكم الجديد، واختيار نواب أربعة له مطلع حزيران المقبل، سيكون لهما أثرهما على ملفات كثيرة تتعلّق بالإصلاحات المالية والنقدية والاقتصادية، خصوصاً أن هناك نقاشاً حول ضرورة إدخال تعديلات على القوانين الناظمة، بما فيها قانون النقد والتسليف، لإدخال نوع من الرقابة على عمل الحاكم، بعد الفضائح التي حفل بها عهد الحاكم السابق رياض سلامة. كما يجري البحث في وزارة العدل في تعديلات تتعلق بهيئة التحقيق المصرفية، ربطاً بملفات التحقيق المتّصلة بالوضع المالي والنقدي، سواء داخل مصرف لبنان أو مع المصارف التجارية.
وربطاً بهذا النقاش، عادت لتطفو على السطح المعركة الكبرى حول الوجهة التي يُفترض بالحكومة السير بها في المرحلة المقبلة. وبالعودة قليلاً إلى الوراء، يدرك الجميع أن الرئيس سلام عندما كان يسعى إلى إسقاط الصفة السيادية عن وزارات بعينها، وعدم بقائها حكراً على طوائف معيّنة، ومن ثم تحوّله مع فشل هذه الوجهة إلى تحقيق المداورة في الحقائب السيادية، وتكليف أرثوذكسي بوزارة الداخلية وشيعي بالدفاع وماروني بالخارجية، إنما كان هاجسه الأساسي تسليم الوزير عامر البساط وزارة المالية. لكن فشل المحاولة والإصرار على تولي الوزير ياسين جابر حقيبة المالية، جعلا فريق رئيس الحكومة يتعامل مع الأمر بطريقة مختلفة.
يعرف الجميع أن البساط لم يتردّد في التعبير عن غضبه من قبول سلام بالصيغة التي حملت جابر إلى المالية. لكنّ أحداً لا يتحدث عن الثمن الذي وُعد به مقابل إقناعه بقبول حقيبة الاقتصاد، خصوصاً أن وزن البساط يتأتّى أساساً من موقع مجموعة «كلنا إرادة» في البرنامج الأميركي للحكم في لبنان، وهي جمعية لها تأثيرها الجدّي على رئيس الحكومة الذي تربطه علاقة خاصة بغالبية النافذين فيها منذ ما قبل انتفاضة 17 تشرين، التي سعت الجمعية إلى استثمارها سياسياً على مستوى تركيبة السلطة.
وعلمت «الأخبار» أن سلام وعد البساط بتعيينه مسؤولاً عن إدارة التفاوض مع المؤسسات الدولية في المرحلة المقبلة، ما يعني عملياً تسليمه الملفات التي كان يتولاها نائب رئيس الحكومة السابق سعادة الشامي. وقد طلب رئيس الحكومة من البساط المبادرة إلى تنظيم علاقته بوزير المال، لأن الأخير سيكون حاضراً في كثير من التفاصيل، بما فيها تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، ليس فقط ارتباطاً بموقعه الوزاري، بل بكونه ممثلاً للرئيس نبيه بري الذي يرغب رئيس الجمهورية بالتنسيق معه من دون أي توتر.
وإلى جانب الورقة البحثية التي قدّمها البساط بالتعاون مع الباحث إسحاق ديوان، نشر أول أمس على صفحته في موقع LinkedIn ما سمّاه «بعض الأفكار حول أجندة السياسة الاقتصادية اللبنانية»، جاء فيها:
«أولاً، الاقتصاد اللبناني مهيّأ للتعافي. لقد علقنا في حالة توازن سيئة لفترة طويلة. يعمل لبنان بأقل من إمكاناته بكثير، ومسار المقاومة الأقل هو الصعود لا الهبوط. لقد فُتحت نافذة، وهناك أسباب لتوقّع انتعاش اقتصادي حادّ في النصف الثاني من هذا العام.
ثانياً، أربع أجندات للإنعاش على المدى القصير:
* إعادة الإعمار والسياسات الاجتماعية (كلتاهما تتمتعان بمضاعفات مالية عالية)؛
* السياسات القطاعية (خاصةً في قطاعي الكهرباء والاتصالات، وأيضاً في القطاعات الإنتاجية)؛
* إعادة بناء مؤسسات الدولة (بما في ذلك التعيينات الرئيسية)؛
* إعادة هيكلة القطاع المالي ووضع حل عادل ومنصف يصون حقوق المودعين. وستكون «مظلة» صندوق النقد الدولي المدعومة بتمويل أجنبي حاسمة لتمويل هذه الأجندات.
ثالثاً، مع ذلك، يجب أن ترتكز أجندة النمو المذكورة أعلاه على مبدأين أساسييْن. 1) سيظل القطاع الخاص حجر الزاوية في ازدهار لبنان. 2) لا يمكن أن يكون النمو على حساب العدالة الاجتماعية بمعناها الواسع: عبر مستويات الدخل، والمناطق، والأجناس. لا ينبغي أبداً اعتبار هذين المبدأين متعارضيْن.
رابعاً، إطلاق الاقتصاد ضروري ولكنه غير كافٍ. يكمن التحدّي الحقيقي في كيفية الحفاظ على انتعاش اقتصادي (سهل نسبياً) لمدة ثلاث سنوات، وتحويله إلى قصة نجاح تمتد لثلاثين عاماً. هناك عدد كبير من القيود التي يجب التغلّب عليها. وسيكون بذل جهد موازٍ للتحوّلات الهيكلية – الاقتصادية والسياسية – أمراً بالغ الأهمية».